الأخبارمانشيت

إلقاء محاضرة حول المحور السادس والأخير من ملتقى الحوار السوري السوري

بعد الانتهاء من المحور الخامس يستمر الحوار السوري –السوري ب بتقديم آلدار خليل عضو اللجنة التحضيرية محاضرة حول المحور الأخير للحوار السوري –السوري الذي يحمل عنوان “آليات توحيد المعارضة الديمقراطية العلمانية”.

وجاء في نص محاضرة عضو اللجنة التنفيذية لحركة المجتمع الديمقراطي سابقاً ألدار خليل ما يلي:

الأزمة في سوريا تعاني من الفوضى في ظل استمرار العنف والعنف المضاد بدعم ومساندة من مراكز القوى المستفيدة بسيناريوهات تفوق أحياناً طاقات الشعوب على فهمها ناهيكم عن التصدي لها، لدرجة باتت وجهاً لوجه أمام خطر الانحلال إن لم توجه الأمور وفق توجهات سليمة تنقذ ما تبقى منها، خصوصاً أن ما تسمي نفسها ويسميها البعض أيضاً بالمعارضة السورية دخلت في متاهات ودهاليز لا تفهمها ولا تملك وعياً يؤهلها للخروج منها، وبالنتيجة تتحول لأداة تخدم الآخرين وليس أدل على ذلك من تحول الكثير ممن كانت تسمي نفسها قوى معارضة لأحضان داعش والجماعات السلفية الجهادية ومبايعتها ومشاركتها بالمجازر الجماعية على امتداد ساحات تواجدها دون رادع.

تمكن النظام عبر الحرب الخاصة مستفيداً من وضع قوى المعارضة سياسياً وعسكرياً من فرض استراتيجيته إلى حد كبير للوصول إلى الثنائية التي باتت معروفة /النظام أو القوى الإسلامية المتطرفة/، ونجح فيها إلى حد كبير، الاستثناء الوحيد كان موقف مكونات شمال وشرق سوريا الذي أُعلن منذ البداية تمثيله للثورة بأسلوبه الخاص، واعتماد خطط عمل مناسبة رفضتها المعارضات الأخرى وأثبتت التطورات التي شهدتها الساحة السورية صوابية الموقف الديمقراطي السلمي هذا.

أمام هذا الكم الهائل من المشاكل المعقدة التي دفعت بسوريا إلى هذا الواقع لابد من اعتماد حلول جذرية لا تكتفي بمعالجة الأعراض بل تتوجه نحو الأسباب وإزالتها ومنعها من الانتكاس أو الظهور مجددا ويكون ذلك من خلال دمقرطة هذا الواقع بشكل كامل تحصل من خلالها كل المكونات الموجودة على كامل حقوقها دون إنكار أو إقصاء، لفتح الطريق أمامها للتطور والعطاء لتكون سوريا وطناً يشارك في بنائه وينعم بخيراته ويديره الجميع.

وهنا يمكن القول بأنها أمة لا تتكون من قومية أثنية ولا دينية ولا اقتصادية ولا ثقافية ولا لغوية واحدة بل ستكون الأمة المشكلة من التعددية التكوينية للجسم الحقيقي للمجتمع السوري وهذه هي الأمة الديمقراطية المستندة إلى الأسس الديمقراطية والحريات والعيش المشترك لكل المكونات والعمل على بناء وتهيئة الأرضية المناسبة لظهور الفرد و المواطن الحر وهذا هو الحل المطروح للتنفيذ و الذي يعطي المجتمع و الفرد ككل إمكانية تطور الذهنية والتفكير و هنا لا بد من الإجابة عن السؤال الآخر الأساسي الذي يطرح نفسه من تلقاء ذاته ألا وهو : ماهي الإدارة الذاتية الديمقراطية، وما هي الأسس التي يجب الاعتماد عليها وامتلاكها في الحل الديمقراطي الجديد.

تعبر الإدارة الذاتية الديمقراطية عن التفسير الديمقراطي غير الدولتي لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها. إذ بمقدور الديمقراطية والدولة أن تلعبا دورهما كسيادتين تحت السقف السياسي عينه. والدستور الديمقراطي هو الذي يرسم الحدود الفاصلة بين مساحتي نفوذهما.

إن الإدارة الذاتية الديمقراطية هي التعبير الملموس للحل الديمقراطي في سياق حل كافة القضايا الاثنية ومنها القضية الكردية أيضاً. وهي مختلفة عن المواقف التقليدية. ولا ترى الحل في اقتطاع حصتها من الدولة السورية بل وحتى أنها لا تنساق وراء تشكيل دول اثنية بمعناها شبه الاستقلالي. ومطلبها الأولي من الدولة السورية هو اعترافها بحقوق كافة الاثنيات والقوميات في إدارة أنفسهم بأنفسهم وبإرادتهم الحرة وعدم زرعها العراقيل على درب تحولهم إلى مجتمع وطني ديمقراطي. فإذا كانت الدولة الحاكمة ملتزمة بالمبدأ الديمقراطي فعلاً، لا قولاً، فحتى لو لم تناصر المجتمع الديمقراطي، فعليها ألا تعيقها أو تفرض عليها الحظر.

بالنظر إلى هذه اللوحة السورية المتأزمة الكارثية لابد لنا من التصدي بوعي ودراية لهذا الانحدار السريع نحو الهاوية، حيث تسبب نموذج الدولة القومية بمآس وأزمات مزقت البنية المجتمعية ولا يمكن تجنبها إلا بتحول ديمقراطي راديكالي حقيقي, وإعادة النظر في سوريا الراهنة والعمل على تحويلها إلى وطن يتلاءم ويتوافق مع قيم العصر ومبادئه دون التخلي عن الأصالة التاريخية لهذا البلد ومكوناته وتراثه وثقافته وحضارته وتعدديته.

إننا أمام مهمة جديدة وتحديات كبيرة تفرض على الجميع أحد أمرين لا ثالث لهما:

– إما المشاركة فعلياً وعملياً في عملية التحول الديمقراطي لسوريا وتجاوز بقايا النظام والتسلط القومي الأحادي الشوفيني بشكل يؤمن المشاركة الديمقراطية الحرة وسبل التطور لكل مكونات المجتمع السوري على قدم المساواة.

– أو ترك سوريا لبراثن الرجعية الارتدادية المتعفنة المتمثلة في التشكيلات الجهادية السلفية لتحيل الغنى الحضاري، الثقافي و المجتمعي في سوريا إلى صحراء.

إن الإصرار على اللامركزية في سوريا، لا يعني إلغاء المركز كلياً، بل إن المركز سيتحول من كونه أداة تحكم إلى وسيلة تنسيق وتوحيد بين جميع الأجزاء التي تشكل الكل، مع احتفاظه بوظائف أساسية تحمل الصفة الاستراتيجية العامة.

لا بد أن تكون الدولة في الجمهورية السورية على نفس المسافة من كل الثقافات والأديان واللغات وغيرها من العناصر المختلفة للشعوب والمشاركة في بناء سوريا ديمقراطية تحقق الفصل بين الدين والدولة، وستكون من مهمات الدولة تأمين الأجواء الديمقراطية لتطور العناصر الثقافية المكونة للمجتمع بما فيها الأديان والمذاهب والطوائف بشكل حر، وعدم السماح بسيطرة إحداها على الأخرى، ولا تهميش أحدهم للآخر.

هذا الوطن يمكنه أن يحيا بسلام ووفاق مع محيطه الديمقراطي، لابل ستكون سوريا مثالاً يحتذى بها في الشرق الأوسط للتحول الديمقراطي الحقيقي الأصيل، وسيتمتع باحترام الجميع من الشعوب والمجتمعات المجاورة. وسوريا الديمقراطية ستشكل أرضية جديدة لبناء الإنسان والمجتمع بشكل سليم، وستدفع باتجاه خلق المواطن الفرد الحر.

يجب أن ندرك أن تنوع مكونات سوريا المجتمعية عابرة للحدود، لا تتوقف عند حدود الدولة السياسية وهذا التنوع سيشكل أساساً لعلاقات صحيحة وصحية مع دول الجوار، وستشكل أرضية خصبة لبناء علاقات كونفدرالية ديمقراطية قد تعم الشرق الأوسط الذي يرفض بطبيعته تكوينات النظريات القوموية العرقية والدينية بما فيها الدولة القومية.

بالنظر إلى هذا الواقع السوري يمكن أن نرى بكل سهولة أن الأحداث التي جرت حتى الآن بدأت بتمزيق النسيج المجتمعي السوري وتصدع الوحدة الوطنية بسبب إصرار الأطراف المتصارعة على استخدام العنف.

استمرار هذا الواقع سيدفع باتجاه التقسيم مما سيحدث انفجارا يهدد المنطقة برمتها نظراً لتشابه أوضاعها وتركيباتها لذا لا بد من إيجاد حل لهذا الواقع المتردي الذي وصل إلى حافة الانهيار عبر إيجاد حلول عملية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا ووقف الانفجار الذي يهدد ليس فقط الدولة السورية بل حتى المكونات المجتمعية في كل المنطقة.

الحل السياسي ما زال هو الحل الوحيد وبديلاً للحل العسكري في إطار الوحدة السورية القائمة على أساس احترام التعددية على كل الجهات والأصعدة والمكونات من خلال التخلص من مفاعيل التوجهات والأفكار القومية الأحادية الإنكارية وإجراءاتها ومؤسساتها نحو بناء مجتمع ديمقراطي تعددي في دولة لا مركزية قادرة على فسح المجال أمام كل عناصر المجتمع لتلعب دورها الحقيقي في سوريا المستقبل ويجب ألا يغيب عن بالنا أن الأزمة السورية باتت أزمة إقليمية ودولية نتيجة التدخلات الخارجية على أرض الواقع.

ومن أجل وقف نزيف الدم السوري وإنهاء حالة التشرذم والتبعثر التي تمر بها سوريا وقواها السياسية والتي تسببت في هدر طاقات المجتمع السوري وديناميكياته الداخلية وتتويج الثورة السورية بالنصر ولإعادة بناء سوريا ديمقراطية حرة على أساس اتحاد التنوعات والاحترام المتبادل بين الكل السوري والأجزاء المكونة له لا بد من وضع خارطة طريق لحل الأزمة السورية على أسس الديمقراطية التوافقية والعدالة والمساواة بين الجنسين، واعتبار حرية المرأة ضمانة كافة الحريات.

لا بد من الالتزام بعدة مبادئ تتفق عليها القوى السورية للوصول إلى حل سياسي واقعي في مثل هذه الظروف:

1- الانتقال من النظام الاستبدادي المركزي والقوموي إلى نظام ديمقراطي لامركزي يتشارك فيه جميع السوريين في الإدارة والبناء.

2- محاربة الجماعات المتطرفة الجهادية التكفيرية بمختلف مسمياتها.

3- احترام التنوع المجتمعي السوري بكافة مكوناته وأطيافه ومذاهبه والحفاظ عليه.

4- الحفاظ على وحدة الوطن السوري.

اعتماداً على هذه المبادئ الأساسية فإننا نرى أنه على القوى السورية الفاعلة على الأرض أن تتحرك بقوة لطرح نموذجها من خلال الوصول بالتوافق إلى صيغة مشتركة للحل وهذا ممكن من خلال النموذج الذي طرحناه سابقاً مما يستوجب:

أولاً- طرح مشروع الحل المعتمد ومناقشته مع كل القوى السياسية المؤمنة بالحل السلمي الديمقراطي بدون استثناء والنقاش معها لإيصال المشروع إلى صيغته النهائية للبدء بإجراءاته العملية.

ثانياً- الاتفاق على تجمع يضم قوى المعارضة الديمقراطية وعقد اجتماع موسع لممثليها للسير بالمشروع وتطبيقه على أرض الواقع.

ثالثاً- عقد مؤتمر وطني سوري (مؤتمر السلام والحل الديمقراطي السوري) تُدعى إليه كافة القوى السياسية المؤمنة بالحل السلمي ومؤسسات المجتمع المدني والفعاليات المجتمعية برعاية من الأمم المتحدة.

رابعاً- انتخاب مجلس من المؤتمر محدود الصلاحيات ومن كل المكونات والأطياف مع مراعاة نسبة تمثيل المرأة والشبيبة ويكون مسؤولاً أمام المؤتمر ويكون من مهامه:

1- العمل على وقف إطلاق النار وتثبيته مع ضرورة التعاون الأممي.

2- إطلاق سراح المعتقلين السياسيين على خلفية الأحداث والكشف عن مصير المفقودين.

3- التواصل مع الدول المعنية بالأزمة السورية والمنظمات الأممية والحقوقية.

4- إدارة المرحلة لحين جهوزية الانتخابات العامة.

5- يقوم المجلس بتشكيل لجنتين الأولى مهمتها صياغة مسودة دستور ديمقراطي متفق عليه من قبل كل السوريين للدولة السورية الديمقراطية والثانية لتحديد آلية وشكل الانتخابات العامة في سوريا.

هذا ومن المقرر أن تنتهي أعمال ملتقى الحوار السوري –السوري ببيان ختامي.

زر الذهاب إلى الأعلى