PYDآخر المستجداتمقالات

قراءة مختصرة في فلسفة ” قفزة 15 آب”

سليمان أبو بكر 

تُعتبر مرحلة قفزة 15 آب مرحلة انطلاق الكفاح المسلح الثوري لحركة التحرر الكردستانية ضد ممارسات وسياسات الإبادة التي كانت تمارسها الفاشية التركية على الشعب الكردي، هذه المرحلة التي اضطر فيها الكُرد لحمل السلاح، حيث لم يبقَ لهم خيار لنيل حقوقهم المشروعة ومواجهة الاضطهاد والاستبداد الواقع عليهم، هذا الخيار المشروع وفق كل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية تبناه الحركة التحررية الكردستانية بعدما سُدّت بوجهها كل الوسائل السياسية والسلمية.

اتسم هذا اليوم لدى الشعب الكردي بيوم الانبعاث لِما له من أهمية كُبرى في التحول التاريخي لمقاومة الشعب الكردي في شمال كردستان على وجه الخصوص حيث آلة القمع الأشد استبداداً في سياسات الإبادة والإنكار.

وطيلة العقود الماضية تحول هذا اليوم وهذه القفزة إلى ركيزة للنضال من أجل الحرية والديمقراطية إلى أن أثمرت فلسفة الحياة الحرة الكريمة وعنوانها الأمة الديمقراطية والتعايش المشترك بين الشعوب التي انتجت بدورها مفهوم الندية الديمقراطية بأن تمثل كافة شرائح المجتمع وخاصة المرأة التي قادت النضال بإرادتها الحُرّة ووصلت إلى درجة عالية من السمو.

قفزة 15 آب بمفهومها الثوري لا تعني الكفاح المسلح فقط، إنما هي تنظيم وهندسة للحياة الحرة بمفاهيمها السياسية والأيديولوجية، وذلك بالخروج من ظل قوى الهيمنة العالمية التي تركزت بشدة في نظام الدولة القومية المركزية التي ترفض بأي شكل من الأشكال التنوع والديمقراطية، لذا تُعتبر هذه الخطوة الثورية مرحلة تحوُّل حقيقية في شخصية الإنسان الكُردي، الذي كان يقبع تحت نير الاستبداد مجرداً من هويته الإنسانية والقومية، لتصبح فيما بعد منهلاً لكل الشعوب التواقة للحرية.

لا شك بأن قادة تلك المرحلة التاريخية كانوا ثوّاراً حقيقيون، تجَسّد في شخصيتهم كل مفاهيم القيادة الثورية، لذا فأن شخصية القائد عكيد  “معصوم قورقماز” الذي قاد قفزة الـ15 من آب عام 1984 ليست شخصية عادية، بل هي الكاريزما الثورية التي تميز بها طليعيو حزب العمال الكردستاني منذ تأسيسيه حتى يومنا الراهن، وهذه الشخصية التي أبدع القائد أوجلان في صقلها بالفكر وفلسفة أيديولوجيا التحرر، انتجت ثورة ليس فقط على مستوى الشعب الكردي، إنما على مستوى عموم شعوب ميزوبوتاميا، وهي اليوم محور التغيير والتحول الديمقراطي في الشرق الأوسط.

من هذا المبدأ وبقراءة مختصرة، تُعتبر قفزة 15 آب خطوة ممهدة للنضال التحرري لشعوب المنطقة ونقطة ارتكاز رئيسية للتحول الديمقراطي والتوجه نحو نظام لا مركزي متعدد الثقافات والهويات تتعايش فيما بينها بوئام وسلام، لكن الدكتاتوريات المركزية في الشرق الأوسط وقُوى الهيمنة العالمية واجهت هذه الخطوة التاريخية مواجهة عنيفة وحاربت فكر وفلسفة 15 آب التي تدعو لتحرر الشعوب من الظلم والاستبداد الذي سُلِّطَ من قِبلِ الدكتاتوريات على رقاب الشعوب منذ لوزان وحتى وقتنا الراهن، لذا فقد كانت المؤامرة الدولية على القائد عبدالله أوجلان صاحب هذا الفكر التحرري الديمقراطي بمثابةِ سدٍّ أمام توسع فلسفة المقاومة هذه، لكن التاريخ أثبت مجدداً  ضعف المتآمرين وأكد أن قوة وإرادة الشعوب هي المنتصرة في نهاية المطاف، وأن أشعة الشمس لا يمكن حجبها بالغربال.

زر الذهاب إلى الأعلى