ثقافةمانشيت

الاستاذ عباس إسماعيل الإرث التاريخي والثقافي

الكتّاب والمؤرخون قاماتٌ عظيمة يسعون من خلال أقلامهم نشر ثقافتنا وأدبنا إلى العالم ولهم دور كبير في تأريخ الأدب والثقافة الكردية ونشرها وتوثيقها من خلال مطبوعاتهم التي تتحدث عن التاريخ الكردي واللغة الكردية ومن هؤلاء الكتاب والذي كان له علاقة روحية وأدبية وطيدة بمدينة قامشلو الكاتب والأديب الكردي عباس إسماعيل، فارتأت صحيفة الاتحاد الديمقراطي إجراء حوار معه ليخبرنا نبذة عن تاريخ مدينة قامشلو والبيئة التي ترعرع فيها، إضافة إلى الحديث عن الكتب والقواميس التي قام بتأليفها والتي تصب جميعها في مصلحة الأدب الكردي والثقافة الكردية وإمكانية نشرها على أوسع نطاق؛ وهذا نص الحوار:

– من هو عباس إسماعيل الكاتب، وفي أي بيئة ترعرع؟

عباس إبراهيم إسماعيل من مواليد قرية سادان المتاخمة لقرية دودان التابعة لمدينة قامشلو في عام 1938، عشت وحيداً ولم أرَ والدي الذي مات وأنا في عمر السنتين، إلا أنني عشت مدللاً في رعاية ثلاث أخوات يكبرونني سناً وأم قوية ونشيطة وكان وضعنا المادي جيداً حسب ظروف تلك الأيام فكنا نملك قطيعاً من الأغنام، وآلة لجرش المحصول وغيرها.

عندما أصبحت في السادسة من العمر انتقلنا إلى قرية دودان ولا زلت أتذكر عام الغلاء “عام الميرا” عام 1944، وفي عام 1948 بدأت أتعلم القرآن على يد زوجة إمام قرية دودان، وفي عام 1950 أرسلت مديرية التربية معلماً إلى القرية لكن المسؤولين في قرية دودان لم يستقبلوه بسبب النزاع والخلاف الدائر بين ملاكي القرية، لكن ملاك قرية سادان استقبله وخصص له غرفة للتدريس وأخرى للنوم، حينها ذهبت إلى تلك المدرسة، فالمعلم الأول في حياتي الشاب الأشقر الطويل أنور الجندي من قدموس كان يتعجب لوضعي وذكائي فأدخلني في الصف الثاني, وأتممت المرحلة الاعدادية في قامشلو ودار المعلمين والثانوية الأدبية في الحسكة ودرست اللغة العربية في جامعة دمشق ثلاث سنوات وفي عام1962 تعينت مدرساً في قرية دمخية الكبيرة وبعد عامين انتقلت إلى مدارس قامشلو.

– ما هي علاقتك بقامشلو وماذا تعني لك؟

في المرحلة الابتدائية وفي قرية دودان كانت السيارات “الكاميون” تنقل الرمل من القرية إلى قامشلو وكنا نذهب إليها عن طريق هذه السيارات ونحضر أفلام السينما حيث المدينة كانت صغيرة في تلك الأيام وكنا نعلم كافة مرافقها.

فمن العام 1956-1959 وحين انتقلت إلى المدينة لدراسة المرحلة الإعدادية تعرفت في تلك الفترة على طلاب من عامودا ومن القرى المجاورة، وتعرفت على شخصيات ومثقفين مثل جكرخوين ومُدرسين من الداخل السوري وبعض أصحاب المحلات والمطاعم والمقاهي، وكوني كنت منتمياً إلى الحزب الشيوعي تعرفت على رفاق من الأرمن والسريان واشتركت في مظاهرات كانت تقودها سينم أبنة جكرخوين.

اعتبر نفسي من محبي ومؤسسي قامشلو وهذه بعض مساهماتي في بناء هذه المدينة:

*- أنا عضو مؤسس لجمعية الموظفين وكنت رئيساً لها بعد المرحوم كمال درويش أعوام 1968-1969.

*عضو مؤسس لجمعية حماية الأحداث وكنت اُدرِّسُ الأطفال المساجين مجاناً. *عضو مؤسس لجمعية النقل بين قامشلو وعامودا.

*عضو مؤسس للجمعية الاستهلاكية بقامشلو. *

عضو في جمعية الرفق بالحيوان برئاسة شيخو ديار بكرلي وآلياس دريجو.

*عضو مؤسس للجمعية السكنية للمعلمين وما زلت أسكن في المشروع الأول منذ عام 1979.

*رئيس نادي سوريا الرياضي لكرة القدم.

*عضو مؤسس لنقابة المعلمين بالمحافظة ورقم عضويتي 13 وكذلك لنقابة المعلمين وناديها بقامشلو .

*ساهمت في حملة محو الأمية في حي قدوربك  بناءً على طلب الحزب الشيوعي. *عضو مؤسس وعضو اللجنة التحضيرية لاتحاد الكتاب في قامشلو.

*شكلت فرقة كشفية في مدرسة صلاح الدين الأيوبي الحكومية وكانت الفرقة الأولى بالنسبة للمدارس الحكومية.

*ساعدت معظم الجمعيات السكنية في قامشلو في تأمين الأراضي المنظمة والقابلة للسكن.

– ماذا تحكي في مؤلفاتك عن قامشلو، وهلّا تزودنا بنبذة عن تاريخها برؤية الكاتب عباس إسماعيل؟

كتبت عن قامشلو في بعض القصص من خلال لمحات عن الحياة الاجتماعية في المدينة آنذاك وكتبت قصيدة شعرية طويلة في ديواني المسمى “Çend gosî ji mêwa jiyana min” ، وصفت فيها كافة مظاهر المدينة من الشوارع المشهورة والحدائق وحتى بعض الشخصيات من ذوي العادات الخاصة، أما تاريخ المدينة فحسب معرفتي فأنها بنيت في عام 1926 أو 1927، حيث اختار الفرنسيون هذا الموقع بعد معركة بياندور والتي كانت مرشحة بأن تكون هي مركز المنطقة، وكان المترجمون السريان والملّاكين من أمثال قدوربك وآل كنجو وآل كوزي وحسن جلبي وآل نظام الدين وبعض التجار من السريان واليهود الذين كانوا في نصيبين.

سبب تسمية المدينة بهذا الاسم: الفرنسيون سموها “قاميشليه” أي يوجد فيها القصب كونهم سألوا أهل القرى المحيطة بالموقع بماذا يشتهر، وكان الجواب أنها مشهورة بالقصب النابت على ضفتي نهر جقجق.

جاء الفرنسيون بمهندس يوناني اسمه “خِرليمبو Xerelempo” فخطط المدينة ومن ثم جاء مهندس آخر لتوسيع المدينة ايطالي اسمه “كِواس  Kiwas” وهكذا بدأت المدينة تتوسع وتكبر بسرعة مذهلة وبفضل مجيء اليهود والسريان من نصيبين وماردين وافتتاحهم محلات تجارية وكذلك بفضل الملّاكين الذين وقعت أراضيهم في الأراضي السورية بعد اتفاقية سايكس بيكو عام 1917، فجاؤوا وعمروا بيوتهم في أراضيهم وبنى المسلمون أول جامع على طريق نصيبين وعمَّر السريان كنيسة مار يعقوب على الشارع العام وسط المدينة وبنى اليهود كنيسةً لهم ضمن حيّهم وبنى الفرنسيون ثكنة عسكرية وسجنٍ إضافة إلى بناء مقر مدير المنطقة وجميعها كانت من الحجر الأسود.

– كم هي عدد مؤلفاتك، وهلّا تحدثنا عنها قليلاً؟

بدأت بالكتابة باللغة الكردية متأخراً؛ ففي عام 1982 زارنا البروفيسور الكردي جليلي جليل وكان يبحث عن الفلكلور الخاص بكرد الجزيرة، فكنت أجلب له مسنين يغنون أغاني الحصاد وغيرها لهذا أهداني كتابه الذي ألفه حول هذا الموضوع، وقام بتشجيعي وكثير من الشباب على الكتابة بالكردية وكنت قبلها أكتب بعض المقالات والخواطر والأشعار بالعربية، وبين الأعوام 1983 -1990 صمّمت على تعلم الكتابة باللغة الكردية وكنت ملماً بها أيام الدراسة، وفي عام 1991 كتبت بعض القصص التي سمعتها من مجالس المسنين وسميتها وردة المجالس “Gula civatê”

وحين طبعته في دمشق ارتفعت معنوياتي وأصبحت مدمناً على القراءة والكتابة وأحببت كتابة القصة أكثر من الشعر لذلك صدر لي حتى الآن سبعة كتب بين قصة قصيرة وطويلة وكتاب قيد الانجاز، وبالنسبة لكتابة الشعر فإنني انتقد شعري وقد اسميه خواطر وذكريات فلدي الآن ثلاثة دواوين مطبوعة وديوان واحد باللغة العربية، إضافة إلى تأليفي لرواية واحدة.

في الفترة ما بعد عام 2000 فكرت أن أهتم باللغة بشكل أكثر، فألفت في بداية الأمر كتاب “تعلم الكردية” وطُبع بترخيص، وألفت كتابين في اللغة واعتبرهما أول عمل لغوي كردي في جميع أنحاء كردستان، أحدهم: قاموس الأصوات في اللغة الكردية والثاني قاموس الكنايات في اللغة الكردية، بالنسبة لقاموس الأصوات فقد وزع منه الألاف من النسخ وأفتخر بأن هناك طالب يقوم بإعداد رسالة دكتوراه حول الصوت وهذا القاموس نموذجاً في رسالته، وقد انهيت منذ سنتين من كتابة قاموس اسمه “قاموس المترادفات في اللغة الكردية”، إضافة إلى كتابة قاموس انهيته الآن وهو قاموس عربي كردي، وهذان  العملان هما قيد التدقيق من قبل كتاب لغويين سوف يتم تدقيقهم قبل نهاية السنة، كما كنت قد جمعت عشرة آلاف من هذه المترادفات منذ سنوات وقسمتهم على أربعة أجزاء كل جزء مختص بموضوع والكتب الأربعة جاهزة للطبع وهي الآن بحوزة دائرة الأدبيات وهم تبنوا طبعهم مشكورين، والجدير بالذكر أن قاموس الكنايات طُبع على نفقة وزارة الثقافة في الإدارة الذاتية ولهم جزيل الشكر، أما المشاريع الموجودة بين يدي فهي كثيرة منها المطبوعة وعددها (18) أما التي هي قيد الطبع فهي (6).

– الواقع الثقافي الكردي في روج آفا من وجهة نظرك، ماهي نقاط القوة والضعف, وكيف يمكن تقوية الضعف وتطوير الجانب القوي؟

الواقع الثقافي الكردي في روج افا مبشرٌ بالخير وقد وصل إلى مرحلة لم نكن نحلم بها والدليل على  ذلك كثرة وسائل النشر من صحف و مجلات وراديو وتلفزيونات، فلقد ازداد عدد الكتّاب من كافة الأصناف الأدبية وتجاوز اليوم حسب تقديرنا عدد الشعراء الكرد الـ200, وقد بلغت عدد الصحف والمجلات أضعاف مضاعفة عن الأعوام السابقة، ولا ننسى بأن المطابع الحديثة التي فتحتها الادارة الذاتية تعاني ضغطاً في طباعة كتب الأدباء والدليل على ذلك ما شاهدناه في معرض الكتاب الأول والثاني، وأنا متفائل حول نشر الثقافة والأدب الكردي إلا أنه لدي بعض الملاحظات حول الكتب التي يتم طبعها؛ فهناك بعض الكتب المطبوعة لا تستحق الطبع وأنا على ثقة أنه ليس هناك من يقرأها وخاصة تلك المكتوبة بلغة غير اللغة الأم، فيجب التركيز على نشر الكتب الخاصة باللغة والفلكلور الكردي لأن الأدب الشعبي يحتوي على كلمات أصيلة لا يعرفها هذا الجيل فيجب الحفاظ عليها عن طريق طبع الكتب الخاصة بالأدب الشعبي والأمثلة والقصص القديمة وحتى الأغاني والاساطير.

– هل من مؤلفات قيد الانجاز بين يدي عباس اسماعيل؟

لدي مشاريع كثيرة للكتابة؛ أما المؤلفات التي هي قيد الانجاز فهي:

*ــ كتاب “فلسفتي في الحياة” من تجاربي ومشاهداتي وقد تم طبع نسخة واحدة من الجزء الأول وهو بعنوان ” Min wilo jiyan naskir”هكذا عرفت الحياة” والجزء الثاني هو بين يدي وقيد الانجاز.

*- كتاب قصة بعنوان  Çirokên desta nisêbînê”قصص من سهول نصيبين” وسبق أن طبعت كتاب بعنوان قصص من سهول ماردين.

*- كتاب قصص من التاريخ الكردي “أحداث، معارك، حروب، وكوارث” حدثت على أرض الكرد.

*- كتاب بعنوان  Mistek ji cêza folklorê kurdî “كمشة من بيدر الفولكلور الكردي”.

وأنا على أمل بأن أشاهد هذه الكتب مطبوعة وأملي كبير بأن أعطي شعبي أعمالاً أدبية مميزة وأقول لنفسي متفائلا: “من بلغ الثمانين لا يسأم”.

– ما هي توصيات عباس اسماعيل الكاتب للمثقفين؟

أوصي كافة الكتاب والمثقفين أن يكونوا إنسانيين ومتفائلين وأن يبتعدوا عن الأنانية البغيضة وأن لا يتعالوا على بعضهم ويشجعوا كل من يكتب كلمة واحدة من أجل وطنه وأمته ولأجل البشرية؛ كما أرجو أن يبتعد المثقف عن الأنانية الحزبية ولا يمنع أن يكون صاحب رأي وعقيدة ولكن يجب أن لا يصر بأن عقيدته ورأيه هما الأفضل والأصح.

ختاماً أوصي الأديب أن لا يكون ممن يتسكع أمام باب الأحزاب أو المنظمات الموجودة فالأديب الحقيقي عليه أن يحافظ على قدسية الأدب وأن يكون أدبه في خدمة الشعب والمضطهدين وأن يكون الأديب شوكة في عين الدكتاتور والمستبدين.

إعداد: دلناز دلي

 

زر الذهاب إلى الأعلى