مقالات

لكن ماذا عن ضرورات اليقظة ودوام المقاومة في منعطف عفرين؟

يشهد الوضع في روج آفاي كردستان وعموم كردستان، بل عموم المنطقة مزيداً من الحساسية والظروف الاستثنائية التي هي أشبه ما تكون بالمنعطف الحاسم وعليه؛ فإنه لا بد من العمل وبشكل مسؤول في البحث عن إجراءات عملية تؤدي إلى الوحدة الوطنية الخيار الضروري وإلهام للمرحلة التي نعيشها والتي سنعيشها لاحقاً. فأي قرار متخذ بالهجوم على أي جزء من كردستان هو إعلان إبادة ممنهجة ضد عموم المكتسبات الوطنية الكردية وهجوم مباشر على عموم مناطقها. وقد رأينا دلالات عملية للهجمات التي تمت من قبل دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها على مناطقنا مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة التوقيت المهمة في ذلك. ومن حيث كان الهدف واحداً والعمل ضد أي توجه كردي أياً كان وواقعية هذه الخطوة تجسدت في سري كانية حيث تم المساس بعلم الإقليم وفي عفرين كذلك، بالإضافة إلى أعلام ورموز روج آفا. ما يدل على أنَّ العدوَّ حينما يهاجم لا يفرق بين أي طرف كردي وما يظهر من مواقف إعلامية ليست سوى نفاقٍ وكذب لا أكثر مهما حاول العدو تحديد طرف كردي معين كعدو له. لذا؛ حينما يكون العدو واحداً لا يمكن القول: إنَّه جيد في بعض الأمور وسيء في أخرى، العدو عدوٌ ولا يمكن أن يكون إلا محتلاً وسيئاً.

في عفرين تبحث دولة الاحتلال التركي عن خيارات الشرعنة بعد أن أدركت أنَّها شنَّت عملية لا أساسَ قانونياً وشرعياً لها وبخاصةٍ مع ظهور صيحات داخل تركيا. لذا فإن تركيا تعمل ومن خلال مجلس عنتاب الذي أعلنت عنه لإدارة عفرين لتضليل الرأي العام وتقديم مواقف من خلالها بما هو متعلق بتسليم عفرين إلى أهلها دون أن تعترف بأنها هي من دمرت وقصفت المدنيين وشردت الأهالي، واليوم تريد إسكان مجموعات تابعة لها والتغيير في نسب التوزع السكاني وتقديم المجلس المكون من مجموعات عميلة ليس لها أي قيمة في الشارع الكردي على أنهم مؤهلون لإدارة عفرين، الأمر يتشابه مع جهود صدام حسين عام ١٩٧٥م في باشور كردستان حينما قام بالتفاوض مع مجموعات تابعة لها من الكرد وعملت على إظهارهم على أنهم أصحاب القرار في القضية الكردية بعد أن هيَّأت لهم ظروفاً معينة بعد استغلال حالة التراجع والخذلان الدولي للزعيم مصطفى البارازني ولثورته في باشور كردستان، ومن أمثلته أيضاً حكومة فيشي النازية. إن في التاريخ محطات مخزية أيضاً تتشابه فيها وسائل الهدم والدمار، وهذا ما يبينه اليوم أردوغان في البحث عن الكرد الذين يخدمون العدو؛ لا الذين يريدون مقاومته وتحرير أرضهم منه؛ فالذي يرى أنَّ أبناء جلدته عدوٌّ لطرف وينال ثقة وتعاون هذا الطرف العدوَّ نفسه؛ فإن هذا يعني أنَّه عدوٌّ وخائن وممارساته هي أكثر عداوة من العدو نفسه.

الظروف اليوم مختلفة ولا يمكن لتركيا أن تعيد بعض النظريات والتجارب القاتلة الممهورة بالفشل سابقاً؛ ففي روج آفا توجد ثورة لا تزال ماضية ومستمرة بزخم جماهيري وشعبي ولها صدى عالميٌّ وصل إلى مستويات مهمة خلال سنوات قصيرة؛ كذلك يوجد رصيد كبير من الشهداء ويسير في خطهم الثوري وطريق نضالهم عشرات الآلاف. لذا؛ فإن الحسابات في تصفية الثورة الديمقراطية في روج آفا؛ خاطئة للغاية، ولا يمكن أن تتم وسط الأهداف التي يناضل شعبنا على تحقيقها ويعمل ويقاوم من أجلها.

إن المقاومة التي استمرت في المرحلة الأولى لقرابة الشهرين كانت أسطورية وتعتبر تلك المقاومة منعطفاً قوياً نحو المقاومة القادمة؛ لما تمتلك من إصرار وعزيمة ثورية يمكن وصفها بجدارة بأنها مقاومة العصر. ومن أجل الحفاظ على الخط الذي بدأ منذ سنوات في عفرين وتوضح بكل قوة في ٢٠ كانون الثاني من العام الجاري لا بد من العمل للحفاظ على الخط والمستوى نفسهما مع مراعاة التغيير في الأحداث التي تمت مؤخراً. وحالة الانسحاب الذي تم من قبل الإدارة في عفرين في خطوة استباقية للحفاظ على حياة المدنيين يجب أن يتمَّ دعمها بخطوة البقاء حول عفرين والصمود في المناطق التي تستوجب البقاء فيها. فالابتعاد والهجرة ظواهر سلبية ولا تخدم المقاومة. لذا؛ فالبقاء والصمود جهود متممة للمقاومة العسكرية التي تتم في الساحات. وهنا لا بد من اليقظة من العودة إلى مركز المدينة والنداءات التي يطلقها مجلس العملاء بتعليمات الدولة التركية فخٌّ محكم الأهداف وله وظيفة واحدة؛ تتمحور حول إضفاء الشرعية على وجود الاحتلال للمدينة من جهة ومن أخرى طمس معالم وهوية المدينة السكانية من خلال مقارنة العائدين مع الذين تم توطينهم وبالتالي إعلان مدينة عفرين بهوية وطابع سكاني آخر مزور من خلال فرض وجود جماعات الإخوان والمرتزقة وإيصال نسبتهم إلى ٥٥% النسبة التي يريد أردوغان من خلالها إنهاء الوجود الكردي والتاريخي في عفرين وبهذا تنتهي مهمته. خطوة أخرى تبحث عنها دولة الاحتلال التركي وهي الحصول على اعتراف أي طرف كردي وعلى وجه الخصوص المجلس الوطني الكردي للمجلس المُشكَّل في عنتاب بوصاية تركية، هذه الخطوة تستوجب اليقظة والحكمة وهي خطوة استجرارية نحو مخطط سيء التحضير، وهنا موقف المجلس الوطني الكردي مهم وبيانه ضروري حيث أنَّ الأحزاب الكردية والعربية والسريانية في روج آفا موقفها واضح من مجلس العملاء في عفرين المجلس الذي يتكون من أفراد خونة مرتزقة، يصفون أنفسهم بالكرد وهم بعيدون عن ذلك، إنهم ثلة فقدت أدنى حس إنساني ووطني وقومي قبل أي شيء آخر، ولا يوجد لها مثيل في أي مكان، فهم تجاوزوا كل الخونة والعملاء وغلبوهم في الصفة والوصف، فئة مأمورة من العدو ويخدمون مصالحه، مأجورين ويلعنهم التاريخ وسينتقم منهم شعبنا، وهذه الخطوة ملزم بها المجلس الوطني كذلك، ولا بد من التمعن والتفكير في إن الإهانات التي تمت على يد المرتزقة المدعومين تركياً في سري كانية وعفرين كانت لكل الرموز والأهداف الكردية، كذلك مهم للقوى الكردية التي تؤثر على المجلس الوطني أن تمارس دورها في منع انجرار المجلس لخطوات عدائية كهذه ضد شعبنا وضد مقاومته وشهدائه في عفرين. أبدى المجلس الوطني الكردي دوراً مقبولاً حينما رفض حضور مؤتمر سوتشي ونأمل منه إبداء موقف مماثل حيال مجلس العملاء في عفرين وهو رفض الاعتراف أو التعاون معه بأي شكل.

شعبنا مستمر بمقاومته في عفرين وعموم روج آفا ولن يتراجع عن خيار النصر أبداً، كل الخطوات التي تمت وآخرها الانسحاب لضمان حياة المدنيين هي خطط ضمن استراتيجيات النصر القادم وتخدم المرحلة اللاحقة بشكل كبير وضامن كبير لعملية النصر، لن يكون هناك تراجع عن المقاومة، عفرين ستعود حرة لأن الاحتلال والعبودية لا يليق بها، الحرية صنُعت لأهلها وعفرين وشعبها أهلٌ للبطولة فيستحق النصر. إنما ذلك يعني أنَّ اليقظة والحيطة والحذر واجبٌ من قبل جميع الأطراف التي تهمها هوية عفرين وتاريخها الحقيقي.

زر الذهاب إلى الأعلى