ثقافةمانشيت

الكردية … ليلى

إعداد: دوست ميرخان

 تقول المقولة الشعبية “لكل إنسانٍ من أسمه نصيب” هذا مثلٌ ربما يتحمل نوعاً من الخرافة الشعبية وهذا المفهوم نسبي  من شعب إلى شعب ومن أمة إلى أخرى، لكن للكرد حكاية أخرى مع هذا المثل الذي لا أؤمن به كثيراً لكن يبقى للأمثال مكانتها في تراث الشعوب.

الأنظمة الاستبدادية فرضت على الشعب  الكردي ضرورة مواصلة النضال وتصعيده إلى أعلى مستويات المجابهة، ولم يقتصر مناضلي هذه المجابهة من ثوار وسياسيين ومثقفين على الرجال والشبان وحدهم شيباً وشباباً، بل كان للمرأة الكردية الدور البارز طيلة مراحل النضال عموماً، وقد كانت تسبق الرجال أحياناً بإرادتها الصلبة وعزيمتها التي لا تقوى أي قوة على كسرها أو الدنو منها، روح وأسلوب المقاومة  بالنسبة لهم هو الإصرار على المقاومة، تقول ليلى لو: تمكنا من مواصلة هذه المقاومة  وتمسكنا بهذه الروح فمن المؤكد أننا سنكون قادرين على تدمير أركان الفاشية المتسلطة على رقاب شعبنا، وتقول ليلى أيضاً :” لأجل شعبي، ولأجلي بلادي سأفدي بحياتي ولن اتراجع”، وتقول ليلى : ” حتى السجون والأغلال لا تسطيع تقييد نضالنا من أجل الحرية”.

 تميزت شخصية ليلى المرأة الكردية بأنها تفيض بالقوة والعنفوان والحنان والذكاء،  ثلاث نساء كرديات حملن اسم ليلى و كل منهنَّ مثلن اسطورة مقاومة ….

ليلى قاسم

في ٢٤ نيسان ( إبريل ) عام ١٩٧٤ وفي منتصف الليل قام غرابيب سلطة البعث العراقي باعتقال ليلى الناشطة السياسية في الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق آنذاك.

وبعد اعتقالها  وُضِعت في زنزانة انفرادية ومنعت عنها الزيارة، تعرضت ليلى لشتى أنواع الإرهاب والتعذيب ،ورغم فقدانها عينها اليمنى إلا أنها ظلت صامدة أمام أداوت الإجرام البعثية، وعندما عجزوا عن نزع الاعترافات منها وكسر إرادتا، اقتادوها في الـ١٢ من أيار١٩٧٤  (بعد أسبوعين من الاعتقال) إلى حبل المشنقة ووجهوا إليها  كل تهم الإجرام والانفصال، لكن ليلى لم تبدِ عليها الخوف ورهبة حبل المشنقة، بدون خوف كانت ترُدُّ على التهم الموجهة إليها بأنها ليست مجرمة إنما هي مناضلة من أجل قضية وحقوق شعبها في دولة يحكمها النزعة الشوفينية البعثية القوموية.

حقيقة هذه المرأة المناضلة التي ساهمت ومنذ باكورة شبابها في الكفاح السياسي من أجل قوميتها ووطنها في تحديها للنظام الشوفيني الذي لا يوجد في قاموسه أو منهجه كلمة واحدة تلمس حقوق الانسان بأي شكل من الأشكال أو جملة ترتبط بالأخلاق والقيم الإنسانية. كانت تقول لرفاقها وزميلاتها دائما لا بد لأبطال الكرد مواصلة المسيرة النضالية الشاقة لتستقيم عندهم الحياة بموازاة الشهادة .

وقبل يومٍ من إعدام ليلى سُمح لأهلها بزيارتها، فطلبت منهم أن يحضروا لها ملابسها الكردية كي تلبسها في يوم الإعدام، “اعدِمتْ ليلى وفارقت الحياة وسلموا جثتها إلى أهلها ومنعوهم من إقامة مراسم العزاء ، ودفنت في مقبرة وادي السلام في مدينة النجف بعيداً عن ديارها في خانقين، واعتبر إعدامها أول عملية إعدام لامرأة في الشرق الأوسط لأسباب سياسية.

ربما لم تكن ليلى الأولى ولم تكن الأخيرة اللواتي وهبن حياتهن قرباناً من أجل  قضية شعبهن وقاومن كل أشكال العنف والديكتاتورية ، ليلى لم تَمُتْ اليوم هناك الآلاف يَسرنَ على دربها  في ساحات المعارك وفي ميادين السياسة وتنظيم وتوعية المجتمع على قيم ومبادئ الانسانية السامية.

ليلى زانا

 ناشطة وسجينة سياسية سابقة وبرلمانية عن حزب الشعوب الديمقراطي HDP

ليلى زانا كانت أوّل امرأة كرديّة دخلت البرلمان التركي منذ تأسيس الجمهوريّة التركية عام،1923اعتقلت أول مرة في  سنة 1973، على خلفيَّة نشاطها في الحزب الشيوعي أول مرة سـُجنت لأنها تكلمت بلغتها الأم في البرلمان التركي بعد حلفها القسم البرلماني، ووجهت إليها تهمة تهديد وحدة البلاد والانتماء إلى منظمة “انفصالية”، وبعد أن انتخبت لعضوية البرلمان التركي سنة 1991 عن “حزب العمل الشعبي”، مُنحت ليلى جائزة ساخاروڤ من قبل البرلمان الأوربي سنة 1995 ولكنها لم تتمكن من الحصول عليها إلا بعد أن أطلقَ سراحها من السجن في عام 2004.

“في جلسة أداء القسم، حال اعتلاء زانا المنصة، انفجر الغضب التركي في البرلمان، لأنها كانت تضع لفحة  بألوان العلم الكردي على رأسها، بالطبع لم تتراجع وترضخ لصرخات البرلمانيين الأتراك، بل اختتمت القسم باللغة الكردية قائلةً “أدّيتُ هذا القسم من أجل الشعبين الكردي والتركي”.

حُكم على زانا ورفاقها البرلمانيين الكرد بالسجن لمدّة خمسة عشر عاماً أمضت ليلى 10 أعوام في السّجن، وبسبب ضغوط منظمات حقوق الإنسان التركية والدولية، قرّرت السلطات الإفراج عنها سنة 1997، لأسباب صحيّة، إلاّ أنها رفضت ذلك، وطالبت بأن يفرج عن جميع زملائها أيضاً، وبعد أربعة أعوام دعا البرلمان الأوروبي السلطات التركيّة إلى الإفراج الفوري عنها.

لم تترك المحاكم التركية زانا تهنأ باستعادتها لحريّتها، إذ أصدرت بحقِّها عقوبة جديدة بالسَّجن عشر سنوات أخرى، بالتهم نفسها.

كانت لها شهرة واسعة في الأوساط السياسية الكردية والعالمية الديمقراطية وكانت من بين المرشّحات لجائزة نوبل أيضاً، وهذا كان له تأثير على قرار النظام التركي بسجن زانا عدة مرات لكن السلطات التركية بقيت تُخضع زانا لجملة من القيود والقوانين التي تحد من نشاطها السياسي وحظر حزب المجتمع الديمقراطي الذي كانت تنتمي إليه زانا.

عادت ليلى زانا إلى العمل السياسي مجدداً كنائبة عن حزب الشعوب الديمقراطي، وفي جلسة القسم، كررت ليلى  ما قامت به سنة 1991، حيث رددت القسم باللغة الكرديّة، ورفض البرلمان قسمها، وحرمها من الحصانة الدبلوماسيّة، لكنها اليوم تمارس نشاطها السياسي دون أن يكون للخوف مكان في قاموسها الفكري والسياسي.

ليلى كوفَّن

البرلمانية في حزب الشعوب الديمقراطي(HDP)في جولميرك ،اعتقلت مرات  عدة بسبب رفضها لسياسات النظام التركي الديكتاتوري ” القومومي والإسلاموي” اطلقت سراحها في آخر مرة في بداية عام2019 بسبب تدهور حالتها الصحية بعد إضرابها “المفتوح” عن الطعام  من أجل إنهاء العزلة المفروضة على القائد اوجلان ، وتوسعت حملة الإضراب دعماً ومساندة لها في كل المعتقلات التركية وخارج تركيا وخرج الآلاف من أجلها ومن أجل قضيتها إلى الساحات والميادين في عموم أرجاء أوروبا وكردستان.

ليلى بنضالها أصبحت  رمزاً للمرأة  الكردية المناضلة وهي ديمومة للمقاومة التاريخية للشعب الكردي في الوقوف ضد سياسات الإنكار والإبادة ، بنضالها وإصرارها على المقاومة في إضرابها عن الطعام أصبحت شعلة للنضال المجتمعي.

في إحدى رسائلها إلى الرأي العام قالت:” إن طريقنا طويل وشاق، لكن في النهاية سننتصر” ولعل أكثر ما يخافه النظام الفاشي في تركيا (حزب العدالة والتنمية AKP وحزب الحركة القوميةMHP  ) هو المقاومة التي تبديها المناضلات الكرديات ،الأمر كذلك كان بالنسبة لداعش الذي كان يرتعب من مواجهة مقاتلات وحدات حماية المرأة YPJ.

زر الذهاب إلى الأعلى