المجتمع

حركة العمران في روج آفا … طموحات وصعوبات

تقرير: حسينة عنتر

باتت الأزمات التي يعاني منها السوريون على العموم نتيجة الصراع الدائر في البلاد ككرة متدحرجة من النار تلهب كل ما يقع في طريقها، وفي مثل هذه الظروف القاسية التي يعشيها السوريون من كافة نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، مما اضطر البعض منهم إلى مغادرة بيوتهم ومنازلهم إما قسراً أو هرباً من تلك المناطق الساخنة التي تدور فيها المعارك والمواجهات المسلحة، أو التي تُقْصَفُ بالصواريخ والبراميل المتفجرة إلى مناطق أكثر أمناً، ومن بينها مناطق روج آفا. فحركة النزوح هذه خلقت أزمة سكن وارتفاع ملحوظ في سعر البيوت والعقارات، وهذا يعني أن الأسعار ارتفعت أكثر إلى عشرة أضعاف من سابقتها، مما سبب ارتفاعاً في تكاليف البناء ومواد العمران والاكساء الذي كان له انعكاسات سلبية كبيرة على القطاعات الأخرى، المرتبطة بقطاع البناء كتراجع النشاط في أسواق مواد البناء ومستلزمات الاكساء، وتحول الكثير من العاملين في مجال اكساء المباني والمنازل إلى عاطلين عن العمل نتيجة تراجع حجم الطلب في هذا القطاع، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار الذي أصابه بالركود ولقى تراجعاً كبيراً لدرجة أن من ليس مضطراً للقيام بكسوة منزله فإنه لا يقدم على ذلك، إما لارتفاع التكاليف، أو بسبب الظروف الأمنية السيئة في البلاد، وحالة عدم الاستقرار التي تعيشها معظم المناطق والبلدات السورية، وبمقارنة تلك المناطق بمناطق روج آفا، وحركة النزوح التي شاهدتها. هل كان لها تأثير في مجال البناء والعمران؟ لهذا ارتأت صحيفة الاتحاد الديمقراطي تسليط الضوء على واقع البناء والعمار في روج آفا:

يوسف يعقوب: نجار بيتون يعمل في هذه المهنة منذ أكثر من عشرين عاماً، تحدث لنا عن واقع البناء والإعمار في مدينة قامشلو في هذه الفترة، وخلال السنوات الست الماضية من عمر الأزمة السورية تأثر قطاع البناء والإعمار كثيراً وتراجع بشكل ملحوظ نتيجة الارتفاع في الأسعار، وندرة مواد البناء بسبب الحصار وإغلاق المعابر ومنافذ الاستيراد، وخاصة مادة الاسمنت التي لا تتوفر هنا في الأسواق المحلية، مما يضطر التجار من استيرادها من الدول المجاورة، وهذا ما يزيد من تكاليفها حتى تصل إلى روج آفا، وتابع يعقوب قائلاً:” أما في هذ السنة فالوضع تغير مقارنة بالسنوات السابقة، حيث بدأت حركة الإعمار لتوفر المواد من الاسمنت والحديد المبروم، وبأسعار معقولة. ولكن تريث العمل هذا الشهر بسبب الحصاد، لعل وعسى تكون بادرة خير وأمل. ولكن نشتكي من تضرر ورشات العمل بسبب نقص الأيدي العاملة”.

وفي نفس السياق أشار يعقوب إلى ضرورة إدخال أساليب جديدة وتطويرها بخبرات وأدوات حديثة، لتتمكن من تلافي الكثير من الصعوبات، منها جلب مضخات للصب، ومصاول وكسارات للحجارة، وإعادة تكرير المواد الأولية للبناء من معامل لصهر الحديد، ومصاول لاستخراج الرمل من المقالع وكسارات للحجارة، كما اشتكى من بعض المتعهدين الذين يماطلون في دفع أجرة العمال وورش العمل، وخاصة إذ لم يكن هناك عقدٌ مبرمٌ بين الطرفين، لذلك باسمي وباسم جميع العاملين في هذا المجال؛ نطالب الجهات المعنية والإدارة الذاتية إلى تشكيل لجنة أو اتحاد عمال، ليضمن ويحفظ حقوق العمال، كما وأتمنى من الجميع الشعور بالمسؤولية تجاه عمله وواجبه نحو وطنه، والعمل على بنائه؛ لأن العمار المتمدن يعكس واقعنا. وفي النهاية اتمنى لجميع العمال والورش التوفيق والنجاح في عملها”.

نازح من دير الزور

فضَّلَ عدم ذكر اسمه وقال:” في مثل هذه الظروف الصعبة نحن كلاجئين تركنا بيوتنا نتيجة القصف والبراميل المتفجرة، ونزحنا إلى مدينة قامشلو لوجود الأمان والاستقرار، ولتبدأ رحلة المعاناة من نوع آخر، وهي كيفية تأمين السكن. فباتت قضية صعبة المنال لأسباب كما يقولها أصحاب المكاتب العقارية والمتعهدين في البناء كل شيء ” نار” (حسب وصفه) سعر طن الاسمنت كذا، والحديد كذا، لو استعطت تأمين بيت هل لك مقدرة في اكسائه، أي كل ما يلزم للبناء. هذا كله محسوب لديه؛ فيقول سعر إجار الشقة أو أي بيت عادي يبقى رخيصاً أمام هذه التكاليف الباهظة، لذلك نستبعد فكرة شراء منزل ونبحث عن بيت للإجار”.

 أبو أحمد أحد مواطني مدينة قامشلو:

يسكن بالإجار بحي الآشورية يقول:” أملك قطعة أرض لا استطيع بناء غرفتين فيها، لأتخلص من أعباء الايجار والتنقل من منزل لآخر كل فترة، ولا أدري متى تنتهي هذه المشكلة، ولا أملك سوى راتبي الذي لا يسد الاحتياجات اليومية، إلى جانب الغلاء الفاحش لأسعار مواد البناء من البلوك والاسمنت والحديد عدا أجور العمال، وأخشى ما أخشاه أن أفقد قطعة الأرض هذه، وأصبح ضائعاً بين البيوت المستأجرة والمكاتب العقارية ويضيع ثمن الأرض بالإجار”.

وبهذا الأمر طلب منا أحد المواطنين أن نوصل اقتراحه عبر صحيفتنا إلى مسؤولي الإدارة الذاتية وبلديات الشعب وقوات الاسايش للتدخل بمنع تجارة العقارات، وخاصة في هذه الظروف الحساسة التي يمر بها سوريا بشكل عام ومنطقتنا بشكل خاص، ولا سيما بعد نزوح الآلاف من المواطنين من كافة المحافظات الأخرى باتجاه روج آفا التي وجدوا فيها الملاذ الآمن على عدم موافقة المجالسِ والكومينات لعمليات البيع إلا بعد حضور المشتري والبائع،  وبحضور شهود من الطرفين للتأكد من السكن بالبيت الذي اشتراه أو استأجره. ونحن بدورنا نطالب مؤسسات الإدارة الذاتية والهيئات التنفيذية للتدخل بشكل جدي، وعبر اصدار قوانين وتعليمات ملزمة بمنع الاتجار بالعقارات، واقتصار عمليات البيع والشراء إلا لغرض السكن بعد التأكد من مجالس وكومينات الأحياء، وفرض رقابة صارمة على المكاتب العقارية، لمنع تمرير مثل هذه الأعمال واستغلال الناس وخداعهم، وأن تحاول وبالتعاون مع المتعهدين استثمار وبناء جمعيات سكنية في المستقبل لضمان وتأمين سكن ومأوى للمواطنين.

زر الذهاب إلى الأعلى