مقالات

مدن المقاومة الثلاث

مصطفى عبدو

شنكال, كوباني, عفرين, وكأن قَدَرَ هذه المدن الكردية الثلاث, أن تكون درعاً حامياً للمنطقة والبلاد, ضد كل أنواع الإرهاب المدعوم دولياً، وسجَّلت ومازالت تُسجل كل مدينة من هذه المدن في الوقت الحاضر؛ سِجِلاً مُشَرِّفاً من البطولات والمقاومة ضدَّ كل أشكال الإرهاب في المنطقة.

سطور أخرى من ذهب ونور تكتبها قواتنا في مختلف المناطق والجبهات، حينما تتصدى اليوم لجحافل الجيش التركي التي قررت الانتقام من إرادة الشعوب المتعايشة والمتآلفة، والتي تسعى من خلال ما ترتكبه من حماقات إلى إيجاد مناخ ملائم لِزَجِّ الشعب السوري في أتُونِ حربٍ أهلية، وفرض إرادتها على هذا الشعب, وتنبع خطورة هذا العمل من كونه يتم بالاتفاق والتنسيق مع عدوها التقليدي “الروس” إلى جانب أجنداتها مِنْ ما يسمى بالجيش الحر وجبهة النصرة. وفي وقت تعاني منه السياسة التركية الفشل الذريع وتواجه بداية تغيير عميق.

 نعم؛ يحاول الأتراك اليوم اقتحام أبواب عفرين الآمنة، ظناً منها بأنها ستكون ضعيفة في دفاعاتها, وأنها ستحفظ ماء وجهها بهذه الخطوة؛ لكن غاب عن أذهان الأتراك قوَّة المقاومة الشعبية في المدينة. لتتكبد جيوشها ومرتزقتها خسائر فادحة على الأرض أمام القوات الشعبية المتمركزة. فمنذ اليوم الأول من محاولة اقتحامها مدينة الزيتون، ومع تزايد الخسائر البشرية بين جنودها؛ بدأت تركيا تُدرِك خطورة مستنقع الشمال السوري وإرادة شعوب المنطقة؛ في وقت حتى أصدقاؤها لم يتمكنوا إخفاء قلقهم العميق.

يبرر البعض بأن هذه الخطوة التركية تأتي في محاولتها إدارة الأمور لصالحها واستغلالها، ولم ينسى هؤلاء أن هذه التحركات سوف تضر تركيا على المدى البعيد والمتوسط, وآخرون يرون أن العلاقات الأمريكية التركية في أسوأ حالاتها منذ التاريخ الأمريكي التركي، وهذه العلاقات لم تعد متينة وخاصة أن واشنطن آثرت قوات سوريا الديمقراطية على حليفتها أنقرة، وخاصة عندما بدأت واشنطن تخطط لمستقبل سوريا من دون تركيا، واستبعدت تركيا عن المخططات المستقبلية للمنطقة بما فيها سوريا.

ولكن في الشأن الكردي والسوري هناك سؤال يفرض نفسه بإلحاح:

لماذا تضع بعض الأطراف أرجلها في الماء البارد وكأن الأمر لا يعنيها؟ أهي لا تدرك خطورة ما يجري فعلاً ؟ أم أنها صامتة لتحصل على بعض الطمأنينة الزائفة التي تعفيها من المسؤولية؟ أم أنها لا تستطيع التنفس إلا بأمر ورضا سيدها أردوغان؟

مهما كان سبب هذا التقاعس المشبوه وهذا التواطؤ؛ فأن مما لا ريب فيه إنه حتماً سيقود هذه الجهات إلى حتفها، وأنها ستنتهي قريباً إلى مزبلة التاريخ.

يجري كل هذا وتحاول عفرين أن تلتحق بشقيقاتها كوباني وشنكال اللتان لاتزال بطولاتهما خالدة في أذهان العالم لارتباطهما بنصر تاريخي؛ وهذا النصر هو ملك لكل الأجيال، وتمنح الأمل، وتحفِّز على المقاومة، وتدعم العائلات التي ضحَّت بزهرات شبابها في سبيل أن تحيا الأجيال القادمة حياة كريمة.

زر الذهاب إلى الأعلى