حواراتمانشيت

قضايا بحجم أهميتها نضعها تحت المجهر في لقاء خاص مع شيخ باقي

 المؤشرات الدولية والاقليمية لا توحي بنهاية قريبة للأزمة والصراع المعقد والمركب في سوريا، ولا تلوح  في الأفق أي بارقة أمل حتى الآن على تقدم في المساعي الدولية حول ايجاد مقدمات للحل السياسي بالرغم من التصريحات المرنة  التي  تثار بين الفينة والأخرى من قبل الفاعلين الدوليين روسيا والولايات المتحدة، ودون أن تتحول هذه التصريحات إلى مشاريع واقعية تنتقل بسوريا إلى سوية تضع فيها الحرب أوزارها.

 ولطالما بقي هذا التذبذب الدولي بشأن الأزمة في سورية سيبقى صوت السلاح يعلو على صوت الكلمة والمسار السلمي السياسي، كذلك فإن لم تقطع دابر الأطراف الاقليمية والتي  تعمل على تغذية الصراع عن التدخل المباشر والغير مباشر فلن يكون هناك أية بوادر يمكن الوثوق بها، وبطبيعة الحال لا تخدم مشاريع هذه الأطراف إنهاء الصراع  في سوريا وعموم المنطقة.

لكن هناك جملة من التطورات السياسية والعسكرية في الآونة الأخيرة قد أفرزت واقعاً جديداً، وهناك متغيرات على الصعيد الميداني قد تغير من موازين الصراع ومآلاته على الصعيد المحلي والاقليمي والدولي في سوريا عموماً، ولعل أبرز هذه التطورات تلك المتمثلة بالمكاسب والانتصارات العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية ( تحرير الرقة، والتحرير المرتقب للضفة الشرقية لنهر الفرات بأكملها) هذا على الصعيد العسكري، أما على الصعيد السياسي والتنظيمي والإداري فالانتخابات التي تشهدها الأقاليم الفدرالية لشمال سوريا، وما يتحقق ويترسخ من مكاسب سياسية شعبية يوماً بعد يوم، والتي ستؤثر حتماً في فرض واقعٍ جديدٍ يختلف عما يحاول البعض فرضه، والتمسك به على أنه الواقع المرتقب لسوريا، هذه المكاسب لن تكون مقتصرة بتأثيراتها على الشمال السوري الذي خطا خطوات جدية في مسار الحل السياسي الديمقراطي، بل سيضفي بمؤثراته على عموم سوريا، هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر يواجه هذا المشروع  السياسي الفيدرالي الديمقراطي في شمال سوريا جملةً من التحديات أبرزها التدخلات والتهديدات التركية الإيرانية.

 ضمن هذا التعقيد في الأزمة السورية  والشرق أوسطية بشكلٍ عام هناك قضية أخرى أساسية تلفت الانتباه بشدة نظراً لما لها من أهمية على الصعيد الكردستاني والشرق أوسطي بشكلٍ عام، ولما لها من تأثيرٍ مباشر على صعيد الحل السياسي الديمقراطي في الشرق الأوسط عموماً، وكون قوة الحل السياسي المطروح والمعمول به في روج آفا تستند على ما طرحه المفكر والقائد الكردي عبدالله أوجلان المسجون  منذ 19 عاماً في سجون الاحتلال التركي، وما يتعرض له السيد أوجلان من ضغوطات، واعتقاله التعسفي من قبل النظام التركي، والضالع الاقليمي الأكثر تدخلاً والعائق الأكبر أمام تقدم المسار السياسي الديمقراطي؛ فأن المنطقة لن تشهد الهدوء والاستقرار، ومؤخراً خرج الملايين من أبناء الشعب الكردي ومن أبناء المكونات الأخرى يطالبون الدولة التركية بالكف عن سياساتها الفاشية تلك، وينددون بالصمت الدولي تجاه هذه السياسة، والعمل على أطلاق صراح قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان.

أمام هذه التطورات والمتغيرات  تُطرح العديد من التساؤلات حول ما ستؤول إليه المرحلة المقبلة على الصعيد السوري والاقليمي والدولي.

 بهذه الصور النمطية  وبعديدٍ من التساؤلات  المتداولة في الأوساط الإعلامية حول أهمية المرحلة الثانية من الانتخابات في الأقاليم الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا، كذلك ما يُطرح حالياً من قبل موسكو حول عقد مؤتمرٍ للحوار الوطني السوري في” سوتشي”، إضافة إلى محاور أخرى، سنتطرق  إليها نحن في صحيفة الاتحاد الديمقراطي في لقاءٍ خاص  مع سكرتير حزب الديمقراطي الكردي السوري P.D.K.S جمال شيخ باقي ليسلط بدوره الضوء على  مجمل هذه التساؤلات:

إليكم نص اللقاء:

 *- كيف تقيمون التطورات السياسية الجارية في شمال سوريا؛ خاصة ونحن مقبلون على مرحلة انتخابية ثانية متممة لما قبلها وممهِدة لما بعدها في الأقاليم الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا؟

  بداية اتوجه بالشكر إلى صحيفتكم التي أتاحت هذه الفرصة لنتحدث إلى قرائكم وأقول: “نحن الآن كما تعلمون على أبواب الدخول في مرحلة انتخابية جديدة وهي انتخابات مجالس المدن والبلدات والمقاطعات ضمن المرحلة الثانية من انتخابات الفدرالية الديمقراطية لشمال سوريا. هذه المرحلة مهمة؛ وهي تأتي في إطار تجسيد لتطبيق المرحلة الوسطى من مشروعنا لمستقبل سوريا، سوريا الفدرالية الديمقراطية.

 والتي تكون فيها فيدرالية شمال سوريا جزءً منها، إذاً  نحن لا نعمل وفق شعارات آنية أو مرحلية أو استهلاكية بل نحن نمتًلك مشروعاً حقيقياً وبرنامجاً حقيقياً جنباً إلى جنب مع مقاومتنا وتصدينا للإرهاب وقوى التطرف التي تعبث بمصير مجتمعنا السوري عموماً، إلى جانب هذه المواجهات المشرفة على مستوى سوريا والمنطقة والعالم ضد قوى الإرهاب.

 نحن نسير بخطا واثقة نحو مشروعنا الديمقراطي، وذلك في إطار التغيير الجذري الثاني من انتخابات الأقاليم الفيدرالية الديمقراطية. نحن لا ننتظر إلى أن تنتهي الأزمة، فنحن ننهي الأزمة من خلال تنفيذ مشروعنا الديمقراطي لمستقبل سوريا عموماً.

*- أحدى أبرز القوائم والتحالفات الانتخابية هي قائمتكم ( قائمة الأمة الديمقراطية ) والتي تضم 18حزباً سياسياً من ضمنها حزبكم الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا P.D.K.S، وحزب الاتحاد الديمقراطي الديمقراطي PYD  وأحزاب سياسية أخرى، على ماذا تجتمعون في هذا التحالف السياسي الديمقراطي؟

بالنسبة لنا كحزب ننظر إلى هذه الانتخابات إلى أن الجانب الأبرز والأكثر أهمية هو أن نحرص على نجاح مشروعنا السياسي، وأن نحافظ على تحالفاتنا السياسية، ولا يهمنا تفاصيل القوائم الانتخابية أو المرشحين أو المحاصصة الانتخابية بقدر ما يهمنا نجاح هذه الانتخابات، وأن نوطد تحالفنا السياسي مع الرفاق في حزب الاتحاد الديمقراطي المبادر دائماً إلى طرح المشاريع  السياسية الديمقراطية، ومع بقية الأحزاب الأخرى المتحالفة في المشروع الديمقراطي.

 بالطبع نؤكد على أهمية أن يكون المرشحين أكفاء أيضاً، بنفس قدر أهمية هذه الانتخابات، وحرصنا على انجاح الانتخابات هو حرصنا على نجاح المشروع الديمقراطي الذي نلتقي حوله مع حزب الاتحاد الديمقراطي منذ 2011 وإلى يومنا هذا.

في الإطار العام أن التنوع في قائمة “الأمة الديمقراطية” يجسد تحالفاً سياسياً قائماً منذ سنوات بين هذه الأحزاب المتحالفة وبدرجات مختلفة، و يعبر عن تحالف سياسي تحت مظلة مشروع وطني ديمقراطي محدد واضح المعالم، من ناحية أخرى يعبر عن تحالفات انتخابية طبيعية ديمقراطية، ومن حق جميع الأطراف المشاركة في العملية السياسية أن تكون موجودة في هذه الانتخابات ضمن قائمة تعبر عن التشكيلة السياسية الأقرب لها، اعتقد إن القوى السياسية  الموجودة في  قائمة الأمة الديمقراطية تعبر عن الشكل الطبيعي للتحالفات السابقة.

 *- على ماذا يدل هذا التنوع الذي أشرت إليه في قائمة الأمة الديمقراطية؟

 كما ذكرت سابقاً إن هذا التحالف السياسي يعبر عن مشروعنا السياسي الديمقراطي، وهو نتاج عملٍ وجهدٍ مشترك طيلة السنوات الماضية،  يعبر هذا التحالف وهذا التنوع بشكلٍ عام عن رفض ذهنية الأقصاء، وقبول الآخر، والتشاركية في سوريا بغض النظر عن الحسابات الصغيرة.

نؤمن بأن كل المكونات لها الحق في أن تكون موجودة كما هي، وأن نحرص على حقوقها، وأن نحترم وجودها، وأن نكون شركاء حقيقين في كيانٍ سوري فيدرالي ديمقراطي موحد، ولا شك بأن التعبير الفكري والسياسي لهذه القائمة تشير إلى النهج الديمقراطي الذي نسير عليه بوضوح، وهو بأننا جميعاً ركاب سفينة واحدة، ومن هنا فأن المسؤولية تقع على عاتق الجميع، وليس فقط البحث عن مكانٍ لأحدٍ ما.

 *-  روسيا وكقوى دولية فاعلة وحاضرة بكل ثقلها في الأزمة السورية  تحاول هي من جانبها أن تضع صيغة للحل وفق ما تمليها السياسة الروسية بشكلٍ عام، ما هو موقفكم من الدور الروسي طيلة المرحلة السابقة، وما هو رأيكم بشأن الحوار الذي دعا إليه موسكو مؤخراً حول عقد مؤتمر للحوار الوطني السوري في سوتشي؟

روسيا في مخزون ذاكرتها صورة افغانستان لا تقهر، فهي في سوريا تحاول قدر الإمكان أن لا تعيد هذه الصورة، لذلك فهي مستعجلة جداً في هذا الإطار، روسيا استطاعت في فترة قصيرة أن تثبت وجودها ودورها في سوريا، ولكنها أيضاً لديها هاجس المستقبل ونظرة الروس لسوريا والمنطقة تختلف بالتأكيد عن رؤية النظام السوري ورؤية النظام الإيراني حول مستقبل سوريا.

 الروس يعرفون جيداً أن الأوضاع والأمور في سوريا لا يمكن أن تعود إلى ما قبل 2011، لذا لابد من أن تكون هنالك عملية سياسية لصياغة شكلٍ معين للحل يتوافق فيها السوريين، وبالطبع هذه العملية السياسية مرفوضة بالنسبة للنظام السوري؛ فالنظام السوري لايزال يرى في نفسه بأنه الوصي، وأنه ما زال قادراً على فرض سلطته بقوة السلاح، ويستطيع أن يساوم مع بعض الجهات المُعارضة أو المناوئة له لكي يرمي لهم ببعض الفتات” مصالحات هنا وهناك”، بالطبع هذه العملية السياسية؛ وبهذا الشكل المطروح من قبل روسيا لا يتفق أيضاً مع منظور النظام الإيراني وموقفه أشد رفضاً من موقف النظام  السوري، ولا يقبل بأي نظام في المستقبل سوى بهذا النظام، وعلى أن يكون قوياً أيضاً.

الروس يُدرِكون إن هذا حلٌ شبه مستحيل، والعودة بسوريا إلى ما قبل 2011 أيضاً أصبح من الماضي، لذا فهم يحاولون ممارسة الضغط وجرِّ بعض القوى الإقليمية، أو قوىً دولية إلى مفهومٍ ما للعملية السياسية يكون مقبولاً لدى النظام، لكن النظام مع الأسف مضطر ومرغم إلى دفع ديونه لحلفائه وهولا يمتلك إرادة القرار.

من هنا فالروس مرتبكون بمسألة سوتشي، فقد طرحوا هذا اللقاء بداية تحت شعار لقاء شعوب سوريا، وكان هذا الطرح مرفوضاً من قبل النظام ومن قبل المعارضة ” الائتلاف السوري المعارض”، وهم اعترضوا على مكان انعقاده وعلى شعاره كون شعارهم هو إن في سوريا شعبٌ واحد وليس مجموعة من الشعوب المتجانسة والمتآخية منذ آلاف السنين.

 وفيما بعد فقد عمل الروس  على تغيير اسم المؤتمر المزمع عقده خلال الفترة القادمة إلى مؤتمر للحوار الوطني السوري، وتغيير مكان انعقاده الذي اقترح بداية في حميميم السورية، لكن قرر الروس عقده في مدينة  سوتشي الروسية، وبالرغم من هذه التحولات بصدد المؤتمر فأن الروس مضطرين لأن يقدموا برنامجاً لهذا المؤتمر يقنع الآخرين بالمشاركة.

 لم تكن للمسائل التي طرحتها موسكو في وقتٍ سابق أي تأثيرٍ من جهة أقناع أطراف الأزمة السورية كثيراً، وكان النظام معترضاً وبتشجيع من النظام الإيراني فيما يتعلق ببند صياغة دستورٍ جديد لسوريا الذي طرحه الروس منذ فترة، وكان هذا البند أو الطرح من إحدى المسائل التي كانت ستناقش في سوتشي، ناهيك عن الاعتراضات الدولية والأممية على هذا المؤتمر، بمعنى آخر فقد أشاروا إلى أن هذا المؤتمر يخرج عن سياق  الإرادة الدولية، ويحاول روسيا من خلالها الالتفاف على جنيف. من هنا يتوضح الإرباك في الموقف الروسي، والاجتماع الذي عُقِدَ بين بوتين وترامب سيكون له انعكاسات على مصير سوتشي بالتأكيد.

أرى أن مؤتمر سوتشي بهذه المنهجية  التي يتبعها الروس، وحتى لو نجح انعقاده فأنه لن ينجح بأن يدفع الأمور إلى العملية السياسية، الوضع هنا مختلف عن آستانا فهي كانت أي مؤتمرات آستانا تعقد تحت حجة وبدواعي التهدئة العسكرية “وقف التصعيد” وقد كان الجميع يقبل به، الأمر يختلف في سوتشي كوّن العملية سياسية، وسيدرس المخارج من الأزمة السورية، وسيضع مستقبل سوريا على طاولة الحوار، هذه المسألة لاتزال معقدة، واعتقد إن مؤشرات المنطقة توحي بأن هناك تمهيدٌ لأزمات جديدة.

*- كيف تقرأ دور طهران وأنقرة في المرحلة الراهنة، وأين روسيا  والنظام السوري من الدور الذي يلعبه كلا الطرفين في سوريا، وهل نحن أمام أزمات مستقبلية جديدة في ضوء التصريحات التي تطلقها هذه الأنظمة؟

  سوف أبدأ من حيث انتهيت، حقيقة لا استبعد أن يكون هناك مواجهات مستقبلية في المنطقة، فتصريحات علي أكبر ولايتي وتركيا بخصوص الرقة التي تحررت مؤخراً على يد قوات سوريا الديمقراطية، تنبأ بأن يكون هناك مواجهات، ما يسمى بالدول الضامنة لمناطق خفض التوتر إيران وتركيا حقيقةً ليست بدول ضامنة، كيف لتركيا أن تكون دولة ضامنة وهي الراعية والداعمة الأولى للجماعات الإرهابية، وهي التي يفترض بها وكما أراد الروس بأن ينهوا تواجد جبهة النصرة في إدلب، وأن يفككوا هذا التواجد، بينما ما حدث كان العكس من ذلك، فقد كان تواجد تركيا في إدلب بالتنسيق مع جبهة النصرة وبالتعاون بينهما. تركيا لا تهمها خفض التصعيد، الجميع يعلم إن تركيا ما يهمها ويستهدفها هي فيدرالية شمال سوريا وتقطيع أوصال هذه الفيدرالية، لذا فهمها الوحيد القطع النهائي بين شرق الفرات وغربه، وقطع مناطق الشهباء عن إقليم عفرين تحديداً وهذا الذي يهم تركيا حقيقة.

 ووجهت العديد من الانتقادات إلى تركيا من قبل الروس والنظام السوري الذي أعتبر الوجود التركي في إدلب قوة احتلال، هؤلاء وجدوا إن الاتراك لم يتقيدوا بالبنود المتفقة عليها في آستانا، وأنهم تجاوزوا هذه البنود ولم يعملوا وفق ما هو مرسومٍ في آستانا، بل وفق ما هو مرسومٌ في الاستراتيجية التركية. تركيا أهدافها واضحة تماماً وهي لا تخفي أهدافها منذ بدء الأزمة ومنذ الإعلان عن الإدارة الذاتية، وهي تسير بنواياها العدائية، وهذا الأمر يشكل تناقضاً بين إيران وتركيا، لذلك نرى ودون أي خجل أنهم يعلنون عن النظام، وهم مفوضون من قبل النظام في توجه جيش النظام السوري سواء إلى الرقة أو إلى إدلب أو إلى أي مكانٍ آخر..، ولعل الحالة التي وصل بها النظام إلى هذه الدرجة بأن يسلم إرادته إلى الآخرين، هذا يأخذ بنا إلى القول بأن النظام السوري لم يعد نظاماً بكل ما للكلمة من معنى. فالنظام أصبح مركزاً لمراكز قوى مرتبطة بقوى اقليمية، وأصبح وضعه شبيهٌ بوضع الائتلاف مع فارقٍ نسبي، وهو مستعد لأن يقدم كل شيء في سبيل بقائه.

لكي يبقى النظام كطرف شريك في مستقبل سوريا عليه أن يبتعد عن عقليته تلك وإلا فلن يكون له أي وجودٍ في مستقبل سوريا.

وفيما يتعلق بالمواجهات المقبلة لا أعتقد بأن الروس سيورطون أنفسهم في مواجهة  مع الامريكان، هم يدركون إن المواجهة مع قوات سوريا الديمقراطية تعني بشكلٍ من الأشكال المواجهة مع التحالف الدولي، وهنا الطرفان سيكونان حساسان جداً في منع الصِدام بينهم، وأحد عوامل منع هذا الصِدام هو أن لا يصطدم الروس مع قوات سوريا الديمقراطية (قسّد)، وبالطبع نحن قادرون على مواجهة قوات النظام إن حدثت أي مواجهة، وإن اضطررنا لذلك, وسندافع عن أنفسنا ونحن قادرون على مواجهة من يهاجمنا.

بطبيعة الحال النظام غير جاد في طرحه لبعض التصريحات البالونية،  وهو غير قادر، ففي مسألة طرحه للإدارة الذاتية للكرد دون بقية المكونات يريد به إضعاف المشروع الفيدرالي الديمقراطي وخصوصاً القوى الكردية  في هذا المشروع، وليقصيه عن حلفائه وعن بقية المكونات، وضرب هذا المشروع ومكونات هذا المشروع، في محاولة لإلصاق تهمة الانفصال والتقسيم بالكرد.  بالطبع نحن لن نفاوض باسم الكرد ولن نتحاور باسم الكرد فهم جزء من المشروع الديمقراطي الفيدرالي الذي نعمل من أجله إلى جانب العرب والسريان وبقية المكونات الأخرى والسوريين بشكلٍ عام، ومشروعنا يخص سوريا بأكملها، وعندما نعلن فدرالية الشمال السوري لا نعلنها فدرالية كردية بل نعلنها فدرالية لشمال سوريا، يحق للساحل السوري أيضاً أن يتبنى النظام الفيدرالي، كذلك بالنسبة للجنوب وللوسط السوري. نحن لا نتحرك ككرد فقط بل نتحرك كسوريين، ونحن كرد كما هم السريان وكما هم العرب، نحن أصحاب مشروعٍ ديمقراطيٍّ سوريّ ولمستقبل سوريا التشاركية، ولن نقبل أي مستقبلٍ آخر لسوريا، هذا النظام يجب أن يفهم أن سوريا ليست ملكٌ له وسيساوم الآخرين على ماذا سيعطيهم، هذه سوريا للسوريين وهذا النظام تسلط عقوداً من الزمن على أعناق السوريين، وعليه أنهاء هذا التسلط، أما الحاضنة الموالية فهم شركاءنا في هذا الوطن ولابد أن نتفق معهم على مستقبل سوريا، أما اصرار النظام على ذهنيته بأنه هو سيد سوريا، وهو الذي يقرر العطايا والمنح للآخرين، فهذه الذهنية ذهنية ما قبل 2011 على النظام أن يتخلى عنها ليستطيع الدخول في عملية سياسية بشكلٍ صحيح.

  *- إلى أين تتجه العلاقة بين مجلس سوريا الديمقراطية والولايات المتحدة الأمريكية كطرف دولي فاعل في الأزمة السورية، وهل من تقارب في الرؤية السياسية بين الطرفين؟

أود القول بأن القضية هنا حساسة نوعاً ما؛ فعلى الصعيد العسكري لا شك وإن لم نكن نحن والأمريكيين في نفس المشروع السياسي لكننا في حلفٍ مشترك ضد الإرهاب، أما مشروعنا السياسي الذي بدأنا به قبل أن نتحالف نحن وقوات التحالف الدولي، فنحن مستمرون فيه. بالطبع التقاطعات بيننا وبين قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية قد افضت إلى هذا التحالف العسكري؛ أي أن الحرب على الإرهاب قد جمعتنا وقطعنا شوطاً طويلاً في هذا المضمار،  ولا شك بأن هذا الأمر قد يخلق أرضية أوسع وأكبر، وقد يتحول إلى تعاونٍ سياسي، وهذا شيء طبيعي، ولكننا لسنا في المشروع الأمريكي ولا الأمريكيين يخدمون مشروعنا، نحن التقينا في محاربة الإرهاب منذ كوباني؛ هذه العلاقة نمت خلال سنواتٍ من محاربة داعش وخلق مناخاً آخر. لاشك أن العسكر لا يعملون منفردين هم يعملون وفق قرارات وتوجهات ومواقف سياسية، كذلك الأمر بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية والتي تعمل تحت مظلة سياسية وبتوجهٍ سياسيٍّ وضمن مشروعٍ سياسي، فالتعاون على مدى أكثر من ثلاثة أعوام على الأرض لا شك سيولد تفاهماً لكل طرفٍ بالنسبة لمشروع الآخر،  وسيبحثون عن نقاط الالتقاء، هنا نستطيع القول بأننا عسكرياً وعلى الأرض نتحرك سويةً.

*-إحدى أهم القضايا الراهنة بالنسبة للشعب الكردي وللشعوب الثائرة في سبيل الحرية والديمقراطية هي قضية القائد عبدالله أوجلان؛ المعتقل منذ 19عاماً في ظل فرض عزلة تامة من قبل النظام التركي، ما هو موقفكم من هذه العزلة، وكيف تقيمون السياسة التركية بشكلٍ عام تجاه الشعب الكردي وتجاه الشعوب الأخرى المناهضة لسياسة نظام الاحتلال والاستبداد التركي؟      

أودُّ القول وبعمق إن السجين ليس القائد عبدالله أوجلان، بهذه المؤامرة الدولية واعتقال القائد عبدالله أوجلان وسجنه في ايمرالي، أصبحت تركيا هي سجينة مؤامرتها، وهي ترى بأن خطاباً أو إشاراتٍ صغيرة من هذا السجين يحرك ويؤثر بشكلٍ مباشر على مجمل حركة الحرية والديمقراطية في المنطقة.

 في الآونة الأخيرة وبعد أن فشلت جميع مساومات تركيا مع بعض الجهات الكردية، ومع بعض الجهات الإقليمية على محاصرة وضرب حركة الحرية في روج آفا وباكور كردستان، بدأت تستخدم أوراقها في خنق حركة الحرية، وذلك عبر دخولها إلى كلٍ من جرابلس وإدلب ومحاولتها الدخول إلى سنجار، وعبر فرض العزلة على دماغ حركة الحرية من خلال فصل القائد عن حركة الحرية، وهنا استطيع القول بأن النظام التركي لن تفيده ممارساته هذه؛ فهناك المئات من القادة الذين أصبحوا يحملون هذا الفكر وهذه الفلسفة.

 في الختام أود القول: “على النظام التركي أن يكف عن سياساته العدائية وأن يركن إلى السلام وعلاقة حسن الجوار”.

كلمة المحرر:

 في ضوء هذا اللقاء يمكن استشفاف جملة من النقاط التي يمكن أن نختصرها كالآتي:

  إن بناء الحلول وتقديم المعطيات الأولية تكمن في جذور القضايا وفهم  البنى الحقيقية للشرق الأوسط، على الأطراف الدولية إن تسأل نفسها دائماً، هل كان من الضروري أن تعاني سوريا من هذا الألم، أم إن تسيس الألم وما يتمخض عنه جزء من استراتيجية قوى الهيمنة الدولية واذرعها الاقليمية القوموية.

إن تقديم فكرة تفكيك المهشم وتغليفه عبر صياغة مفهومٍ جديد لنموذج الدولة القومية وتقديمه على أنه الحل المناسب؛ لن يفضي إلى حلٍ بالمعنى الحقيقي للحل، لا بل هو تسويغ جديد للصراع، وأمرٌ في غاية الخِداع، بالطبع سيحاول المنفعيون المناصرون لمثل هكذا مسوغ  تشكيل قناعة حول مثل هذا النموذج.

 بطبيعة الحال إن الحل الحقيقي والمستند على التاريخ الحقيقي للقيم الإنسانية، والتي كانت مصدرها الشرق، هو الأساس الذي يمكن البناء عليه.

 وإن الاعتراف بتعدد الشعوب، وليس بتعدد الدول، مع التأكيد على إن نموذج الدولة القومية كانت كارثة بحق شعوب الشرق الأوسط والعالم، والتأكيد على إن الاعتماد على هذا النموذج في رسم خطوط الحل السياسي الديمقراطي، كذلك دعم النموذج الفدرالي الديمقراطي والمطروح كحلٍ أساسيٍّ ناجع هو الحل الأنسب مع التأكيد على إن حرية القائد عبدالله اوجلان هو جزء أساسي من مشروع الحل الديمقراطي السلمي لعموم الشرق الأوسط لما له من تأثيرٍ في قوة الحل.

                                                         تحقيق- دلبرين فارس

زر الذهاب إلى الأعلى