تقاريرمانشيت

هل تحققت لتركيا ما كانت ترمي إليه في سوريا…؟ تركيا وأزمة جارتها سوريا

إعداد- دوست ميرخان

للجوار “الجيرة” والعلاقة الحسنة بين الجيران سواء أكانوا أفراداً أو جماعات أو نظم حكم “دول” قيمة كبيرة في المفاهيم الإنسانية أولاً وفي القيم الإسلامية ثانياً وقد أوصى بها رسول الإسلام “محمد” ودعا ويدعوا إليها كبار المسلمين عموماً، وعلى اعتبار ما سنولج فيه متعلق بدولة جارة لسوريا وتُعتبر من الدول الأكثر تشدقاً بالإسلام وبالمفاهيم الإسلامية خاصة نظامها الحاكم الذي يغالي كثيراً في الإسلام كما أجداده العثمانيين الذين اشتهروا بخوزقة جيرانهم وارتكاب أبشع المجازر بحقهم.

منذ أن تسلم أردوغان سدّة الحكم في تركيا كان يتطلع للهيمنة على القرار السياسي في الشرق الأوسط  مستغلاً كل التحولات والحركات التي شهدتها المنطقة  العربية والإسلامية عموماً في خدمة أجنداته، لذا فالتقلبات التركية الاردوغانية هيمنت على مسار السياسة الخارجية التركية وعلى علاقتها وموقفها من جارتها سوريا، وعملت وبكل الوسائل استباق المدة الزمنية لهذه التحولات للولوج إلى مقام القوى الإقليمية والدولية، إلا أن الواقع والتصورات لم تكن في تماثلٍ تام لا في الداخل التركي ولا حتى على الصعيد الخارجي،  ولم تتماشَ خطط السياسة الخارجية مع أهدافها ونزعتها التوسعية.

على الرغم من قيادة نظام أردوغان لحركة الأخوان المسلمين المتطرفة في العالم ومحاولاته في إيصالها إلى سدة الحكم في المنطقة سواء في مصر أو سوريا أو ليبيا وتونس، إلا أن عامل الزمن والقوى الدولية والمحلية كانت أكثر استباق وقوة منه ومن جماعاته المحسوبة سورياً التي لم تستطع التخلص من ايديولوجيتها الاقصائية ونزعاتها الأسلاموية القومومية التي بدأت بالتآكل والانكماش للتحول فيما بعد إلى حركات إرهابية مهمتها بث الفوضى والفتن واطالة أمد الصراع في سوريا.

في هذا الملف المختصر المُعَد حول السياسة التركية حيال الملف السوري والذي سنرصد فيه أهم الدوافع التي دفعت تركيا لاتباع هذا النهج السلطوي وهذه النزعة المتأصلة في ذهن النظام التركي كدولة جارة حيال أزمات المنطقة والتحولات التي تشهدها بعد أكثر من نصف قرن، كذلك سنرصد بعض القرارات والإجراءات التي اتخذتها تركيا حيال الأزمة السورية، بالإضافة إلى الموانع التي حالت دون تمكن تركيا من هيمنتها على الملف السوري بشكلٍ كامل وبالتالي فشل مشروعها الاستعماري بالرغم من تواجدها كقوة محتلة في بعض المناطق في  الجزء الشمالي الغربي من سوريا ومعظمنا نعلم كيف قُدِّمَت هذه المناطق إليها من قبل القوى الدولية التي تتحكم بالملف السوري.

العلاقات التركية – السورية خلال العقد الأول من الألفية الثالثة وما بعد:

شهدت العلاقات التركية ـ السورية خلال مراحلها العديد من المتغيرات غلب عليها طابع التهديد والعداء التركي تجاه جارتها سوريا حتى تسلم حزب العدالة والتنمية السلطة، كذلك تسلُّم بشار الأسد الحكم بدروه في سوريا مع بداية الألفية الثالثة، لتشهد العلاقات بين الطرفين نوعاً من الاستقرار خاصة وأن الطرفان قَدِما إلى السلطة بشعارات برَّاقة حيث بدأ حزب العدالة والتنمية في تركيا برسم السياسة الخارجية التركية منطلقة من شعار “صفر مشاكل” والانفتاح على الداخل والجميع في تركيا تأملوا خيراً، أما النظام السوري فقد رفع شعار التطوير والتحديث وانفتاح سوريا على الصعيد الاقليمي والدولي، ولم يمض وقت طويل من التبادل في الزيارات ورسم الاتفاقات بين الطرفين حتى وصلت العلاقة بين النظامين إلى أعلى مستويات الصداقة، وغزت البضائع التركية الأسواق السورية وأصبحت لواء اسكندرونة جزءاً من الأراضي التركية، وكانت  القوى الوطنية السورية تأمل خيراً من العهد الجديد الذي بدأ في سوريا لكن وبالرغم من دعوات الانفتاح على الداخل السوري بدأ النظام  بالضغط على القوى الوطنية وبدأت مرحلة جديدة من الملاحقات والاعتقالات انتهت بتمدد ثورات الشعوب إلى داخل سوريا وحصول الكارثة التي لم يتداركها النظام حتى وقتنا الراهن لا بل زاد في الطين بلة كما يقول المثل. الجدير بالذكر إن بشار الأسد كان أول رئيس سوري يزور تركيا 2004.

بالطبع أجواء الصداقة الحميمة لم تدم طويلاً ومع اشتعال فتيل الأزمة في سوريا تدهورت العلاقات بين الطرفين كنتيجة لمقدمات مرتبطة بالنهج السياسي الباطني للطرفين فالنظام السوري وخلال العقد الأول من عهده الجديد لم يستطع أن يبني لسياسة حقيقية مبنية على أسس ديمقراطية يقوي ويعزز من الجبهة المجتمعية الداخلية، ولم تكن  سياسات التطوير والتحديث سوى شعارات برَّاقة لبنية نظام فتته الفساد السلطوي البعثي على كل الأصعدة وبالتالي لم يتمكن من حماية سوريا من الهزَّة الشديدة التي تعرضت لها، ومن التمادي التركي المتعطش للهيمنة وإعادة أمجاد الدولة العثمانية وتتريك المنطقة برمتها، الذي استغل  الفجوات العميقة التي حصلت في داخل الجارة سوريا.

ووصلت العلاقة بين الطرفين لدرجة هاجم فيها أردوغان النظام السوري مستخدماً كل الوسائل مطالباً بأسقاطه جهاراً.

في الجانب الآخر كان النظام التركي يخطط ويستعد على الصعيد الدولي والاقليمي والداخلي ومنذ الأيام الأولى للأزمة لسد الفراغ الذي “سيحصل” بعد سقوط النظام متجاوزاً إيران وروسيا اللتان لهما الدور الأكبر في سوريا واليد الطُولى في الشأن السياسي والعسكري والاقتصادي، هكذا اصطدم الهدف التركي الأكبر في سوريا بهذه المعضلة التي ستنعكس على سياسات النظام التركي على المستوى الخارجي والداخلي، وبعد مرور سنوات من الأزمة أثرت بشكلٍ مباشر على المواقف التركية ونوعيتها فيما بعد، فتركيا التي وجهت سياستها الخارجية إزاء الأحداث في سوريا على أساس “الدعم المفتوح” لكل الجماعات السياسية والعسكرية المعتدلة منها والإرهابية والتي رُسمت لها الاُطر التي ستعمل من خلالها، تمايلت موقفها من الجماعات المعتدلة مع بداية ظهور داعش القوَّة التي عولت عليها تركيا كثيراً وبدأت بتغيير سياساتها تجاه جماعاتها الأولية (الجيش الحر، وبرهان غليون وأمثاله المعتدلين (حسب التوصيف)، وبدأت تحدُّ من دعمها وتضغط من خلالها على بعض القوى العربية والدولية التي كانت بدورها تدعم تلك الجماعات، وبالفعل شهدت تلك الأطراف تراجعاً سريعاً وبدأت قوتها تنهار يوماً بعد يوم في كل من( حمص- حلب- دمشق وريفها- درعا) وجمعت بقاياها العسكرية المهزومة في المناطق التي تحتلها تركيا في حالة مزرية، وبالطبع الجماعات التي رفضت الانصياع للسياسة التركية الجديدة حيال الملف السوري تعرضت للتشتت والتفتت، (ما يدور اليوم بشأن إدلب بين روسيا وتركيا تعتبر الحلقة الأخيرة للسياسة التركية حيال الجماعات المحسوبة على المعارضة).

بعض التواريخ الهامة للسياسة التركية حيال الأزمة السورية:

 نيسان2011 النظام التركي يجمع شخصيات سورية (معارضة) في اسطنبول لبحث الأزمة السورية 

1 حزيران 2011 انعقاد مؤتمر انطاليا الذي عُقد لبحث سبل إسقاط النظام السوري حضرهُ مجموعات سورية معارضة كانت أكبرها كتلة الأخوان المسلمين.

26 آذار 2012 أعلن النظام التركي تعليق أنشطة سفارته في دمشق وإغلاقها، وفي نفس اليوم  نظم ما سمي حينذاك بالمجلس الوطني السوري المعارض المؤتمر الأول في تركيا  برعاية النظام التركي.

1 نيسان 2012عقد مؤتمر “أصدقاء سوريا” في مدينة اسطنبول ، وضم ممثلي أكثر من سبعين دولة، بهدف مناقشة تقديم الدعم للمعارضة و زيادة الضغط على حكومة الرئيس السوري بشار الأسد لتطبيق بنود خطة السلام التي اقترحها المبعوث الدولي كوفي أنان.

6 نيسان 2012:

 أول تحذير تركي للأمم المتحدة بضرورة تقديم المساعدات لمواجهة تدفق اللاجئين السوريين إلى أراضيها.

 22حزيران 2012 قوات الدفاع الجوي السورية (الروسية) تُسقط طائرة عسكرية تركية

تشرين الأول 2012:

البرلمان التركي يصوت بالموافقة على مذكرة تمنح الحكومة صلاحية القيام بعمليات عسكرية في سوريا ضد النظام السوري.

20 تشرين الثاني 2012 حلف شمال الأطلنطي (الناتو) يوافق على تزويد تركيا بنظام باتريوت الصاروخي المتطور لمواجهة “أي تهديد محتمل من الجانب السوري”.

30 آب 2013رجب طيب أردوغان:” أي تدخل عسكري في سوريا يجب أن يهدف إلى إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد”.

3 تشرين الأول 2013:

البرلمان التركي يجدد الموافقة على التدخل العسكري في سوريا حال الحاجة إليه، وذلك لمدة عام واحد.

7 تشرين الأول 2013:

تركيا تبدأ أعمال بناء جدار على الحدود مع سوريا

22 أيلول 2014:

تركيا تغلق عدد من معابرها الحدودية مع سوريا إثر هجوم تنظيم داعش على كوباني، وتتحضر لسقوط المدينة بيد التنظيم.

2 تشرين الأول 2014:

البرلمان التركي يوافق على السماح للجيش بدخول الأراضي السورية والعراقية، والسماح للقوات الأجنبية باستخدام أراضيها لقتال مسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية”، بعدها بأيام خرج وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، يقول إن بلاده “لا يمكنها قيادة عملية برية بمفردها” في سوريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وبعد ذلك بفترة قصيرة سمحت بمرور قوات البِشمركة من اقليم كردستان العراق عبر أراضيها إلى كوباني ، ليرسل بعد ذلك مجموعة من قواتها إلى عين عيسى لتنقل رفاة سليمان شاه من “قره قوزات” إلى تركيا  ومن ثم قرية “آشمة” شمال حلب على الحدود التركية وذلك بالاتفاق مع داعش الذي فجر العشرات من الأضرحة والمزارات في سوريا والعراق، وأصدرت حينها هيئة الأركان التركية بياناً بهذا الخصوص جاء فيه:” تم نقل الأمانات…من ضريح سليمان شاه  في حلب التي تعتبر أرض تركية … إلى تركيا بشكلٍ مؤقت تمهيداً لإعادتها إلى حلب في قرية آشمة المنطقة التي تحت راية جيشنا..”.

12 آب 2015:

رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، يصرح بأن بلاده تعتزم إقامة منطقة آمنة على الشريط الحدودي مع سوريا، وذلك بالتعاون مع الولايات المتحدة ودول أخرى، “بهدف حماية المدنيين من هجمات النظام السوري وتنظيم داعش”.

20 تشرين الثاني 2015:

تركيا تستدعي السفير الروسي (الذي قتل أمام أعين الصحافة في أنقرة في 19 كانون الأول 2016) في أنقرة احتجاجا على غارات جوية روسية تستهدف قرى تركمانية.

24 تشرين الثاني 2015:

تركيا تُسقط طائرة مقاتلة روسية قرب حدودها مع سوريا، الأمر الذي أدى إلى توتر في العلاقات بين البلدين وفَرضِ روسيا لعقوبات اقتصادية على تركيا.

9 كانون الأول 2015:

تركيا تتهم روسيا بمحاولة القيام بـ ” تطهير عرقي” مشيرة إلى المناطق التي تعرضت للقصف الروسي والتي كانت تقع تحت سيطرة جبهة النصرة في ريف حلب وإدلب.

14 شباط 2016:

 النظام السوري يطالب مجلس الأمن بالتدخل لوقف القصف التركي على مناطق آمنة في شمال سوريا، وتعتبره “انتهاكا لسيادتها”.

22 شباط 2016:

وزير الخارجية التركي، مولود أوغلو، يقول إن تنفيذ عملية عسكرية برية في سوريا ليس مطروحاً، وإن القول باتخاذ أنقرة هذه الخطوة “تضليل وتلاعب”.

 في بدايات شهر تموز 2016 عقد اجتماع بين

وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ونظيره التركي مولود أوغلو في سوتشي  واعتُبر هذا الاجتماع بداية تطور العلاقات الروسية التركية لتشهد المزيد من الارتباط بعد الانقلاب المفتعل في تركيا.

13 تموز  2016رئيس الوزراء التركي، بن علي يلديريم، يقول إن بلاده تسعى إلى تطوير علاقات جيدة مع سوريا، ضمن مساعيها لتحسين العلاقات مع دول الجوار.

قبل نهاية شهر آب 2016 تركيا تدخل بجيشها رسمياً الأراضي السورية وتحتل جرابلس والباب “درع الفرات” ولتحتل فيما بعد معظم المناطق المحاذية لحدودها في غرب الفرات وكانت آخرها عفرين 18 آذار 2018، وذلك بالاتفاق مع روسيا وإيران، وتحاول رسم اتفاق جديد مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لاحتلال شرق الفرات.

الاستدارة التي طرأت في السياسة التركية تجاه النظام السوري

حقيقة الاستدارة التركية تجاه النظام السوري بدأت مع اتفاقات أستانا التي تديرها روسيا حيث تراجعت أنقرة عن معظم خطوطها الحمر وخفّفت من حدة خطابها.

جاء في خطابٍ لمولود أوغلو مؤخراً “أن ضريح سليمان شاه سيتم إعادته إلى مكانه القديم بعد عودة الأمور إلى طبيعتها في سوريا”.

لا شكّ إن التقارب بين النظام التركي والسوري، ومن خلفه التقارب التركي مع روسيا وإيران هو مُوجَّهٌ بالدرجة الأولى ضد الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال سوريا، والتي تشكل أكبر العوائق أمام نزعة الهيمنة التركية على سوريا، وبالتالي تشكل عائقاً أمام كل  الخطط والتوافقات التركية – الروسية الايرانية، وهذا بالطبع ستؤثر على العلاقة بين هذه الدول لما لها من تضارب في المصالح في الوجه الآخر من العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية على الصعيد الدولي والاقليمي.

 حقيقة استطاعت روسيا بحنكتها السياسية جرِّ تركيا  المتعطشة للهيمنة وما تكنها من عداء تجاه الشعب الكردي إلى المستنقع السوري كورقة تستخدمها في سياستها على المستوى الدولي والاقليمي ولتكون ورقة ضغط على التحالف الدولي والقوى الديمقراطية (مَسَد)في شمال – شرق سوريا.

ماذا حل بالمعارضة السورية التابعة لتركيا:

ما تشهده إدلب وعفرين تُعبر حقيقة عن الحالة التي وصلت إليها المعارضة السورية التابعة لتركيا وجماعاتها المرتزقة الإرهابية، فمنذ بداية الأزمة السورية استغل النظام التركي مجموعة من المعارضين السوريين الذين كانوا في خارج سوريا وبعضهم خرج من سوريا مع تصاعد وتيرة الأزمة، وقدم لهم كل سبل الإغراء ليضمهم إلى كيان جماعة الأخوان  السورية المتطرفة والتي اتخذت من اسطنبول قاعدة لها، ولم يمض وقت طويل حتى كشفت النوايا التركية من دعمها المباشر لهذا الكيان ونواياها تجاه الشعب السوري عموماً وكيف أن النظام التركي استغل مئات الآلاف من السوريين الذين لجأوا إلى تركيا، واستطاع في غضون فترة قصيرة من قطع  المعارضة وتحويل جسمها العسكري إلى مجموعات إرهابية والتقسيم الحاصل بين المنصات “المعارضة” كانت نتيجة من نتائج السياسة التركية تجاه الأزمة السورية عموماً.

 حقيقة لم تنجح تركيا في تنفيذ مشروعها الهادف إلى إيصال جماعة الاخوان المسلمين إلى سدة الحكم وإقصاء التيارات الوطنية الديمقراطية عن الساحة السورية ومشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية، لكنها نجحت وببراعة في تصعيد وتيرة الأزمة السورية إلى جانب روسيا التي لم تستطع بدورها عزل  الولايات المتحدة عن المشهد السوري.

هل تركيا العقبة الكبرى أمام حل الأزمة السورية…؟

 لم تكن الأزمة السورية عموماً لِتتطور إلى هذا الدرجة من التأزم والتعقيد والتشابك لولا التدخل الإقليمي السلبي والسافر بالشأن السوري، ولو بقيت الأزمة في الإطار السوري – السوري مع عدم تجاهل الدور الأممي لكانت الأزمة قد حُلت بين أبناء البلد الواحد وهذه ليست مبالغة بالنظر إلى ما آلت إليه الأمور بشكلٍ عام فكما يقول المثل أهل مكة أدرى بِشعابها.

 لكن امتداد الأيادي السوداء إلى الداخل السوري أفرغت “الثورة” السورية من مضامينها؛ هذا إن أخذنا الحالة التي تشهدها سوريا طيلة هذه السنوات ضمن إطار ومعنى مصطلح الثورة، والتي تعني التحول الجذري وعلى كافة الأصعدة في بنية المجتمع من حالة دونية اضمحلت فيها الموروث القِيَمي المجتمعي إلى حالة نهوضٍ تسمو فيها قيم الجماعة الإنسانية التي تتشارك فيما بينها العيش، وبالتالي يكون قادراً على الصمود في المستوى الأول للثورة، وليواكب المتغيرات التي ستطرأ على ميادين حياته السياسية والاجتماعية والفكرية وما سينجم من تغيير في بينة النظام السياسي الحاكم، والانتقال من حالة الفوضى التراكمية الناتجة عن طبيعة النظام السلطوي الحاكم في المستويات الأخرى التي تلي النهوض والتحول.

وكما ذكرنا سابقاً تَحوَّل الحراك الشعبي السوري بين ليّلة وضُحاها إلى أزمةٍ أصبحت فيها سوريا والشعب السوري عموماً خارجين عن كُل ما حدث ويحدث باسمه من قبل أنظمة إقليمية تَعتَبِر نفسها وريثة للأرض السورية ووصيَّة على الحكم فيها مستغلة ضعف السوريين الذين لَمَّ شملهم الفقر والنزوح والتهجير وفرقتهم الذهنية البعثية القومومية  والنعرة الاسلاموية الطائفية المذهبية.

 من هنا إن السياسات التي تمارسها روسيا وإيران للمحافظة على مصالحهما في المنطقة هي التي مهدت الطريق لتغلغل التركي داخل الأراضي السورية والشأن السوري وشكلت ركيزة من ركائز الغطرسة التركية، وأن استمرار تركيا باحتلالها لعدد من المناطق السورية كان نتيجة التوافقات بين الثلاثي الأكثر تأثيراً على المأساة السورية، لذا لن يكون هناك حل للأزمة طالما هناك أنظمة تحتل أجزاء من سوريا عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً.

زر الذهاب إلى الأعلى