تقاريرمانشيت

 كيف نحافظ على السّلم الأهلي؟

منذ القرن الماضي وشعوب الشّرق الأوسط تعاني من ظلم وإقصاء وتسلّط الأنظمة الحاكمة لها, فبعد أن ثارت هذه الشّعوب على مستعمريها ونالت استقلالها, ساد نوعٌ من التّعدّديّة السّياسيّة في حياتها, ولكنّ رياح القوميّة والحزبيّة عصفت بهذه المجتمعات, فقامت الانقلابات العسكريّة, واعتلت أنظمة الحكم الدكتاتوريّة السلطة في دول الشّرق الأوسط, وباتت الشّعوب ترزح تحت هذا الحكم, فتشكّلت الممالك والسّلطنات وبعض الجّمهوريّات الّي كانت بالأصل ممالك تحت هذا المسمّى, وعانت الشّعوب من الظّلم والإقصاء والتّمييز, وكان أمامها خياران, فإمّا أن تكون مؤيّدةً للحكومات الّتي تحكمها فتُمنُح حقّ الحياة والمواطنة, وإمّا أن تكون معارضةً لها فتسجن في المعتقلات وتعاني من الظّلم والإقصاء, و السّلطات الحاكمة لهذه المجتمعات كانت تخشى من رياح الدّيمقراطيّة الّتي لوحدها تستطيع أن تعصف بها, فدأبت إلى نشر ثقافة تقديس الحاكم, من خلال تسييس التّعليم وتحريف التّاريخ وتقوية القومية الحاكمة على حساب إضعاف باقي القوميّات والمكوّنات, هذا كان حال الشّرق الأوسط عامّةً.

في سوريا انتفض الشّعب تحت مسمى الثّورة أسوةً بدول الرّبيع العربي, وتعاطف الشعب السّوري مع أهل درعا وطالبوا بالحريّة والإصلاحات, ولكن ونتيجة عدّة أسباب انحرفت الثورة عن مضمونها واتّجهت نحو العسكرة والطّائفيّة والتّبعيّة لجهاتٍ إقليميّة ودوليّة, واندلعت حربٌ طائفيّة ومذهبيّة, وتشكّلت فصائل تابعةٌ لمذاهب وتياراتٍ دينيّة, وانتشر الدّمار والقتل والتّهجير والاعتقالات والمجازر, وبرزت هناك فئتان مؤيّدون ومعارضون, وباتت هاتان الفئتان تقتتلان وتدمّران والضّحيّة كان الشّعب السّوري.

من بين هذه الأهوال برز الخطّ الثّالث الّذي لا يرتبط بأيٍّ من الاتّجاهين المذكورين آنفاً( النّظام والمعارضة), الخطّ الدّيمقراطي الّذي يتبنّى مفهوم الأمّة الدّيمقراطيّة المستند على الدّيمقراطيّة والتّعايش المشترك وأخوّة الشّعوب, انطلق شرارته من المناطق الكرديّة في شمال شرق سوريا, وتبنّاه حزب الاتّحاد الدّيمقراطي PYD مستلهماً مبادئ وأسس ومشروع الأمّة الدّيمقراطيّة من فكر وفلسفة الفيلسوف والقائد عبد الله أوجلان, فبعد تحرير المناطق الكرديّة من جبهة النّصرة وضعت مكوّنات مناطق الجّزيرة من كردٍ وعربٍ وسريانٍ وآشور أيديها مع بعضها, وأيقنت أن مصيرها مشتركٌ, وانطلقت المعارك ضدّ الإرهاب وتحرّرت القرى والبلدات العربيّة والسريانيّة والآشوريّة والكرديّة واحدةً تلو الأخرى, وكانت ضريبة هذا التّحرير امتزاج دماء العربي والسّرياني والكردي مع تراب الوطن, آلاف الشّهداء سقطوا من خيرة شباب المنطقة, وبفضل تضحياتهم ودمائهم بُني نظامٌ ديمقراطيٌّ متطوّرٌ في شمال شرق سوريا, واتّسعت الرقعة الجّغرافيّة المؤمنة بهذا النّظام, باتت كلّ المكوّنات في المنطقة تَعتَبِر نفسها صاحبة هذا النّظام وهذا المشروع, وتشكّلت المؤسّسات والهيئات والقوّة العسكريّة من أبناء كافّة هذه المكوّنات, وعمَّ الأمن والسّلام والطمأنينة مناطق الإدارة الذّاتيّة الدّيمقراطيّة, وعملت المكوّنات على تطوير نفسها ومجتمعها من كافّة النّواحي, وأثبت هذا النّظام الدّيمقراطي بأنّه الأنسب لكي يُطبّق في كامل الأراضي السّوريّة, ولكن هناك أطرافٌ وجهاتٌ تتعارض مصالحها وأجنداتها مع هذا المشروع في شمال وشرق سوريا, وبات شغلها الشّاغل العمل على إثارة الفتنة والبلبلة في المنطقة, وإثارة النّعرات القوميّة والطّائفيّة في سبيل إفشال مشروع الأمّة الدّيمقراطية, وبرز ذلك في الأحداث الأخيرة في مدينة قامشلو من تحريضٍ للسريان على الإدارة الذّاتيّة بحجة المدارس وفرض المنهاج الكردي فيها, مع العلم بأنّ المنهاج المقرّر هو باللغة السّريانيّة, وكذلك الّذين تظاهروا معظمهم لم يكونوا سريانً, وعمليّات اعتقال الشّباب بحجة الخدمة الإلزاميّة, والمحاولات اليوميّة لاختلاق المشاكل والتّرهيب ونشر الدّعايات والأكاذيب لضرب مكوّنات شمال شرق سوريا ببعضها.

فكيف نحافظ على التّعايش المشترك والسّلم الأهلي؟

يجب أن تتعاون جميع المكوّنات والطّوائف في شمال شرق سوريا من أجل وأد هذه الفتن

للإجابة عن هذا التّساؤل التقت صحيفة الاتّحاد الدّيمقراطي مع (هدية علي) عضو المجلس العامّ لحزب الاتّحاد الدّيمقراطي PYD:, والّتي تحدّثت قائلةً:

 إنّ ما جرى من أحداثٍ في هذه المرحلة الحسّاسة الّتي تمرّ بها سوريا هي محاولاتٌ إمّا خارجيّة لضرب مشروعنا أو داخليّاً لزرع الفتنة والفوضى بين مكوّنات الشّعب السّوري, وخاصّة في شمال شرق سوريا من أجل نسف مشروع الأمّة الدّيمقراطيّة, ونحن نستنكر وندين هذه المحاولات وندعو إلى نشر الوعي في المجتمع وتوضيح الهدف من هذه الأفعال, وهذا يقع على عاتق مجالس السلم الأهليّة والشّخصيّات المجتمعيّة البارزة, وذلك بعقد اجتماعات للمكونات وتوعيتهم بمخاطر ما تتعرّض له المنطقة وعدم الانجرار خلف محاولات نشر الفتنة.

وتابعت علي:

يجب علينا كمكوّنات شمال شرق سوريا أن نقف في وجه كلّ من يحاول ضرب التّعايش والسّلم بين مكوّنات المنطقة, فالادّعاءات الّتي اُطلقت بأنّ الإدارة الذّاتيّة ستغلِق مدارس المكوّن السّرياني واعتقال الشّباب في مناطقنا بحجّة الخدمة الإلزاميّة ما هي إلّا محاولات لضرب مشروع شمال شرق سوريا وإفشال الحوار بين النّظام ومجلس سوريا الدّيمقراطيّة.

ونوّهت علي إلى أنّ حجة المتآمرين الخارجيين و بعض الأطراف الدّاخلية هي وصف مشروع شمال شرق سوريا بالانفصالي, وإقامة كيان كردي, ونحن نقول ونؤكّد بأنّ مشروع الأمّة الدّيمقراطيّة يستند بشكلٍ أساسي على أخوة الشّعوب والتّعايش المشترك بين جميع المكوّنات والأطياف السّوريّة, دون إقصاء أيّ أحد, لذلك يجب أن تتعاون جميع المكونات والطّوائف في شمال شرق سوريا من أجل وأد هذه الفتن وتحقيق آمال وطموحات الشّعب السّوري.

انتصارنا على الإرهاب كان بفضل دماء الكردي والعربي والسّرياني

وبدوره أوضح (فنر الكعيط) نائب الرّئيس المشترك لهيئة الخارجيّة في إقليم الجّزيرة قائلاً:

منذ بداية الأزمة السّورية كان هدفنا في مناطق الجّزيرة الحفاظ على السّلم الأهلي, ونأينا بمناطقنا عن الحرب الأهليّة المندلعة في باقي المناطق السّوريّة, وكانت نظرتنا لكلّ المكوّنات نظرةً واحدة, وباختيارنا للخط الثّالث الدّيمقراطي بعيداً عن المعارضة والنّظام أثبتت الأيّام أنّ رؤيتنا هي الأنسب لحلّ الأزمة السّوريّة, وحرّرنا ثلث مساحة سوريا من الإرهاب, وبرهننا للجّميع أنّ الوطنيّة هي بالأفعال وليست بالشّعارات والأقوال, ولسنا بحاجةٍ لأيّ وسامٍ من أيّة جهة, وكان انتصارنا على الإرهاب بفضل دماء الكردي والعربي والسّرياني, ومقابر الشّهداء تحتضن أجساداً من جميع مكوّنات شمال شرق سوريا.

وأوضح الكعيط أنّ هناك بعض الأطراف استفادت وما تزال من استمرار الأزمة في سوريا, ومصلحتها تكمن في استمراريتها, وخصوصاً وأنّ الجغرافيا السّوريّة باتت ساحة حرب عالميّة تتناحر تتنافس فيها دولٌ عظمى وإقليميّة وكلّ ذلك على حساب دماء الشّعب السّوري.

وأكّد الكعيط قائلاً:

إنّنا الإدارة الذّاتيّة ومجلس سوريا الدّيمقراطيّة مستعدون للحوار مع أيّة جهة داخليّة كانت أو خارجيّة, لأننا نريد السّلام والاستقرار فنحن جزءٌ من الشّعب السّوري, ولن نقبل بتقسيم سوريا, بل نتطلّع إلى سوريا موّحدة دون إقصاء أو تهميش لأيّ طرف, ودستورٍ ضامنٍ لجميع المكوّنات السّوريّة, ولأنّ نظام الحكم المركزي كان السّبب الرّئيسي للأزمة السّوريّة نسعى من خلال الحوار للوصول إلى صيغة حكم تناسب جميع المكوّنات السّوريّة, سواءً كانت الفدراليّة أو اللامركزيّة أو الإدارة الذّاتيّة, ومنذ فترةٍ وجّهت دمشق دعوة للحوار إلى مجلس سوريا الدّيمقراطيّة( المظلّة السّياسيّة لمكوّنات وشعوب شمال وشرق سوريا) وجرى لقاءان بينهما. هذه الخطوة دفعت البعض في مناطق الجّزيرة إلى العمل على إفشال هذا التّقارب, فارتفعت أصواتٌ تحرّض ضد الإدارة الذّاتيّة, مرّةً بحجّة التّعليم والمدارس, ومرة بنشر خبر( أنّ الجيش العربي السّوري قادمٌ), لنشر الفوضى والفتنة.

ونوّه الكعيط إلى أنّه من المعيب أن تخرج تهديداتٌ من حرم الكنيسة الإنجيليّة الّتي ترمز للسّلام والتّسامح, من قبل بعض الجّهات بحقّ شركاء الوطن والمواطنين السّوريّين, متناسيةً بأنّ من توجّه لهم التّهديد هم من حرّروا الوطن من الإرهاب, وقدّموا في سيل ذلك آلاف الشّهداء وآلاف الجّرحى, وحرّروا المناطق العربيّة والكرديّة والسّريانيّة والآشوريّة, واختلطت دماؤهم بتراب الوطن.

الكرد مواطنون سوريّون ضحّوا كثيراً في سبيل تحرير سوريا من الإرهاب

وتابع الكعيط:

مهما تعرّضنا كشعوب شمال وشرق سوريا إلى حملات تشويه واتّهامات مفادها بأنّ الكرد يريدون الانفصال عن سوريا, سنقول بأن الكرد مواطنون سوريّون ضحّوا كثيراً في سبيل تحرير سوريا من الإرهاب, وحرّروا البلدات العربيّة والمسيحيّة والآشوريّة قبل الكرديّة, وقاموا بحماية العرب والسريان والآشوريّين من فظائع الإرهاب, ولم يفرّقوا بين جميع مكوّنات المنطقة.

كما أكّد الكّعيط بأنّه لا بدّ من حوارٍ سوريٍّ –سوري, وإيجاد صيغةٍ ترضي الجّميع, ولن تكسرنا محاولات الفتنة لأنّ مشروعنا هو المشروع الحقيقي الّذي سيجلب السّلم والأمان إلى سوريا.

السّريان هم من مؤسّسي هذه الإدارة الذّاتيّة.

أمّا سكرتير حزب التّجمع الوطني الكردستاني( محمد عباس) فقد قال:

النّظام يربط الحياة السّياسيّة والاجتماعيّة بالنّاحية الأمنيّة, وذهنيّته هذه لم تتغيّر خلال سنوات الأزمة السّوريّة, ويمارس هذه السّياسة على جميع المكوّنات السّوريّة, وينشر الفرقة والعداء بينها, وهو من أرسل دعوة الحوار إلى مجلس سوريا الدّيمقراطيّة على الرّغم من نفي وسائل إعلامه لذلك, وهو يقوم عبر مؤيّديه واتباعه بنشر الفرقة والعداء والفتنة في مناطقنا, علّه ينسف التآخي والسّلم بين المكوّنات والطّوائف, وهذا الأمر تجلّى في إيهام السّريان بأنّ الإدارة الذّاتيّة تحاول إغلاق مدارسهم, وتفرض المنهاج الكردي في مدارسهم, متناسياً بأنّ السّريان هم من مؤسّسي هذه الإدارة الذّاتيّة.

الإدارة الذّاتيّة احتضنت جميع مكوّنات شمال وشرق سوريا

وتابع محمد عباس:

نحن في الإدارة الذّاتيّة نحارب الإرهاب, وحرّرنا نصف الأراضي السّوريّة, وقمنا بحماية المكوّنات الّتي تعيش في شمال وشرق سوريا, وقدّمنا آلاف الشّهداء والجّرحى, ومعركتنا لم تكن من أجل النّظام بل من أجل تحرير سوريا وتخليصها من الإرهاب, ونشر الأمن والأمان بين جميع مكوّنات الشّعب السّوري, والإدارة الذّاتيّة احتضنت جميع مكوّنات شمال وشرق سوريا, وأثبتت أنّها السّقف المثالي لطموحات هذه المكوّنات, كما لاقت الالتفاف الشّعبي الكبير حولها, لذلك سندافع عن مكتسباتنا الّتي حقّقناها بدماء الآلاف من أبنائنا, وامتزجت دماء الكردي والعربي والسّرياني والآشوري مع بعضها في سبيل تحرير مناطقنا.

نحن الجّهة الوحيدة الّتي تحارب من أجل وحدة الأراضي السّوريّة وأضاف محمد عباس مؤكّداً:

نحن لا نريد الانفصال عن سوريا كما يروّج البعض, وإنما نحن الجّهة الوحيدة الّتي تحارب من أجل وحدة الأراضي السّوريّة, وأعداؤنا يعملون بكلّ جهدهم من أجل إفشال مشروعنا, ويحاولون زرع بذور الفتنة والطّائفيّة بين المكوّنات في المنطقة, ولكنّ هذه المكوّنات تعتبر نفسها صاحبة مشروع شمال وشرق سوريا, وكلّها قدّمت الدّماء في سيل هذا المشروع وهذه المكتسبات الّتي حقّقناها معاً.

كما وجّه عباس دعوة إلى المكّنات السّوريّة قائلاً:

ندعو السّريان والعرب والدّروز والكرد وكافّة مكوّنات سوريا إلى تشكيل رؤية واحدة من أجل سوريا المستقبل, والجّلوس على طاولةٍ واحدةٍ والتحاور, فسوريا هي لجميع مكوّناتها ومصير الجّميع واحد, لذلك ندعو إلى عدم الالتفات إلى دعوات الفتنة والطّائفيّة , فبالنّهاية إمّا أن نتعايش وننتصر معاً أو نظلّ متناحرين ونخسر جميعاً.

على كلّ مكوّنٍ احترام ثقافة المكوّنات الأخرى

وأكّدت مراسلة قناة (سوريريو) السّريانيّة (سيميل صاموئيل) على إن السّلم الأهلي في أيّة منطقة يعتمد على عدم الانجرار وراء محاولات زرع الفتنة الّتي تهدف إلى خلق نوعٍ من عدم الاستقرار في المجتمع, لذلك يتوجّب على جميع مكوّنات شمال وشرق سوريا أن يكونوا يداً واحدةً لجعل المنطقة تعيش بأمانٍ, ويجب على كلّ مكوّنٍ احترام ثقافة المكوّنات الأخرى, لأنّ الوطن لنا جميعاً.

هناك حقيقةٌ مفادها بأنّ من يكون متفوّقاً وبارزاً يعمل جميع من حوله على إفشاله وإسقاطه, لذلك ولأنّ مشروع الأمّة الدّيمقراطيّة والإدارة الذّاتيّة لشمال وشرق سوريا يقوى يوماً بعد يوم, ويزداد اليقين بأنّه الحلّ الأنسب للأزمة السّوريّة, فمن الطّبيعي أن تحاربه الأطراف المستفيدة من إطالة عمر الأزمة السّورّيّة, والأطراف الّتي تلتمس الخطر من هذا المشروع, وكذلك تجّار الحروب والأزمات من دولٍ وجماعاتٍ وكيانات, وهذا أكبر دليلٍ على سلامة وصحة مشروع الأمّة الدّيمقراطيّة, وما بنته مكوّنات شمال وشرق سوريا منذ سنواتٍ وبتضحيات ودماء أبنائها واهمٍ من يعتقد بأنّه يستطيع هدمه بين ليلةٍ وضحاها.

زر الذهاب إلى الأعلى