المجتمعمانشيت

الطفولة في عفرين على مذبح الانتهاكات التركية

تسعى تركيا بكل سياساتها العدائية تجاه الكرد و تشددها في إنكار الوجود الكردي على مر العصور إلى العمل على طمس دورهم التاريخي والانساني في المنطقة، وتحاول نفي كفاحهم من أجل قضاياهم القومية وحقوقهم الانسانية ومكافحة الإرهاب بل وتسعى باستمرار لإلصاق تهمة الإرهاب والانفصال بهم وتعزف على هذا الوتر لاستعداء الشعوب عليهم، هذه هي سياسات أنقرة العدائية تجاه الكرد بل تفوق ذلك بكثير، وهذا ما نلامسه من خلال تصريحات مسؤوليها الشوفينية باجتياح مناطق شمال شرق سوريا، ناهيك عن ممارساتها اللاإنسانية في منطقة عفرين المحتلة ويتصدر هذه الممارسات التغيير الديموغرافي الممنهج والقمع والاضطهاد المتواصل بحق المدنيين العُزَّل كما تعمد تركيا إلى إدخال الآلاف من مسلحي جبهة النصرة وغيرهم لإسكانهم في عفرين لا بل أضافت تركيا بصمة قومية وثقافية عليها وعلى المناطق التي احتلتها في الشمال السوري، كـ  جرابلس ،الباب، اعزاز.

انتهاكات الدولة التركية كثيرة بحق الأهالي في عفرين تلك المدينة الواقعة في شمال غربي سوريا، والتي كانت تضج بالحركة والنشاط، وتنعم بأمان واستقرار، حيث كان عشرات الآلاف من طلاب العلم يرتادون المدارس والمعاهد والجامعات، كما برزت عليها طابعها الثقافي الخاص بها، وتعززت بين أبنائها ثقافة العيش المشترك وأخوة الشعوب … ، لكن الاحتلال التركي ومرتزقته جلب إليها المآسي والويلات عبر حرب ظالمة غير متكافئة، وبدأت بالاعتداء على رموزها ومعالمها التاريخية والثقافية، في محاولة منها طمس اللغة والثقافة الكردية.

بهذا الصدد سلطت صحيفة الاتحاد الديمقراطي الضوء على الجانب التعليمي في مدينة عفرين المحتلة وجرائم الدولة التركية ومرتزِقتها بحق الطلبة في انتهاك صارخ للقانون الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة التي تُعنى بشؤون الطفل ومن إحدى وظائفها الإشراف على التعليم، وبحسب أرقام وثبوتيات موثقة:

منذ 20 كانون الثاني 2018 عندما اجتاحت تركيا ومرتزِقتها عفرين بدأت بممارسة جرائمها اللاأخلاقية، وفي الجانب التعليمي عمدت إلى إغلاق جميع المدارس والمؤسسات التعليمية في بداية عام 2018 بل تم تدمير العشرات من مبانيها، ونُهبت مقتنيات معظمها، وأُفرغت المعاهد المتوسطة ومبنى جامعة عفرين من محتوياتها وأثاثها، وقد حُرم جميع طلاب عفرين من إتمام عامهم الدراسي، وبقي الآلاف منهم مع أهاليهم في مناطق النزوح شمال حلب في تلك السنة دون تعليم، والبعض منهم يرتاد مدارس بإمكانات متواضعة في مخيمات النزوح لا بل حرمان أكثرية الأطفال من حق التعلم.

أما في هذا العام وبعد التغريبة العفرينية والنزوح من المدينة، باشرت سلطة الاحتلال التركي وفور دخولها عفرين بالإجراءات في التغيير الديموغرافي في محاولة لطمس الهوية والثقافة الكردية فعمدت إلى بناء مدارسَ وجعلت اللغة التركية هي اللغة الرسمية فيها، وبدأت برفع العلم التركي وصور أردوغان على هذه المدارس الناطقة باللغة التركية وجدرانها التي افتتحتها في عام 2019 منذ بداية تشرين الأول، حيث أن جراء القصف التركي العنيف أصبحت عشرات المدارس مهدَّمة كلياً أو جزئياً وما تبقى فارغة من مستلزماتها، على سبيل المثال: مبنى مدرسة ابتدائية في مركز ناحية راجو ومبنى المدرسة الثانوية في مركز ناحية جنديرس مدمرين، مدرستان في بلدة ميدانكي  تضررتا بسبب القصف ومدارس عديدة أصبحت مقرّات عسكرية وأمنية وإدارية، منها : مدرسة (أمير غباري، الاتحاد، فيصل قدور، الكرامة، الأزهار الخاصة ومبنى التوجيه التربوي في مركز مدينة عفرين، المدرسة الغربية، مدرسة الثانوية القديمة في جنديرس، المدرسة الثانوية في معبطلي، المدرسة الثانوية في راجو، المدرسة الابتدائية طريق أرندة في بلدة شيه،بالإضافة إلى أن أبواب العشرات من مدارس القرى لم تُفتح بعد، ولم تُفتح أي مدرسة ثانوية أو إعدادية في منطقة عفرين.

المدرسة الصناعية بمدينة عفرين مهدمة، وسرقت كافة محتوياتها وأدواتها حيث أنها كانت من المدراس الرائدة قبل الاحتلال.

أما المنهاج الذي اعتمدته تركيا فهو وفق النظام التركي، ولم يتم توزيع الكتب واللوازم المدرسية على الطلاب، كما كان هناك ضعف في حجم ومستوى الكادر التعليمي، وبالنسبة للمعاهد المتوسطة والجامعة الوحيدة في عفرين كانت مغلقة، مما أفقد الآلاف من طلابها استكمال تحصيلهم الدراسي، في وقت كان فيه المئات على أبواب التخرج.

ومن جانب آخر، لا تخلو أجواء المدارس من مظاهر مسلحة ومشاحنات بين أبناء الذين جلبتهم تركيا وأسكنتهم في عفرين بغية تغيير معالمها، نظراً لاختلاف البيئات الاجتماعية والثقافية، إضافةً إلى ما يحمله المحتلون لعفرين من ثقافة شوفينية واستعلاء تجاه أهالي عفرين القلة القليلة الباقية في منازلها، حيث تُوجه إهانات مباشرة لطلاب المنطقة من قبل معلمين عينتهم سلطات الاحتلال.

تؤكد مصادر من المنطقة على أنه: بعد أيام من افتتاح مدرسة ابتدائية في بلدة معبطلي، يوم الاثنين 24/9/2018، حيث اعتدى حشد من أهالي المرتزقة على أبناء المنطقة وانهالوا عليهم بالضرب، رفضاً للاختلاط بين الجنسين من تلاميذ المدرسة، علماً أنه في عهد الادارة الذاتية كانت معظم مدارس عفرين مختلطة.

كما جاء في تقرير أصدرته منظمة حقوق الإنسان في عفرين، ذكر فيه الاعتداءات التي تعرضت لها المدارس في مدينة “عفرين” والنواحي التابعة لها.

أكد تقرير المنظمة أن نحو 70 مدرسة أصبحت خارج الخدمة بعد أن تعرضت 45 منها للتدمير، إبان عملية غصن الزيتون التي شنها جيش الاحتلال التركي ومرتزقته على عفرين.

بالإضافة لخروج بعض المدارس عن الخدمة نتيجة تحويلها إلى “مقرات عسكرية ومكاتب تحقيق ومعتقلات”.

هذا وأشارت المنظمة إلى أن تركيا أدرجت اللغة التركية ضمن المناهج الدراسية ابتداءً من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الثانوية، وأن المناهج المدرجة باللغة العربية باتت تمجد العثمانيين.

وأشار التقرير إلى أن مدرسة “فيصل قدور” في حي (الفيلات) تم تحويلها إلى مقر للكومندوس التركي كما تم تحويل مدرسة ثانوية البنات إلى مقر للشرطة المدنية وثانوية التجارة إلى مقر للشرطة العسكرية، وتم تحويل ثانوية الزراعة إلى مقر عسكري أيضاً.

أما مدرسة “أمير غباري” فقد تم تحويلها إلى مقر للقوات التركية و قسم الشرطة، بينما تم تحويل مدرسة “أزهار عفرين” إلى مقر قيادة القوات التركية.

وذكر التقرير أيضاُ أن مدرسة “الأصدقاء” العائدة ملكيتها للدكتور رياض ملا، تم تحويل قسم منها ليكون مقراً لعناصر الاحتلال ومرتزقته، أما مدرسة الكرامة التي تعتبر من أقدم مدارس عفرين، ما تزال الشرطة العسكرية تستولي عليها، بالرغم من نقل المقر إلى ثانوية التجارة.

وأشار التقرير إلى تغيير اسم مدرسة “ميسلون” إلى مدرسة “فخر الدين باشا”، وهو ضابط عثماني.

ويقول التقرير أن ناحية بلبل تضم 33 مدرسة منها ثانوية واحدة و خمس إعداديات تحولت إحداها إلى مقر للقاعدة العسكرية التركية، كما توجد 27 ابتدائية البعض منها لحقتها أضرار جسيمة  نتيجة القصف التركي، كما طالت  بعضها الآخر سرقة مستلزماتها من قبل مرتزقة الاحتلال.

وأفاد التقرير أن ناحية معبطلي التي تضم 32 مدرسة تحولت فيها ثانوية معبطلي ومدرسة قرية (شوربة) إلى مقرين للقوات العسكرية التركية، أما بالنسبة لناحية راجو أكد التقرير إن عدد المدارس يبلغ 45 لا تتوفر فيها المستلزمات الدراسية التعليمية والبعض منها خارج الخدمة، منها ثلاث مدارس مدمرة بالكامل نتيجة القصف التركي، وثلاث مدارس أخرى في القرى المحيطة بها مدمرة أيضاً، بالإضافة إلى 6 مدارس لا تزال مغلقة في قرى محيطة، في حين تم تحويل ثانوية راجو إلى مقر للقوات العسكرية التركية.

وفي ناحية شران التي تضم 45 مدرسة، منها مدرسة خرابة شران التي تم تحويلها إلى مقر للقوات العسكرية التركية، بينما تم تحويل مدرسة “ميدانكي” الابتدائية إلى مركز يضم فيه بعض عوائل المرتزقة، ويذكر التقرير إلى أن غالبية مدارس ناحية جنديرس التي تبلغ 50 مدرسة تضررت بشكل شبه كامل، ما أدى لخروج البعض منها عن الخدمة، منها الإعدادية القديمة التي تم تحويلها إلى مستودع للأجهزة العسكرية، بينما حولت المدرسة الإعدادية من الجهة الغربية إلى مشفى عسكري، وفي ناحية شيه تم تحويل المدرسة الابتدائية في مركز الناحية التي كانت تأوي بحدود 1500 طالب إلى مقرٍ عسكري.

إن كل ما تفعله تركيا في مدينة عفرين من انتهاكات وجرائم وتغيير لأسماء المدارس و الساحات العامة هو لطمس الهوية الثقافية للمكون الأصلي فيها (الكرد): فساحة نوروز أصبحت ساحة صلاح الدين الأيوبي، ودوار كاوا تحول إلى دوار غصن الزيتون، بالإضافة إلى تغيير اسم قرية قسطل مقداد إلى سلجوق أوباسي، وقرية كوتانلي إلى ظافر أوباسي، وخلالكو إلى صولاقلي، بعد أن كانت عفرين، قبل الاحتلال التركي، إحدى أكثر المناطق في عموم سوريا أمناً واستقراراً، وأكثر المناطق تنظيماً من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والتعليم فيها هو الأفضل من المرحلة الابتدائية وصولاً إلى مراحل التعليم العالي.

خاتمة

العملية التربوية والتعليمية أينما كانت وتحت أي ظرف تتطلب بيئة ملائمة  وأجواء من الحرية ومقومات الحياة الأساسية وكادر تدريسي باتت عفرين تفتقد مقومات العملية التعليمية عموماً، حيث ما زال الكثير من أهاليها قلقون من إرسال أبنائهم إلى المدارس في مدينة عفرين، خاصة البنات منهم، أما هؤلاء الذين يعيشون في مخيمات اللجوء ولاسيما في مناطق الشهباء فباتوا بين فكي كماشة، حيث الفشل في توفير فرص التعليم لهم سيفاقم الآثار النفسية والصدمات العنيفة التي عانوها جراء الاحتلال التركي، لذا ينبغي إيصال نداءات و مناشدات أهالي عفرين وصراخات أطفالهم إلى مسامع ومسؤولي الامم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية ومنظمة اليونسكو واليونيسف قبل فوات الأوان، فبعد أن كانت عفرين ملاذاً آمناً ويسودها السلام و الأمان، بعيداً عن شرور وفظائع الحرب بفضل إدارتها الذاتية الديمقراطية وقوات حماية الشعب والمرأة””YPG-YPJ، يعاني اليوم أطفال عفرين من الحرمان من أبسط حقوقهم.

إذن علينا أن نناشد الأمين العام للأمم المتحدة وكل المدافعين عن الطفولة وحقوق الانسان أن يضمنوا عدم حرمان أطفال عفرين من حق التعلم بسبب نزوحهم القسري على يد الاحتلال التركي ومرتزقته، وسط صمت مطبق وعدم اكتراث من المجتمع الدولي تجاه هذا الاحتلال الغادر لعفرين، ونظراً لوجود مئات الألاف من أهالي عفرين في مخيمات اللاجئين في مناطق الشهباء فإن التحديات القادمة مثيرة للقلق، ونلفت انتباه كافة الجهات الدولية المعنية والحقوقية إلى حقيقة أنه من الضروري أن يشمل حق التعلم كل أطفال عفرين المتواجدين في مناطق الشهباء والتمتع بحقهم في التعلم بلغتهم الأم أيضاً.

اعداد: بارين قامشلو

زر الذهاب إلى الأعلى