مقالات

الأرض المعبقة بشذى الحرية

عامر طحلو

من يتجول في مدن وبلدات روج آفا أو يزورها؛ يرى على رأس كل شارع و بوابة كل حديقة وفي كل ساحة صورَ شباب بعمر الزهور, أحياء تسمّت بأسمائهم, وهيئات ومؤسسات تزينت بصورهم, لتروي للأجيال القادمة, قصة الحرية الحمراء.

أضرحة الشهداء ملأت مدننا وبلداتنا, وأصبحت رمزاً من رموز ثورتنا ثورة روج آفا “ثورة الشهداء” وروج آفا أصبحت أرضَ الشهداء, أرض الكرامة, وهي تستحق هذه التضحية.

بفضل دماء أبنائنا وبناتنا استعدنا حريتنا وكرامتنا المسلوبتين منذ عشرات العقود, بفضل دمائهم أصبحنا قوةً تفتخر بها كل الشعوب, دماؤهم صاغت لنا سلسلة متينة لا تنقطع, مؤلفة من حلقات الحرية والكرامة وأخوة  الشعوب والتعايش المشترك, يتزين بها جيد روج آفا.

في كل حديقة نجد زهوراً محاطةً ببعض الأشواك, والأعشاب الضارة, وبالرغم من وجود هذه الأشواك نجد الزهرة تنمو بعنفوان, وتنشر شذاها في الهواء كذلك مجتمعنا, نجد فيه المريض والعاق واللامبالي والذي فرغًّ نفسه للعمالة الأعداء؛ هؤلاء الذين يسعون جاهدين لخلق الفتن والبلبلة, وتشويه السمعة, ولكنهم لا يؤثرون في المجتمع إذا اقتلعناهم عن طريق اليقظة, والوعي الاجتماعي, ونبذ هؤلاء؛ فهم يدنسون تضحيات شهدائنا, لذا يجب الحفاظ على هذه الحديقة المتجانسة, على الرغم من اختلاف أشجارها وزهورها, هكذا أصبحت روج آفا, كياناً واحداً ومصيراً واحداً, يجمع جميع مكوناتها وأطيافها, كل هذا بفضل دماء شهدائها الذين قدموا الغالي كي ينال شعبه حريته.

علينا أن نُقَبِّلَ أقدامَ كل أم ضحّت بفلذة كبدها من أجلنا, ومازالت مستعدة لتقديم المزيد, ما أعظمها حينما تزغرد في جنازة ابنها الشهيد, والكل يعلم أن قلبها يحترق, ولكن كله فداء لأرض الوطن, أرض آبائنا وأجدادنا.

ألا ترون أن الشهداء يُزفّون بالزغاريد والزهور؛ كأنهم عرسان, وهم كذلك عرسان في الجنة, ضحوا بأرواحهم من أجل شعبهم المظلوم, لنسرّ على دربهم ونكمل خطاهم وكفانا تشتتاً وتشرذماً تلك الخُطا؛ وهذا النُهج الذي أثبت أصحابها للعالم أننا موجودون صامدون, بمبادئنا وقوتنا وإخلاصنا.

بوحدتنا لن يقدر أحد على هزيمتنا, وأخوة الشعوب تربط مصيرها مع بعض, وتكسبها قوة مضاعفة, هكذا علّمنا فيلسوفُ الإنسانية؛ فيلسوف الأمة الديمقراطية.

روج آفا تفوح منها رائحة الجنة, فأرضها معجونة بدماء الشرفاء من أبنائها.

حتى تراب أضرحتهم يأبى أن تنبت فيه الأشواك, بل تزهر فيه كافة أنواع الزهور والرياحين, ومن أجل هؤلاء الأبطال يجب أن نتوحد كشعوب, فالكردي والعربي والمسيحي يرقدون في نفس الأرض, حاملين شرف الشهادة, إذا كان الوطن يجمعنا والهواء الذي نتنفسه يجمعنا, والشهادة تجمعنا, والتاريخ يجمعنا, بالتأكيد ستجمعنا مشروع إخوة الشعوب والعيش المشترك, ولن تستطيع أي قوة أن تهزمنا.

وسنكون أوفياء لدماء شهدائنا, وكلنا سائرون على دربهم لأن دماؤهم أغلى من كل شيء, هم صناع الحياة, وشموع الحرية, وأرضنا التي ارتوت من دمائهم المعبقة بشذى الحرية والكرامة, تفوح منها رائحة الانتصار.

زر الذهاب إلى الأعلى