مقالات

الإيزيديون ضحايا التباس الحق بالباطل في المناطق المحتلة

محمد القادري الحُسيني

لعله ليس من نافلة القول إذا ما تغنينا في مقالاتنا وبياناتنا بالديمقراطية القائمة في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي تتمتع بها المكونات والطوائف والمذاهب من حيث الحرية الدينية والمعتقدات والثقافات وحق التعلم باللغة الأم، وخصوصاً بعد المشاهد التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم لرجل من إخواننا الإيزيديين يعلن إسلامه بحضور من يزعمون تمثيل الإسلام زيفاً وزوراً في عفرين المحتلة، وإذا ما قارنّا هذا الانقياد الإرهابي لشرائع وضعية والتغول في اجتهادات خرافية مع الأحاديث النبوية الشريفة وآيات القرآن الكريم، استوجب علينا تذكير هؤلاءِ المُشوّهِينَ للدين الإسلامي الحنيف  بالآية الكريمة “لا إكراه في الدين” والوقوف والتمعن فيها لأبعد الحدود.

إذ إن اختيار الدين والمعتقد لدى الإنسان هو مجموعة الأفكار المقدسة التي يعتقد بها الإنسان ويمارس طقوس حياته اليومية بشكل طوعي ملتزماً بما تمليه عليه هذه الأفكار محبة وعشقاً، وهذا يكون إما عن طريق المدرسة الأولى له وهي الأُسرة فيتوارث دينه ويمارس شعائره وطقوسه، وقد يكون أيضاً عن طريق الاعتناق بالاطلاع والاقتناع والدخول طواعية في دين آخر أو معتقدٍ أو مذهبٍ أو طائفةٍ أو فكرٍ ما، لذلك لا نرى في تاريخ الأديان السماوية أو غيرها مَن يفرض بالقوة والإكراه نظريته.

ولذلك فأن الأسلوب غير الشرعي وغير المقبول عند الإله وفي الكتب المقدسة هو أن تُجبر غير المسلمين في الدخول إلى الإسلام باستعمال العنف والقتل والقوة والسلب والنهب والتشريد، لأن ذلك يخالف ما أُنزل في القرآن الكريم بقوله تعالى “ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة” ويناقض قوله تعالى: “ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين”.

فالإسلام لا يأمر أبداً باستخدام العنف والإكراه والإجبار على اعتناق الدين الإسلامي، وكل الممارسات التي يقوم بها من يدّعون الإسلام في عفرين المحتلة وقراها ومدنها لإجبار الإخوة الإيزيديين لتغيير ديانتهم ومعتقدهم إنما هي أعمال إجرامية تشوه الدين الإسلامي الحنيف، كما أنها منافية للأخلاق العظيمة التي وصف الله بها نبيه محمد بقوله: وإنك لعلى خُلُقّ عظيم، وقد قال النبي: إنما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارم الأخلاق، فأين مكارم الأخلاق من إجبار الإنسان على ترك دينِ آبائه وأجداده وإدخاله بالقوة والإكراه في دِينٍ آخر.

ولقد أمر الله تعالى حتى مجرد المجادلة مع الأديان الأخرى باستعمال القول الحسن حصراً، فقال: “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأُنزِلَ إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون”. وإذا رجعنا إلى التاريخ الإسلامي وحياة النبي محمد، وكيف كان ينشر الدين الإسلامي وتحديداً عندما هاجر إلى المدينة ولم يجبر أحداً من اليهود أو غيرهم على دخول الإسلام عنوة، بل جعل بينه وبينهم وثيقة تُعد بمثابة دستور لإدارةٍ ديمقراطيةٍ عبر التاريخ وهي التعايش السلمي بين أفراد الأديان في أرض واحدة ومدينة واحدة ويعيش كلٌ حسب شعائره وطقوسه الدينية وبيوته المقدسة.

القرآن الكريم لم ينل من كرامة أتباع الأديان الأخرى، بل بيّن كرامتهم بقوله: “إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون”، لذلك نعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل لأي إنسان الحق في محاسبة إنسان آخر على دينه، ولم يأمره بإجبار الآخر على ترك دينه والدخول في دين جديد، إنما المنهج الإلهي هو الاعتراف بجميع الرسالات والأنبياء، فيقول جلَّ وعلا في الآية الكريمة مخاطباً اتباع الرسل: “إنّ هذه أمتُكُم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”.

انطلاقاً من الأدلة السابقة التي تبرهن بُطلان جميع أفعال المتكلمين باسم الدين زوراً وتشويهاً في المناطق المحتلة يحق لنا القول: إن إدخال الناس في أي دين سواء كان الإسلام أو غيره بالقوة هو جريمة في حق ذلك الدين قبل كل شيء وهو مرفوض دينياً وشرعياً ويجب أن يكون مُحرماً قانونياً أيضاً، إذ إن المبدأ الأساسي والأخلاقي في نشر الديانات هو الحكمة الموجودة في جميع الديانات، في كتبها المقدسة السماوية وغير السماوية، والتي يمكن أن يعتمد عليها المجتمع البشري للوصول إلى حالة الإنسانية والسلام وعدم الاعتداء على دين الآخر ودنياه، وهذه الحكمة تُعتبر ميزان العدالة الإنسانية،

وكل من يفعل خلاف هذه الآيات والحكم والأقوال والأخلاق النبوية إنما هو لتشويه الإسلام وكتابه المقدس ونبيه الكريم.

زر الذهاب إلى الأعلى