مقالات

الأمهات هن عماد ثورة كردستان الشمالية !

جميل باييك *
في تركيا ما يزال الكثيرون يعتبرون “الحقيقية” هي فقط ما تقوله الدولة ومؤسساتها. العجيب في الأمر أن العديد ممن يطلقون على أنفسهم صفات “المثقفين” و”الكتاب” و”الصحفيين”، يتبعون مزاعم وادعاءات الدولة ومؤسساتها الإعلامية الرسمية. يرسمون مواقفهم بحسب ما يصدر عن الحكومة ووسائل إعلامها. هؤلاء النفر يصدون عن وجود القضية الكردية، ويشيحون بوجوههم عن الظلم الكبير والاضطهاد الكبير الذي يتعرض له الشعب الكردي، ويتمسكون برواية الحكومة حول تأثيم حركة التحرر الكردية واتهامها بالمسؤولية عن كل ما يجري من الانتهاكات والمواجهات.
مهمة هؤلاء تنحصر في كيل الاتهامات لحركة التحرر الكردية وتحميلها كل جرائم وموبقات الحكومة وسياسة الحرب التي تتبناها. كل ذلك يحدث من قبل هذا النفر، ضمانا لمصالح ذاتية، فهؤلاء يسترزقون من الدولة ويأكلون على سفرتها. يطبع خطاب هؤلاء الافتراء والكذب ولوي الحقائق. إن ترداد عبارة “على الدولة أن تفرق بين الإرهابيين والمدنيين”، إنما هو في الحقيقية صك براءة للدولة عن الجرائم المرتكبة بحق أبناء الشعب الكردي، ودعوة مفتوحة للممارسة المزيد من القتل.
على كل مواطن، وخاصة المهتمين والمثقفين، أن يمسكوا بخناق حكومة حزب العدالة والتنمية، وأن يقولوا: انتم وعدتم بحل القضية الكردية وأطلقتم البرامج والخطط، ولكنكم تراجعتم وعدتم إلى سياسة الحرب. لماذا خدعتم الشعب؟، ولماذا فضلتم الحرب وسفك الدماء على الحل الديمقراطي السلمي العادل؟. لماذا دمرتم مرحلة ما بعد لقاء قصر (دلمن باهجه) بين الحكومة ووفد إيمرالي؟. لماذا قلتم: لا توجد قضية كردية في البلاد، لا توجد أطراف متحاورة، ولا توجد طاولة حوار أصلا؟. من يفرض، منذ 9 أشهر، عزلة مشددة على القائد أوجلان، الذي يوصل الليل بالنهار لتحقيق الحل والسلام ؟. من الذي انتهك انتخابات 7 حزيران/يونيو 2014، ورفض نتائجها، لأنها لم ترق له، وأطلق بعدها حملة من الحرب والمواجهات وسفك الدماء والتدمير؟. ماذا كنتم تنتظرون من الشعب الكردي وهو يواجه الموت والقتل والحرب الشاملة؟ هل كنتم تنتظرون منه الاستسلام وقبول سياسة اللاحل واللاإعتراف بهويته ووجوده؟. هل كنتم تنتظرون منه أن يرضخ لسياسة “الأمن القومي” في اعتقال الساسة والشباب ورؤساء البلديات وانتهاك الحرمات والدوس على إرادة الحرية لديه؟. ألم تحرق السلطات المئات من مقار ومباني حزب الشعوب الديمقراطي؟. ألم تتعرض محلات ودكاكين الكرد للنهب والسرقة؟. ألم يتعرض العمال الكرد إلى الضرب والقتل والسحل في الشوارع وأماكن العمل والسكن؟. ألم تقتلوا مئات المدنيين الكرد الأبرياء في المظاهرات والاحتفالات بالانفجارات التي أشرفتم عليها عبر هيئة الاستخبارات (MIT)؟. هل تريدون من الكرد السكوت والاكتفاء بالتفرج عليكم وأنتم تذبحونهم؟.
رفضتم حل القضية الكردية، وواصلتم سياسة الإنكار والإمحاء. أرسلتم مئات الطائرات لتقصف مناطق حق الدفاع المشروع عن النفس، في محاولة لإنهاء حركة التحرر الكردستانية والقضاء المبرم عليها. وسبقت هذه الهجمات الجوية، تصريحات يومية ردد فيها الساسة والمسؤولون في الدولة تصريحات تتمحور كلها حول ضرورة القضاء على حركة التحرر الكردية وإزالتها من الوجود!. هل تنتظرون من الشعب الكردي التفرج عليكم والبقاء مكتوف الأيدي؟.
أمام حملات الحرب وسياسة الامحاء هذه لم يملك الشعب الكردي سوى خيارين: أما القبول بالقتل والخنوع التام وقبول الذل، وأما مقاومة الحرب واللجوء إلى سياسة الدفاع المشروع عن النفس والوجود، وتوسيع النضال عبر التركيز على إرادة الحرية والعيش بعيدا عن سطوة وتدخل الدولة. الآن يركز الشعب الكردي على بناء الإدارة الذاتية وتوسيع سلطاته عبر المجالس المحلية بعيدا عن تدخل وهيمنة ووجود الدولة القمعية الظالمة. لكن الدولة التي رفعت منذ تأسيسها شعار “العلم الواحد، الوطن الواحد، الشعب الواحد”، لم تتمالك نفسها أمام إرادة الحرية والعيش الحر، فشنت الهجمات وراهنت على القصف والحل الحربي للنيل من إرادة الشعب الكردي في الإدارة الذاتية الحرة. الكرد مجبرون للدفاع عن أنفسهم ومكتسباتهم في وجه آلة الحرب والقمع التركية. إن ما يحدث تتحمل مسئوليته الدولة التركية وحكومة حزب العدالة والتنمية التي رفضت حل القضية الكردية وراهنت على سياسة الحرب والحسم العسكري. إن رفض منح الشعب الكردي حقوقه والاعتراف بهويته ووجوده، دفعه لكي يعلن عن مشروعه الديمقراطي في الإدارة الذاتية، وأن يدافع عن هذا المشروع ويحميه بكل قوة، متصديا لسياسة الحرب والإقصاء.
لا توجد ديمقراطية في تركيا. لا يمكن ممارسة السياسة بحرية داخل البرلمان، ولا خارجه أيضا. في ظل حملات الحرب والقمع لا يمكن للشعب الكردي أن يمد رقبته أمام سكين الجلاد. هو لن يفعل ذلك، بل سيقاوم السكين وسيرفض الموت عن طريقه. الشعب الكردي قرر النضال والمقاومة حتى توطيد الحل السلمي والاعتراف بهويته وحقوقه.
كيف بدأت حملات الحرب المنظمة من قبل الحكومة؟ ألم يطلع داود أوغلو ووزراءه على الإعلام وصرحوا بأنهم استعدوا لحملات الحرب والتصفية منذ أكثر من عام؟. بحجة توطيد “الأمن” بدءوا بتحضير حملات الحرب والحصار والتصفية والتدمير. الشباب الكردي وإزاء سياسة القمع الممنهجة هذه اختاروا المقاومة وبدءوا بحفر الخنادق والاستعداد للمقاومة ومنع القتلة من دخول الأحياء لاعتقال وتصفية المناضلين المقاومين. وعندما وجدت الحكومة بان القوات الخاصة والشرطة وعناصر الاستخبارات غير قادرة على دخول الأحياء وممارسة القتل، عمدت إلى الجيش واختارت المداهمات الحربية.
في أعوام الستينيات وعندما كان الجنرالات الأميركان يفشلون أمام مقاومة الشعب الفيتنامي، كانوا يطلبون المزيد من الأسلحة والذخائر والطائرات والمصفحات، لفرض المزيد من القمع وحرق الأرض. الآن المرتزقة الفاشيون في الجيش التركي يفعلون نفس الشيء. يطلبون المزيد من الأسلحة للقتل والتدمير. الآن كردستان تشبه فيتنام. هناك حملة مقاومة شاملة إزاء سياسة الحرب والتطهير والأرض المحروقة. النصر سيكون حليف الثوار في كردستان مثلما كان حليف الثوار في فيتنام.
البعض من الذين يعتبرون هذه المقاومة فقط عبارة عن “شباب غاضبين” يخطئون كثيرا. هذه مقاومة شاملة ومشروعة، ولديها مشروع دفاع ونضال واضح المعالم. الشباب الكردي المقاوم يصرخ بأنهم “فدائيوا القائد أوجلان”. إن اعتبار الأمر واختصاره في “غضب الشباب الكردي” إنما هو تصغير لحجم المقاومة والتضحيات التي تبذل. مشروع الإدارة الذاتية تم إقراره من خلال مجالس الشعب المحلية المنتخبة. الشباب هو الفئة الفاعلة الديناميكية القادرة على المقاومة والرد على العدوان. الشعب الكردي يرد بطريقته على حملة الحرب وسياسة اللاحل، ويرفض الخنوع والذل، ويريد توطيد إدارته الديمقراطية الذاتية بعيدا عن الدولة، والدفاع عنها بكل الوسائل.
الشباب الكردي هم عماد الثورة. الأكثرية الساحقة من مقاتلي “الكريلا” هم من الفئة الشبابية. لكن كل الشعب مشارك في النضال والمقاومة. في الصدارة تقف الأمهات الكرديات. المرأة الكردية كالعادة في المقدمة. ثورة الحرية هي في الأساس ثورة تحرير المرأة. ما يحدث في كردستان هي ثورة شعب مقهور مظلوم يطالب بحقوقه وهويته وأختار العيش بحرية واستقلال. وهي ليست ثورة “فئة عمرية غاضبة” مثلما يحاول البعض تصويرها. الشباب هم في مقدمة المقاومة. هم في الخندق الأول…
* صحيفة (Yeni Özgür Politika) الكردية الصادرة في أوروبا.
الترجمة: المركز الكردي للدراسات.

زر الذهاب إلى الأعلى