الأخبارسوريةسياسة

​​​​​​​محمد عيسى: مبادرة الإدارة الذاتية تجيب عن أسئلة ملحّة ويجب التعامل معها بجدية

أكد الكاتب والسياسي السوري محمد عيسى، أن مبادرة الإدارة الذاتية لحل الأزمة السورية تأتي في لحظة تاريخية وتقدم إجابات عن أسئلة ملحّة. كما أنها بديلة عن المبادرات الخارجية المحملة بالأفخاخ، وطالب جميع الشرفاء والقوى بالتعامل معها بجدية ومسؤولية فائقة.

أطلقت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، الثلاثاء (18 نيسان)، مبادرة لحل الأزمة السورية، من أجل التوصل إلى حل سلمي وديمقراطي ينهي معاناة الملايين من أبناء الشعب السوري.

مبادرة وطنية في لحظة تاريخيةل

تحدث الكاتب والسياسي السوري محمد عيسى لوكالة هاوار بالقول: “في لحظة تتزاحم فيها المبادرات التي تدّعي انشغالها بحل الأزمة السورية والتي تنطلق جلّها من رؤية القوى الخارجية والدولية للمسألة ومن مصالحها المتعلقة بالشكل الذي يجب أن تأخذه أو تتطور إليه القضية السورية، وذلك ابتداءً من الجهود الروسية الإيرانية لتمرير تسوية مدخلها الرئيس هو التطبيع الكامل مع نظام أردوغان الذي تلوح علامات تهالكه عشية الانتخابات البرلمانية والرئاسية الوشيكة ثم المبادرة الأردنية والعربية بقيادة السعودية مؤخراً، في هذا الجو من التنافس الدولي والإقليمي على مستقبل سوريا تلتقط الإدارة الذاتية اللحظة التاريخية وتقدم مبادرتها لحل القضية بصفتها قضية وطنية واجتماعية وسياسية تتعلق بالبنية السورية”.

وأضاف “من مصلحة السوريين أن يضطلعوا بحل أزمتهم، لأنهم الأقدر على فهمها وفهم أسبابها وطرق الخروج الآمن منها، في هذا السياق تنطلق الإدارة الذاتية من مسؤولياتها التاريخية والموضوعية تجاه المجتمع السوري والدولة السورية وباعتبارها صاحبة رؤية وتجربة واضحة وباعتبارها القوة الوطنية ألتحديثية المالكة لأوراق وازنة في معادلة الصراع أتت مبادرتها وعلى جميع الشرفاء والقوى التعامل معها بجدية ومسؤولية فائقة”.

تقدم إجابات عن أسئلة ملحّة

وعن بنود هذه المبادرة، قال عيسى: “المبادرة ببنودها التسعة ليست إطاراً أو مسوّدة أفكار يمكن للسوريين أن يتحاوروا ويتوافقوا حولها، بل تقدم إجابات عن أسئلة ملحّة كثر اللغط حولها كقضية الموارد كالنفط والغاز والحبوب والمياه أو الطاقة وكيف ترى مسد أنها من حق السوريين جميعاً، ويجب الاتفاق على توزيع عادل لها ضمن أراضي الدولة بكاملها”.

وحسب عيسى “تجيب المبادرة بشكل قاطع لا لبس فيه حول مسألة أن سوريا دولة واحدة ديمقراطية ولا مركزية، فيما يتعلق بإدارة المناطق فيها والقيام بالخدمات وما شابه، وبالتالي لا مكان لفكر التقسيم فيها وفي مستقبلها، ثم أن سوريا في أي عقد اجتماعي قادم ينظم العلاقة البينية بين مكوناتها يجب أن تعترف وتحترم الحقوق الاجتماعية والثقافية والدينية لجميع تلك المكونات. وبالتالي فهي بهذا الكلام تقطع نهائياً مع مفهوم الدولة القومية أو العقائدية القائم والذي كان من أهم محرضات الثورة وبالمقابل ثمة نقطة مهمة في المبادرة تتعلق بدعوة مسد لجامعة الدول العربية؛ للنهوض بدورها في المسألة الوطنية السورية، وفي هذا إقرار صريح على أن سوريا جزء مهم من محيطها العربي، لكنها ليست للعرب وحدهم وليست أحادية الهوية”.

مبادرة بديلة عن المبادرات الخارجية المحملة بالأفخاخ

وأشار عيسى إلى أن “من النقاط اللافتة في المبادرة هو توقيتها والتيقظ لما تحمله المبادرات الخارجية، وخاصة مبادرة الحل مع تركيا من أفخاخ، حين أشارت إلى الحق والاستعداد لمواجهة أي خطة عدوان تركية على الأراضي السورية وفي هذا إشارة واضحة إلى النوايا الخبيثة التركية وإلى التواطؤ الروسي والإيراني الذي يتلطى خلف مشروع المصالحة مع أردوغان من أجل توظيف هذه المصالحة للتغطية على عملية عدوان جديد يجري الإعداد لها في أنقرة”.

وتابع في هذا السياق “لا تفوّت المبادرة نقطة مهمة تهم المجتمع السوري بكل فصائله وقواه، كما تهم المجتمع الدولي حين لفتت إلى أن القرار الأممي 2254 هو الأساس الذي يجب اعتماده في إجراءات الحل أو في أي خريطة طريق قادمة”.

التقارب التركي مع دمشق.. مسار إلى الفشل

وضمن سياقه، تحدث الناشط السياسي عن مسار التقارب بين دمشق والاحتلال التركي، وقال: “إن فكرة التقارب بين دمشق وأنقرة، ومنذ أن طرحت قبل بضعة أشهر، كانت فكرة مستغربة ولم يكن سهلاً على المراقب هضمها، ليس بسبب حجم الجراح والأحقاد التي خلفتها، بين العاصمتين، الحرب الأهلية الدائرة على الأرض السورية منذ أكثر من عقد من الزمن والتي تورطت فيها الدولة التركية والتحالف الحاكم بزعامة أردوغان منذ اللحظة الأولى من خلال تدخلها المباشر ودعمها للجماعات الإرهابية المسلحة ذات الأجندات الإسلاموية كالنصرة وداعش وأخواتها، الأمر الذي اعتبرته سلطات دمشق وقوى سياسية وشعبية عديدة عدواناً على الدولة السورية وعلى وحدة النسيج الاجتماعي السوري، ثم حرفاً للثورة عن مهامها الوطنية والاجتماعية عبر عسكرتها وتطييفها وتنفيذاً لأجندات حركة الإخوان المسلمين العالمية، بل لأن الصراع بين الطرفين ما زالت تحكمه حالة الاشتباك القائمة ولم يتغير شيء حولها”.

وأوضح “بمعنى لم تنشأ أي ظروف في معادلات الصراع من شأنها أن تقود إلى تسوية تاريخية بين البلدين وبين الشعبين ولم يتغير غير شيئين لا يمتان بصلة إلى شروط التسوية العادلة، الأول؛ الانتخابات التركية وحاجة أردوغان إلى تحسين فرصه بالفوز فيها وتوظيف عملية التسوية السياسية لتحقيق ذلك، والثاني؛ حاجة الرئيس الروسي بوتين لأدوار أردوغان في صراعه مع الناتو في أوكرانيا”.

وأضاف “هذه المعطيات جعلت الجهود الروسية تدور في فراغ وظهرت وفق ما عكسته نتائج اللقاء الأخير لنواب وزراء الخارجية في موسكو وبقاء الموقف السوري متمسكاً بشروطه في تقديم تعهّد بالانسحاب من الأراضي التي يحتلها الطرف التركي ووقف التدخل في الشأن السوري مع وقف دعم الجماعات المسلحة كشرط مسبق لمتابعة الجهود المشتركة وعجز الطرف التركي عن الالتزام وكأنها تحاول أن تجمع ما لا يُجمع وأنها جهود لا بد أنها ستؤول بالنهاية إلى الفشل”.

لا نوايا صادقة لأردوغان

وأكد الناشط السياسي السوري أنه “في الحقيقة ﻻ توجد أي نوايا صادقة عند أردوغان للتخلي عن الأراضي السورية المحتلة من قبل الجانب التركي؛ لأن نزعة التوسع على حساب أراضي الدول المجاورة متجذرة في السياسة التركية، وذلك انطلاقاً من العقيدة القومية التركية وبالاستناد إلى الدوافع العقائدية الإسلاموية التي صارت محرك السياسة التركية في ظل سيطرة العدالة والتنمية بقيادة أردوغان اليوم، والذي تغنى بإحياء دولة الخلافة العثمانية، ولقد تجلت هذه النزعة على الدوام في ظل الحكومات العلمانية والإسلامية على السواء، وقد بدأت بقنص لواء اسكندرون وتكررت في احتلال عفرين وتتكرر في رأس العين وشمال العراق وقبل ذلك في اجتياح قبرص في أول سبعينيات القرن الماضي”.

وأشار إلى أنه “من خلال الاحتكام إلى حقائق التاريخ وإلى ما كشفته السنوات الأخيرة عن أدوار العدالة والتنمية في حراك ما دعي بالربيع العربي، يستطيع أي متابع الجزم بأن النوايا التركية تقوم على القضم المتدرج لأراضي دول الجوار ولا يمكنها التخلي عن هذه السياسة؛ لأنها صارت بنية في العقل السياسي التركي وخاصة الإسلامي منه، وإذا أضفنا إلى هذه الحقيقة لافتة أخرى تتعلق بأردوغان الحاكم كتركيبة شخصية وسياسية درجت على الرقص على الحبال وعلى الانتقال والتذبذب في المواقف، يمكننا القول دون أي مواربة لا يوجد أي دليل مقنع على أن أردوغان لن ينكص في المستقبل عن أي معاهدة أو صفقة قد يضطر إلى توقيعها الآن، ولن تخرج أي اتفاقات قد يقدم عليها عن أن تكون خطة تكتيكية تستدعيها اليوم حملته الانتخابية، هذه الحملة التي استنتج مهندسوها أن إطلاق عملية سياسية شكلية عنوانها خطة تسوية مع دمشق بقصد إعادة اللاجئين ستؤدي إلى تحقيق مكاسب انتخابية مهمة على صعيد الشارع التركي”.

مسارا التقارب العربي والتركي.. اختلاف في فهم المسألة السورية

الناشط السياسي السوري، محمد عيسى، تحدث عن مسار التقارب العربي والتركي مع حكومة دمشق، بالقول: “إن المقاربتين التركية والعربية مختلفتان إلى أشد حدود الاختلاف في فهم المسألة السورية وفي النظر إلى أطراف المعادلة الوطنية السورية، فبينما تنطلق المبادرة التركية من هدف محوري هو ادعاء الحاجة إلى التخلص، مما يزعم أنه إرهاب قوات سوريا الديمقراطية وخطر هذه القوات على الأمن القومي التركي، وتدور دائرة هذه المبادرة على توريط السلطة السورية بصراع مع هذه القوات أو تشكيل تحالف مع القوات التركية للتخلص من هذه القوات وإجهاض تجربتها السياسية المتمثلة بفكرة الإدارة الذاتية وبمجلس سوريا الديمقراطية الساعي إلى بناء دولة سورية لكل أبنائها ومكوناتها في سوريا واحدة ديمقراطية ولا مركزية”.

فيما تسعى المبادرة العربية، حسب عيسى إلى “إيجاد حل وفق مندرجات القرار الدولي 2254 والذي من بديهياته دعوة جميع الأطراف السورية إلى الاتفاق على دستور جديد وصيغة حكم يتشارك جميع السوريين في تكريسها، وما من شك أن قوات سوريا الديمقراطية ومجلسها السياسي هي في قلب الحسابات السورية والقوة الوازنة وصاحبة الرؤية الأكثر وضوحاً وإقناعاً في تصورها وعملها في مستقبل سوريا ومن أجل هذا المستقبل، ولا بد أن هذه الحقيقة هي من مسلّمات المبادرة العربية وفي صميم أي تصور دولي مقنع حول الأزمة السورية”.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى