المجتمع

مدينةٌ كاملةٌ في رقعةٍ جرداء … مخيم عين عيسى

مخيمات اللجوء هي أكثر الأماكن بؤساً؛ فيها يعيش الإنسان أقسى الأوقات، يهرب من ويلات الحرب إلى برٍّ أكثر أماناً، يقبل ضعف الموارد المعيشة وانعدامها في سبيل إنقاذ حياته وأطفاله، لكن مع التطور التقني يسعى الإنسان دوماً لتحسين ظروف العيش، وهذه الحالة تعمم على اللاجئين أيضاً الذين يعانون شدة الظروف. ولعلنا نحصل على توثيق مأساة اللاجئين ونطالعه عبر الإعلام، وبهذا الهدف سلطنا في صحيفة الاتحاد الديمقراطي الضوء على مخيم عين عيسى وما يعيشه المرء هناك:

مع قدوم الشتاء حركة البيع والشراء باتت ضعيفة

محمود الأحمد: صاحب أول بسطة في مخيم عين عيسى، وهو معيل 13 شخص، يقول: “إنهم يجلبون البضاعة من مدينتي منبج والطبقة، وهي بشكلٍ أو بآخر غير متوفرة بشكل كامل، عددٌ كبيرٌ من شعب سوريا والعراق متواجدٌ هنا، بمعنى أن العدد كبير متى ما نأتي بالبضاعة نجدها لا تكفي لسد احتياجات الناس، والبضاعة لا تتوفر؛ أما التجار يرفعون الأسعار ويبيعوننا بالدولار. وفي إحدى المرات قلت للتجار بيعونا البضاعة بالليرة السورية فنحن لا نفهم بالدولار”.

وعن سؤالنا كيف هي أسعاركم قال بلهجته العامية: “والله على كيف الزبون” وبشيءٍ من الاستياء عبّر عما قاله للزبائن بأنه سيضع صندوقاً في المحل في حال أخذوا غرضاً فليضعوا في الصندوق مبلغاً من المال حسب رغبتهم لا حسب الأسعار.

وبمرارة القول يؤكد العم محمود أن أغلب السكان هنا لا يملكون المال؛ لذا عملية البيع بطيئة، فيقول: “نربح من القطعة الواحدة 25 ليرة سورية أو 50 ليرة فقط لا أكثر من هذا المبلغ”، ويحمد ربه ويكمل: “ماذا سنفعل جراء ضيق ذات اليد”.

سألناه عما إذا كان يبيع بالدين؛ أجاب بالنفي وبرر السبب بقوله: “من المحتمل ألا يبقى هذا الزبون الذي بعته بالدين طويلاً في المخيم، فيخرج بعد يوم أو يومين أو أسبوع، وأنا لا أسمع بنبأ خروجه فأخسر رأسمالي”.

مع قدوم الشتاء حركة البيع والشراء باتت ضعيفة، بقلب يحمل الأسى العم محمود تمنى لو المنظمات تكفلت بجلب البضاعة وباعتها للناس؛ لكان من الأفضل بكثير على حد زعم العم، كان من الممكن أن يبيعوها بسعر أرخص أو أنهم يجلبوا البضاعة الغير متوفرة من المناطق الأخرى مثل تركيا والعراق ونحن نوافق على ألا نعمل. لأنني أسافر لمسافة 200 كيلومتر لأجلب البضاعة في حين أنها لا تتوفر.

مخيم عين عيسى كبيرٌ يضاهي مدينة عين عيسى وتل أبيض 

جلال العياف الرئيس المشترك لمخيم عين عيسى خلال حديثه لصحيفتنا ذكر أنهم أنشؤوا المخيم في نيسان 2016، بدأوا عملية الإنشاء من نقطة الصفر أي من لا شيء، وأن المخيم الآن يضاهي مدينة عين عيسى وكري سبي (تل أبيض) من حيث عدد السكان؛ وقال: “إن أولى عمليات حالات النزوح في المخيم كانت من الهيشة والمناطق القريبة من خط الجبهة، استقبلوا أعداد قليلة قرابة عشرين يوماً، وكلما امتدت الجبهة باتجاه الرقة زاد الضغط عليهم. ويشير العياف إلى أن الهيشة كانت أولى حملات النزوح ضخامةً، هؤلاء تمت إعادتهم إلى مناطقهم خلال 4 أيام”.

يقول العياف: “إن منظمة الفرات هي التي قدمت أول خيمة للمخيم، وكونسير جهزت الحمامات”، ويتابع بقوله: “أنشأنا 50 خيمة عندما اتجهت حملة تحرير الرقة باتجاه المزارع وهي نقطة أقرب إلى الرقة من النقاط آنفة الذكر”.

المخيم كان مركزاً للأقطان؛ أُحْرِقَ على عهد الجيش الحر وداعش، فقامت مفوضية شؤون اللاجئين بتهيئة المكان، وحولت أرضيته من رمادٍ محروقٍ إلى تلبيسٍ أبيض، أُنْشِئَتْ عليها الخيم ونُظِّمَتْ من قبل المفوضية، أما منظمة الكونسير فقد جهزت المياه والحمامات، وأنهت عهد نقل الماء بالصهاريج.

بعد فترة زاد عدد النازحين؛ فزادت عدد الخيم وعلى إثرها أهّلت الكونسير البئر الذي يبعد عن المخيم قرابة (300 ) م وجهزته بالغطاسات ومولدة الكهرباء، لأن الماء لم يكفي المخيم لضخامة العدد، وازدياد عدد الخيم التي وصل عددها إلى (1140 ) خيمة؛ وكلهم من أهالي الرقة، وعند التعرض لحملة نزوح جب الشعير الكبيرة، نازحي هذه الحملة كانوا من منبج إلى المسكنة إلى الطبقة إلى الرقة الذين وقفوا في عين عيسى (35000) شخص بيوم واحد فبقيت إدارة المخيم تحت الضغط عشرين يوماً.

العياف أكد أن المنظمات قدمت يد العون والعمل كان طوعياً حسب استطاعتهم، وقتها لم يكن مجلس الرقة المدني قد تأسس بعد، عقب هذه الفترة استقر وضع المخيم وبعدها عاد سكان منبج والمسكنة وإعزاز إلى مناطقهم وبقي سكان الرقة فقط في المخيم.

المخيم الأول بلغ عدد خيمه 1140 خيمة، بعد استقراره بدأت إدارة المخيم بالإبداعات وأولها هي تشغيل أهل المخيم بالنظافة حيث أسسوا مكتباً للتشغيل، وبدأوا بـ 20 عامل للعمل داخل المخيم. المنظمات احتاجت للأيدي العاملة، فلم تقبل الإدارة بعمال من خارج المخيم كي يعملوا داخله بل أردوا أن يعمل سكان المخيم ويكسبوا قوت عيشهم.

منذ البداية؛ الماء والخبز كانوا مجاناً، وطالبت إدارة المخيم المنظمات بإنشاء مطبخ داخل المخيم فاستجابوا؛ وتشكل المطبخ بواسطة مجلس الرقة المدني تحت خيمة واحدة، وفيها تم إعداد الطعام قدر المستطاع، وبدأت المنظمات تقدم الدعم، وعند تأسيس المجلس المدني للرقة حصل المخيم على الدعم، فالدعم الحالي (7000) ربطة خبز يومياً و2 طن من الأكل للمخيم كاملة و (57) عاملة مطبخ يتم توزيعهن على مطبخين ضخمين.

ولسهولة الإدارة قال العياف: “إنهم شكلوا قطاعات، المخيم الأول يتألف من 8 قطاعات وكل قطاع يتألف من (100) خيمة يترأسها (5) مخاتير أي أن كل عشرين خيمة مسؤولٌ عنها مختار، ويؤكد العياف أنهم سمحوا للناس بفتح محلات تجارية ليعملوا؛ وبالفعل عملوا وطوروا عملهم حتى يمكنك إيجاد محلات للذهب داخل المخيم، ومنهم مَن طلب العمل خارج المخيم ونحن بدورنا وافقنا وأعطيناهم بطاقات تجوال (نوطة) ليخرجوا صباحاً للعمل ويعودون مساءً.

طالبت إدارة المخيم بدفعة نقدية للمخيم حتى استجابت منظمة (مرسي كور) التي وزعت دفعة نقدية قبل العيد بأيام على جميع سكان المخيم أكثر من 40 مليون ليرة تم توزيعها داخل المخيم وعند قدوم العام الدراسي استجابت اليونيسيف ووزعت ألبسة لجميع أطفال المخيم من عمر 6 سنوات إلى عمر 12 وحقائب مدرسية، وحالياً يدرس في المدرسة 600 طالب يدرسون مرحلة التأهيل، وروضة أطفال يدرس فيها 240 طفل.

بعد بدء حملة نزوح أهالي دير الزور؛ تعرضت إدارة المخيم أيضاً للضغط؛ حيث لم  يوجد مكان ضمن المخيم، فاشترت الإدارة قطعة أرض مقابل المخيم بثمن بسيط قدمها صاحبها بسعر رمزي، واعتبر جلال العياف هذا الأمر عمل إنساني وشكر لصاحب الأرض تعاونه.

جمعية بهار قدمت يومياً (100) خيمة وتوزع (100) حصة والتي تحوي (6 اسفنجات، 6 بطانيات، أدوات مطبخ، خيمة وعازل واسطوانات الماء وصندوق توزع على العوائل) والحصة التي قدمتها الجمعية أكبر الحصص التي قُدمت للناس.

العياف أكد بقوله: “أنشأنا 1150 خيمة وبذلك أقفل المخيم ولم يعد لدينا قدرة استيعابية داخل المخيم، عدده الكامل يتراوح بين (25700- 26000) الأغلب من دير الزور، بالإضافة إلى (300) عائلة من العراق، ودمجنا سكان دير الزور بسكان الرقة”.

منظمة IRD تشغل لديها حالياً أكثر 175 عامل، وسيصل العدد إلى 225 وهم عمال النظافة يقبضون مُرَتَّباً شهرياً قدره (105) ألف والعامل يعمل على مدار شهر واحد فقط حتى يعطي المجال لغيره من العمال ليعيلوا عوائلهم، أما طبيعة عملهم تتجلى لمراقبة النظافة وجمع القمامة من داخل القطاعات والحاويات لرميها بالجرارات، وكل 20 عامل يترأسهم مراقب نظافة واحد يبدأ دوامهم من 8 صباحاً حتى 5 مساءً بشكلٍ يومي، كما ويندرج ضمن هذه الحملة تنظيف الحمامات ودور المياه وتعقيمها.

الصحة أضعف القطاعات

جلال العياف اعتبر القطاع الصحي أضعف المجالات، حيث أنشئت صيدلية داخل المخيم توزع الأدوية مجاناً؛ من الأدوية المصادرة من الصيدليات المخالفة، لكن هنالك قلة واضحة في الدواء.

والأطباء مشكورون يؤدون عملهم من بينهم الهلال الأحمر الكردي وأطباء بلا حدود ونقطة طبية فتحتها جمعية المودة.

مطالبات

مجلس الرقة المدني قدم أغطية شوادر، أما الحاجات المطلوبة هي بناء جدار حول الخيمة على ارتفاع متر حتى يحمي الخيمة من ماء المطر، واستكمال عدد الاسفنجات والبطانيات للمخيم كاملة، الوضع الأمني مستقر حتى الآن لم يحدث بمخيم عين عيسى أي إطلاق ناري ولا تفجير رغم الكثافة العددية.

مناشدة العياف

وأخيراً قال العياف: “نحن سوريون وأهل لكل سوريا؛ نستقبل كل السوريين ومشروعنا إنساني أخلاقي نناشد المنظمات الدولية والعالمية أن يقدموا يد العون لهؤلاء وفي النهاية الجميع سيعود إلى داره ولن تبقى المخيمات.

NRC لم تدفع أجور العاملين

اشتكى عبدالناصر علي حمدي أحد المشرفين على مطبخ المخيم من عدم إيفاء أجور العاملين في المطبخ من قبل منظمة NRC التي تكفلت بالأجور، فالعاملين يبلغ عددهم (52) شخصاً ثلاثة أرباعهم من النساء، يدخلن إلى المطبخ الساعة التاسعة صباحاً كل يوم، يطهين الطعام لوجبة الغداء التي تكفي 5 أشخاص، يوزعونها على جميع عوائل المخيم دون أي استثناء.

فيقول عبدالناصر حمدي:” إن العائلات بحاجة إلى المال لإيفاء احتياجاتهم، حيث أن السلات الغذائية التي يتم توزيعها شهرياً عليهم غير كافية، هذه السلات تضم (4.5 كيلو حمص، 4.5 بازيلا، 4.5 عدس مجدرة، كيلوين سكر، 10 كيلو عدس، زيت عدد 5)”.

الخالة عنود تسأل المعنين توفير مستلزماتهم

الخالة عنود الأحمد: أم جهاد؛ امرأة مسنة نزحت من مدينة الرقة، وهي الآن تسكن مخيم عين عيسى؛ تقول: “إن الخبز والماء متوفران، و50 امرأة تعمل في المطبخ تقدمن وجبة طعام، إلا أن عدد الأطباء قليل والأدوية غير متوفرة بالشكل المطلوب في الصيدلية؛ لكن طبيب النسائية يداوم في المخيم بالأسبوع مرة وكذلك طبيبان آخران لم تذكرهم الخالة.

عنود الأحمد أمٌ لشابين معاقين لا يسمعان ولا يتكلمان (صم وبكم) تعيش معهم في الخيمة وتقضي ليلها معهم تحت بطانية واحدة، وتنادي المعنيين من إدارة المخيم والمنظمات بتوفير مستلزماتهم الضرورية من لحاف وبطانيات ومستلزمات الشتاء، وتقول أن لهذا الفصل قساوته وتأمل أن يتم إعانتهم.

جولة في المخيم

في المخيمات حيث تكثر الأمراض وتنتشر من قلة العناية؛ وجدنا لافتة خلال جولتنا بالمخيم كتب عليها “لقحوا أطفالكم مع كل حملة، واحموهم ضد شلل الأطفال عبر المراكز الصحية والفرق الجوالة” ولربما التوعية هي الهدف من هذه اللافتة، ولفت انتباه سكان المخيم إلى ضرورة الإلمام بصحة أطفالهم لضمان سلامتهم.

وتحدث لنا أهالي المخيم عن المدرسة والروضة؛ إلا أننا لم نتمكن من الوصول إلى أياً منهما لأن الدوام فيهما انتهى واضطررنا إلى العودة في الصباح الباكر من اليوم الثاني.

وجدنا بسطات بمثابة الدكاكين تتوفر فيها الحاجات التي يمكن إيجادها في أي محل بالسوق، أصحابها يجلبون البضاعة من مدينة منبج وغالباً ما تكون أسعار محال المخيم أخفض من أسعار مدينة عين عيسى. في المخيم مررنا بجانب محل يقوم بصرف الدولار، ووجدنا محال الحلويات والبقالة ومحلات كثيرة أخرى.

رغم أن حياة المخيمات قاسية إلا أننا وجدنا أصوات ضحكات أطفالهم تملئ المكان، والنساء تعملن وتتبادلن ما تشتهين من أحاديث في المطبخ، وأخريات رأيناهن ينظفن خيمهن، وشبابهم الذين ينتظرون فرص العمل يجتمعون حول سوق المخيم ومقر إدارته. إلا أن لباس غالبية الأطفال غلب عليه طابع الاهتراء.

إعداد: سيدار رمو   

زر الذهاب إلى الأعلى