مقالات

مربي العقارب سيموت بسمها

lzgin-ibrahimمن يضعُ عقرباً في جيبهِ عليهِ أن يتوقعَ لدغتهُ في يومٍ ما !.. يبدو أن جيب أردوغان مليءٌ هذه الأيام بالعقارب والثعابين والعناكب السامة التي جمعها بيده، واحتار اليوم في كيفية تصريفها، ولذلك كثرت اللدغات وتعددت مصادرها، أمرٌ ليسَ غريباً مع شخصٍ اتبع في سياساته تربية ودعم جماعات إرهابية ومرتزقة ومتطرفة واستخدامها كبيادق في تمرير سياساته في المنطقة، ثم التنازل عن بعضها أو بيعها في غرف السياسة المغلقة والمتاجرة بها متى ربحت تجارته بهم.

واغتيال السفير الروسي “اندرية كارلوف” في انقرة برصاصاتٍ اطلقها رجلُ أمن تركي كان يردد بصوتٍ عالٍ حلب والانتقام والثأر ويُكبِّر “الله أكبر”، مع كل رصاصة يطلقها، فإن هذا الاغتيال وبالطريقة التي جرى تنفيذه عبرها، يلخص محنة تركيا ومحنة المنطقة بأسرِها، وما يمكن أن تواجهه في الأشهر والسنوات المقبلة.

فهوية القاتل الواضحة بأنهُ رجلُ أمن تركي في العشرينات من عمره، وإقدامه على عملية الاغتيال هذه، كاشفاً عن ميوله “الجهادية” وتشدده الإسلامي، فهذا يدل على مدى استفحال هذا الوباء التطرفي الإرهابي في جسم المؤسستين العسكرية والأمنية في تركيا، وهذا بالتأكيد لم يأتي من فراغ، بل جاءت نتيجة سياسات أردوغان الذي لا يخفي هو الآخر ميوله الإسلامي المتشدد، وجمعه العناصر الذين يحملون الذهنية الجهادية المتطرفة، وادعائه بتمسكه بالدين الإسلامي “السني” واستخدامها ورقة رئيسية ضمن مخططات أهدافه في إعادة بناء الإمبراطورية العثمانية، وتنصيب نفسهِ سلطاناً أو أمير المؤمنين بلعبهِ على وترِ الدين وخاصةً المتشدد منه.

وإن كان القاتل دخيلاً إلى الجهاز الأمني أو من أحد اتباع “غولان” كما تدعي حكومة أردوغان، في محاولةٍ منها ابعاد الشبهات عن نفسها، فهذا يعتبر عذراً أقبح من الذنب، فلا يُخفى على أحد أن أردوغان هو من أسس جماعة فتح الله غولان، ودعمها عندما كان بحاجتها لتثبيت دعائم سلطته وحكمه في تركيا، وأن يكون غولان بوقه الذي يدعو الناس لإطاعة ولي أمرهم ونعمتهم، وعندما أحس أردوغان أن بوقه حُظيَّ باهتمامٍ زائدٍ من قبل الشعب في تركيا، وخاصةً المخدوعين به تحت شعارات الدين الإسلامي، وتخوف أردوغان من أن يسحب غولان البساط من تحت قدميه لتجمع كافة المتطرفين حوله، أعلن أردوغان العداء معه، وأعلنه كحركة إرهابية ليستفرد بالحكم، ومثله مثل مرتزقة داعش والمجموعات المرتزقة الأخرى التي أنشأها ورباها أردوغان منذ بدايات الأزمة السورية على يديه، وثم بيعها الواحدة تلو الأخرى بعد أن ينتهي مهمتها.

فما نريد قوله أنه بغض النظر لمن يتبع قاتل السفير الروسي فبالنتيجة هو من صنع سياسات أردوغان حتماً.

مشهدٌ جديدٌ أفرزته عملية الاغتيال الصادمة هذه، فبينما كان العالم معتاداً على صورة الإرهابي المتشدد على أنه في الغالب يكون ملتحياً ويرتدي ثوباً، ولكن هذه المرة الذي يحمل مسدسا وأطلق منه الرصاصات التي اسقطت السفير كان شاباً في العشرينيات أنيقاً ويرتدي بدلة حديثة، ويقدم خطبة وحده عن مفردات يقولها بأكثر من لغة تتردد فيها كلمات: حلب، محمد، الجهاد.

طريقة القتل المباشر ورفع الاصبع والصراخ وترديد كلمات الانتقاد والتكبير هي نفس المشاهد التي رأيناها لدى تنفيذ مرتزقة داعش وباقي المجموعات المتطرفة عمليات القتل لضحاياها، ولكن اختلف شكل القاتل، أما الذهنية والأسلوب هي نفسها.

هذه المفارقات تدل على أن الإرهاب والفكر المتطرف الجهادي تغلغل إلى العقول ولم تعد واقفة عند شريحة من مجتمعات العالم الثالث، بل تغلغلت بين كافة الشرائح بفعل الدعايات وغسيل الأدمغة التي تنتهجها حكومات اسلامية وعلى رأسها تركيا، والتنظيمات المتطرفة التابعة لها، فبينا كان بالإمكان تميز المتشدد والمتطرف من مظهره الخارجي، الآن يستحيل معرفة الأدمغة المتطرفة من غيرها، لأن الجهاديين الجدد أصبحوا يتقمصون شخصيات أسيادهم أصحاب البدلات وربطات العنق الأنيقة وحليقي الذقن ومن يخطبون على المنابر وشاشات التلفاز.

وبعد انتشار هذا الوباء في جسم تركيا المريض أصلا والمتعب من تداعيات سياسات أردوغان، ودخولها إلى أدق مسامات أجهزة الدولة، هل سينجو أردوغان من لدغاتها وسمها؟ وكيف سيتمكن من إزالة هذا السرطان الذي زرعه بيده في تركيا؟ وفي كل الأحوال لابد أن يتسمم مربي العقارب بلدغتها يوماً ما.

لزكين إبراهيم

زر الذهاب إلى الأعلى