مقالات

أخاف أن أسيء إلى من أحبه على صفحات الفيسبوك

الكاتب الساخر “الجاحظ” كان يسخر من نفسه دوماً في الكثير من مخطوطاته ومدوناته النثرية, ولكن شيطاناً انتفض في داخله عندما عيَّره أحد الكتاب على شكله, فكان ردّ الجاحظ مدوياً من خلال القنابل التي أطلقها على هذا الكاتب في رسالته المشهورة “التربيع والتدوير”. وبمعنى أَوضَحْ إنك عندما تطرق الباب ستسمع الجواب.

ما نوَدُّ الحديثَ عنه هنا, هو ما يرتكبه البعض من أخطاء ومساوئ على صفحات التواصل الاجتماعي بحيث يدوِّن وينشر كل ما يُسيء إلى المجتمع سواءً بِقصدٍ أو من دون قصد وإلى وحدة الصف ويساعد على بث روح الكراهية والبغضاء من خلال نشر مقاطع فيديو أو من خلال التغريدات أو البوستات نراها أو نسمعها أو نقرأها  وهي على الأغلب ليست سوى سُباب وشتائم بلغة ركيكة رديئة لا تصلح لمجتمعاتنا ” لغة سوقية “كما يقال. لقد وصلنا إلى درجة أننا نخشى أن نسيء إلى من نحبهم على صفحات التواصل الاجتماعي.

بصراحة لقد ازدادت تقاليع التفاهة التي تجتاح حياتنا وتشوِّه الوعي والوجدان وتعمم لغة سوقية بذيئة في التخاطب بين مختلف شرائح المجتمع فكثيراً ما نشاهد أو نسمع أو نقرأ المعارك الدائرة على بعض صفحات التواصل الاجتماعي وهذه المعارك تتواصل باستمرار حيث تبدأ بتخوين أحدهم للآخر إذا لم يعجبه ما كتبه الآخر أو يصفه بالموالي لهذا أو ذاك لتحتدم المعركة بينهما.

بعد كل ذلك لم نعد نستغرب أي كلام. خصوصاً وأن لدى هؤلاء وغيرهم من يشجعهم ويتبناهم, فالجمهور الواسع العريض يتقاطر ويتهافت على سماع خبر يروي عطشه وربما يلبي بعض آماله وأحلامه نحو الأمن والأمان.

لكن ما يفعله البعض من بثٍّ لخطاب الكراهية ونفث السموم على هذه الصفحات بما يناسب أمزجتهم وحالاتهم النفسية والمعنوية, بعيدة كل البعد عن المصداقية الإعلامية.

طبعا, الموضوع لا يمكن تعميمه فهناك الكثيرون من أصحاب الخيارات الواعية والراقية والاختيارات الجيدة التي تستحق المتابعة بل والتصفيق  علماً أن أغلب هؤلاء لا يحظون بالدعم والتأييد والمساندة والتفاعل اللازم.

إزاء هذه الحالة المريعة لا يَعرِفُ المرءُ ماذا يفعل أو كيف يتصرف سوى الابتعاد قدر الإمكان عن هذه الصفحات أو أصحاب هذه الأساليب كيلا يسمع النشاز والشواذ من الأحاديث والكتابات.

في النهاية لا يسعني إلا أن أقول: إن المجتمعات المختلفة نرى منها كل يوم ما يدل ويؤكد على تخلفها في مجمل تفاصيل حياتها وتعلن عن نفسها من خلال مثقفيها وكتاباتهم وانتقاداتهم ولكن هذه المجتمعات ترفض تماماً أن يدعوها أحد بذلك كما فعل الجاحظ بصديقه الكاتب.

“أحبوا بعضكم أيها المقيمون في الوطن وخارجه, أحبوا بعضكم أيها الغافلون عن ذكريات الوطن؛ تلك الذكريات التي تحاصركم ولا تشعرون بها, لنتوقف عن كل مساومة ومجادلة باسم الوطن”…

زر الذهاب إلى الأعلى