المجتمع

مجلس بلدة تل معروف بين رغبات التطوير ومعوقات الواقع

يُعدّ تنظيم المجتمع وتفعيل مؤسّساته المدنيّة من أهمّ وأبرز الخطوات الأساسية الّتي يتوجب اتّخاذها لرفع مستوى الوعي المجتمعي, والرقي به نحو الحقوق والواجبات,  فالمجتمعات المدنيّة ذات البنية المؤسّساتيّة والذهنيّة المتنوّرة هي الّتي يتمّ من خلالها دفع الإنسان باتجاه تحمّل المسؤولية ويعي أمور الحياة, والدّفع باتجاه تطوير قدراته العقلية ومواهبه الذاتية وخصاله الإنسانية, ويحثه على التفكير والإبداع والنقاش والاهتمام بمواضيع  الكرامة والعدالة والحرية والمساواة والحقوق والواجبات, حيث يُعتبر الضمان لهذه القيم  هو بناء وترسيخ  البنية المؤسساتيّة للمجتمع على كافة الصُّعد, سواءً كانت (السياسية أو الاقتصادية أو الخدمية  أو التربوية ……. ), والتي من شأنها النهوض  بالمجتمع ودفعه نحو الرقي والتطور, فالمجتمعات المؤسساتية التي تمتلك القيم المبنية على درجة الوعي بقضايا أمتها هي الوحيدة القادرة على تمهيد الأرضية لبناء مجتمع ديمقراطي حرّ, ينعم أفراده بالحرية والكرامة والرفاهية الاجتماعية, ويؤمن لأبنائه حقوقهم المشروعة.

 ومن هنا فان سنوات الصراع التي شهدتها سوريا بشكل عام, وانحدار المنطقة نحو صراع مرير خارج عن إرادة الشعب السوري وتطلعاته, الّذي خرج وثار من أجلها, حيث لم يعد هناك أيّة بارقة أمل تنقذه من أتون هذه المقتلة التي استهدفت بنيته المجتمعية ومنظومته القيمية, وفي ظل هكذا أوضاع مريرة كانت مبادرة المكونات المجتمعية في الشمال السوري بمثابة الشعاع المنبثق من دوامة الدم المظلمة, حيث بات مشروع الإدارة الذاتيّة ولاحقاً الفيدرالية الديمقراطية عبر مؤسساتها الديمقراطية هو البلسم الذي من شأنه إعادة سورية إلى رونقها الحضاري, والذي بات من الواجب الاخلاقي والحس الوطني ترسيخ دعائمه المؤسساتية التي من شأنها إنقاذ سوريا أرضاً وشعباً.

ومن هذا المنطلق ارتأت صحيفة الاتّحاد الدّيمقراطي الوقوف عن كثب على آلية عمل مؤسسات الفيدرالية الديمقراطية لروج آفا وشمال سوريا, حيث قمنا بأخذ آراء عيّنة من القائمين على مجلس بلدة تل معروف التّابعة لناحية تربسبيه, والتّعرف على  النواحي الخدمية والتّوعويّة المقدّمة ضمن البلدة, ومجالات التّقصير والمصاعب الّتي تواجه عمل المجلس, وآفاق الحلول وسبل تجاوزها.

باسل يوسف الرئيس المشترك لمجلس بلدة تل معروف:

بداية نشكر صحيفة الاتّحاد الدّيمقراطي على هذه البادرة الّتي من شأنها تنوير المواطنين بمهام وواجبات المجلس كمؤسّسة مدنية توعية خدمية ضمن المجتمع.

 وتابع يوسف:

حقيقةً بعد إجراء الانتخابات الفيدرالية في 22سبتمر انطلاقاً من الكومينات ووصولاً الى انتخابات مجالس البلدات والنّواحي, كان لابدّ أنّ تقوم مجالس البلدات بالعمل بكلّ جهدٍ لخدمة المجتمع الّذي وضع كامل ثقته فيها ,لكنّ عمل مجلس بلدتنا لم يكن بالمستوى والأداء المُراد منه, وذلك نتيجةً لبطء آليّة تفعيله وقلّة الإمكانات المتاحة له, ولكن رغم ذلك فقد كانت هناك أقسامٌ من المجلس مارست عملها بشكلٍ جيّدٍ كلجان (الصّلح والحماية والشّبيبة والمرأة), لكن بشكلٍ عامٍّ الّلجان ليست مفعّلةً بالشّكل المطلوب, فكما هو معلومٌ منذ بداية العمل ضمن المجلس في شهر شباط, قمنا بتنظيم العمل حسب النّظام الدّاخلي ضمن البلدة, ابتداءً من تفعيل الكومينات,  حيث تمّ تشكيل لجان 27كوميناً, ولكن آليّة العمل لم يتمّ تفعيلها بالشّكل المطلوب حسب البرنامج الانتخابي المقرّر العمل به, والوعود الّتي كنّا قد قطعناها للموطنين ضمن حملتنا الانتخابيّة في قائمة الأمّة الدّيمقراطية,  فصعوبات العمل والواقع حالت دون تحقيق حتّى الحدّ الأدنى من هذه الوعود, فكما هو معلومٌ, بلدة تل معروف كسائر مدن وبلدات روج آفا تعرّضت بنيتها التّحتيّة والفوقيّة للتّخريب والدمار, نتيجة ممارسات المجاميع الإرهابية, وكذلك نزوح العدد الأكبر من قاطنيها, وهنا يمكننا القول بأنّ المجلس يراد منه الكثير, ولكنّ الإمكانات المتاحة لنا قليلةٌ وغير كافيةٍ لخدمة المواطنين, كما أنّ قسماً من هذا التّقصير يعود للمجلس ولجانه أيضاً, وذلك لأنّ التّجربة الفيدراليّة جديدة على مجتمعنا, والخبرة لاتزال متواضعةً, ولذلك يتطلب منّا العمل بجهدٍ أكبر سواء عبر الدّورات التّدريبيّة, أو من خلال الجّولات والحملات الميدانيّة, وذلك للوقوف على نواحي التّقصير والنّقص ضمن البلدة وقراها, كما أنّ عمل بعض مؤسّسات الإدارة الذّاتيّة الخدميّة تؤثّر سلباً على عمل المجلس, وخاصةً مؤسسة الكهرباء وبرامج تقنينها غير الكافية, والّتي تؤثّر بدورها على تامين مياه الشرب, كما أن كمية  ونوعية الطحين الخاص بصناعة الخبز تحتاج إلى اهتمامٍ أكثر من قبل المطاحن, حيث من الممكن تقليل كمية النخالة لتحسين نوعية الخبز وجودته, كما أن المنطقة تعرضت هذه السنة إلى جفافٍ وشحٍّ  بالأمطار, ممّا أدى إلى ضررٍ في القطاع الزراعي وتأثيره بشكلٍ سلبي على الفلاحين والمواطنين بشكل عام, وهما ما أدّيا إلى زيادة الطلب من قبل المزارعين على البذار المخصّصة للموسم القادم, وتدعيمه من قبل هيئة الزراعة, ومحاولة تأمينها قدر الإمكان للفلاحين, وتوفير نوع من الدعم للزراعات والمحاصيل المروية,  سواءً أكانت  المحاصيل الاستراتيجية كالقمح, أو المحاصيل الخضرية (الخضروات ), كما أن زيادة أسعار المحروقات كانت لها آثار سلبية على القطاع الإنتاجي بشكل عام وخاصة الزراعة, والمرجو إعادة النظر فيها عبر تقديم نوع من التسهيلات وخاصة لأصحاب المشاريع الإنتاجية, كما أن كمية الغاز المخصصة للبلدة وقراها غير كافية, ونحن نعاني من نقص شديد فيها, والتي تؤثر بشكل سلبي على آلية توزيعها بشكلٍ متساوٍ, حيث قدمنا بدورنا كمجلس عبر إحصاء رسمي للسّكان كمية الغاز المطلوبة لسد احتياجات المواطنين من هذه المادة الضرورية, لكن الكمية المخصصة من قبل الناحية غير كافية, وليست كما هو مبين وفق جدول الإحصاء.

أمّا حمدية حسين الرئيسة المشتركة لمجلس بلدة تل معروف فقد قالت:

العمل ضمن مجلس البلدة يتطلب الكثير من الجهد لخدمة المواطنين, وخاصة من النواحي المتعلقة بالمرأة, فكما هو معلوم عُرِفَت الثورة في روج آفا وشمال سورية بثورة المرأة, وهي ما شهدناها واقعاً من حجم التّضحيات الّتي قدمتها المرأة وخاصة من الناحية العسكرية, حيث أصبحت المقاتلات في وحدات حماية المرأة رمزاً لمجابهة الإرهاب العالمي, وهذه التّضحيات أجبرت العالم على الوقوف بأجلال واحترام أمام شخصياتٍ كالمناضلة آرين وبارين وآفستا …. وغيرهن اللواتي لا يزلن يجابهن الإرهاب والذهنيات الذكورية المتحجرة, ونحن في مجلس بلدة تل معروف وكسائر مؤسسات الفيدرالية الديمقراطية عملنا يتمّ بشكل متساوٍ  بين الرجل والمرأة, وبطريقة ندية تشاركية, حيث تم تشكيل اللجان الخاصة بالمرأة, ووضع قوانين خاصة بها, كما أن هناك بعض المشاريع الخاصة بالمرأة والتي من المقرر تنفيذها خلال فترة قريبة إن توفر الدعم الكافي, وكذلك نحن في المجلس نقوم بالتنسيق مع مؤتمر ستار للوقوف على الجوانب التي تخص المرأة بشكل خاص, هذا وبالإضافة إلى تواجد المرأة بشكل فعال في كافة لجان المجلس.

وتابعت حمدية:

نعاني من قلّة الإمكانات وخاصة من نواحي الحملات التوعوية المقدمة  للمرأة والمشاريع الخاصة بها, والتي من شأنها أن تزيد من قدرات المرأة وترفع سويتها الإنتاجية وتدفعها نحو الإبداع لضمان بناء مجتمع سليم متجانس من كافّة النّواحي.

أمّا محمد صالح حسن الرئيس المشتركة لبلدية الشعب في تل معروف  فقد قال:

 بعد إجراء الانتخابات الفيدرالية في روج آفا وشمال سورية وانتخاب المجلس البلدي والّذي يتألف من أحد عشر شخصاً, تمّ تطبيق نظام البلدات المركزية, حيث كانت خطوة في الاتجاه الصحيح لترسيخ الهيكلية المؤسساتية لنظام الفيدرالية الديمقراطية, وهنا كان لابد من قيام البلديات بمهامها الخدمية وواجباتها تجاه المواطنين وتلبية احتياجاتهم الحياتية بما يتناسب والمصلحة العامة للمجتمع, ولكن كانت هناك صعوباتٌ كثيرةٌ واجهتنا وحالت دون قيامنا بمهامنا بالشكل المطلوب, فكما هو معلوم هناك ركيزتان اساسيتان للعمل البلدي, الأولى هي الإمكانات الماديّة, والثانية هي توفر الآليات, ومن ناحية الإمكانات المادية لم يتمّ تخصيص ميزانية كافية للبلديات المركزية  ضمن البلدة, حيث لا يزال الاعتماد على الكتلة السابقة المخصصة للبلدية قبل نظام الفيدرالية, وبقائها دون أيّ تغيرٍ, مع العلم أن بلدية تل معروف يتبع لها مركزين خدميين بالإضافة الى بلدة تل معروف و37 قرية, بسبب اتساع البقعة الجغرافية التي تتبع لبلدية تل معروف فإنّ هذه الميزانية لا تكفي حتّى لتغيير دواليب جرار البلدية, أما من ناحية الآليات فلا يوجد سوى جرار للنّظافة ضمن البلدية, وهو أيضاً قديمٌ ولا يكفي للقيام بمهام النظافة في البلدة وقراها, وحتّى لو قمنا بتنظيم برنامج لجولات النظافة فقد لا تصل خدمات النظافة للقرى سوى مرةً واحدةً في الشهر, أما المراكز الخدمية التابعة للبلدية فهي بدورها تعاني من هذه الناحية, وقد قدمنا بعض المقترحات بهذا الشأن إلى بلدية الشعب في ناحية تربسبيه وهيئة البلديات والبيئة لتزويد البلدية ومراكزها الخدمية ببعض الآليات (تركس ,بوبكات ,صهريج للمياه ,آلية تسليك مجاري الصرف الصحي )وغيرها والتي تعتبر ضرورية للمجال الخدمي,  وكذلك هناك أمور أخرى لها تأثير على مهام العمل البلدي, كنقص الكهرباء والتي تؤثر على كمية مياه الشرب وحاجة المواطنين منها, وخاصة ونحن في فصل الصيف وأهم مشكلة  تواجهنا هي نقص مياه الشرب, وقد طرحنا بعض البدائل الاسعافية كتأمين مولدات خاصة لآبار مياه الشرب, ونامل أن تلبي هيئة البلديات طلبنا بأسرع وقت

وتابع محمد صالح:

الناحية التنظيمية ضمن البلدية تعاني أيضاً من عدم تفعيلها بالشكل المطلوب, فهي لا تزال حسب نظام الإدارة الذاتية, ومقتصرةٌ فقط على الديوان  والمالية والخدمات والرئاسة المشتركة, أما بقية الأقسام كالضابطة والمكتب الفني وقسم الآليات والإعلام والمحروقات و مكتب المرأة, وغيرها كالمستودعات والاستعلامات والحراسة ونظام المناوبات, فهي لم تفعّل بعد, ونأمل أن يتم تشكيلها وتفعيلها بأسرع وقت.

وبعدها التقينا مع وليدة محمود الرئيسة المشتركة لبلدية تل معروف, والّتي قالت:

إن ما حققته المرأة في روج آفا وشمال سوريا من ثورةٍ ذهنيةٍ وتغييرٍ للمفاهيم الرجعية ذات الصبغة الذكورية كانت أساس نجاح نظام الادارة الذاتية, ومع اتساع آفاق الثورة لتشمل جميع مناحي الحياة, لعبت المرأة الدور الأبرز فيها, فالعمل ضمن المؤسّسات المدنيّة المجتمعيّة التي تهم المواطنين وتمس حياتهم المعيشية ينبغي أن يكون على النديّة التشاركية بين الرجل والمرأة, فما عانته المرأة ضمن النُظُم التسلطيّة في الشرق الأوسط عموماً وسوريا على وجه الخصوص من تهميشٍ لدورها الريادي ضمن صفوف المجتمع ومؤسساته, سببت الكثير من المعاناة التي تمرُّ بها سوريا والمنطقة, حيث كان يُنظر إلى المرأة على أنّها يجب أن تكون محصورة في العائلة ويقتصر دورها على إنجاب الأطفال, ومع تبلور الثّورة في روج آفا وشمال سوريا بدأت المرأة تأخذ دورها الريادي فيها, حيث كان نظام الرئاسة المشتركة تجسيداً لذلك الدور، ونجاح المرأة فيه وفي مختلف النواحي حقّقت الكثير من المكتسبات والانتصارات, وخاصةً في المجالات العسكريّة والمجتمعيّة والتربويّة والخدميّة, وكان إثباتاً بأنّ الثورة الحقيقيّة في روج آفا والشمال السوري هي ثورة المرأة.

وتابعت وليدة:

 مع بدء تطبيق النظام الفيدرالي في شمال سورية كان لابد من أن تلعب المرأة دورها الريادي وتأخذ مكانها الطبيعي الذي اقصيت منه في الفترات السابقة, ونحن في بلدية الشعب في تل معروف نعمل بنظام الرئاسة المشتركة وكذلك بقية الأقسام التي سيتم تفعيلها سيكون للمرأة الدور الأبرز فيها, وكما هو معلوم فالمرأة لها نظرة خاصة بالنواحي الجمالية, ولها القدرة على إضفاء نوع من الإبداع والتميز في هذا المجال, الذي يقع في صلب عمل البلدية ومهامه, وذلك عبر تقديم مشاريع تنموية وإنتاجية خاصة بالمرأة, يكون لها شأن في تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي ضمن المجتمع, والمرأة لها خاصية تؤهلها للقيام بمهام الإدارة من النواحي الاقتصادية والإنتاجية, تماماً كما نجحت المرأة في روج آفا وشمال سوريا في الميادين العسكرية, وأصبحت رمزاً للحرية والانعتاق من الاستبداد ومواجهة الإرهاب في جميع أنحاء العالم.

إعداد: ياسر خلف

زر الذهاب إلى الأعلى