الأخباردراساتمانشيت

عفرين: من التاريخ وحتى المقاومة

اعداد: حسين فقه

كرد إيزيديون وعلويون ومسيحيون في عفرين يقاومون

شهدت عفرين ولا تزال تسامحاً دينياً وعيشاً مشتركاً تاريخياً وبالأخص في فترة سبع السنوات الأخيرة من خلال تأسيس الإدارة الذاتية كإدارة مدنية لإقليم عفرين من قبل تكويناتها المجتمعية وبشكل رسمي منذ العام 2014. من قبل كل المكونات الدينية والتي تعايشت بشكل مدني؛ وما كانت خصوصيتها الكردية والسورية إلّا دافعاً إضافياً لذلك. وتعتبر عفرين في ذلك نموذجاً مثالياً لتعايش مكونات شعب سوريا بأعراقهم ودياناتهم ومذاهبهم، ففضلاً عن الكرد المسلمين والايزيديين؛ فإن عفرين ما يزال يسكنها حتى اللحظة المسيحيين والعلويين جنباً إلى جنب وبكل الحقب التاريخية. إلا أن الاحتلال العثماني الذي اختبأ تحت غطاء الإسلام السني وهو منه براء؛ فقد ارتكب الكثير من المجازر الجماعية بحق الكرد وباقي الثقافات المتعايشة معهم وصفحات التاريخ مليئة بنماذج عن هذه المذابح، لم تكن المجازر الأرمنية لا أولها ولا آخرها، وما زالت الدولة التركية تمارس تلك المذابح والمجازر تحت أغطية ومسميات عدة وبأدوات عديدة ليس بدايتها الجيش الانكشاري العثماني وليس نهايتها الانكشارية الارهابية الجديدة جبهة النصرة وداعش، بل وجيشها الذي بدأ الحرب العدوانية على عفرين بسورة الفتح، والذي سمى عناصرها بـ “ممدجيك” تصغير لاسم محمد رسول الاسلام محاولاً بذلك شرعنة وتسويغ كل الجماعات الإرهابية الاسلاموية مهما تعددت مسمياتها.
ماتسهب به الحرب تختزله الأقوال التي تترك صداً لها ولقائليها، وما نختزله أثناء الكتابة يسرده المقاتل الذي يدافع عن أرضه وكرامته وتنوع ثقافته، برشقة نظرات طويلة وهي يسقي التراب بعصارته، ليس المقاتل من يقاتل فقط المقاتل في عفرين هم بشر كأشجار الزيتون متمسكون بالأرض، هم أبناء هذه الأرض وكل حجر وكل دالية وكل رفة جفن ام تحضن طفلها الجريح في الطريق إلى مشفى أفرين، هو كل من يودع وكل من يستقبل، كل من تاهت به السبل تحت وابل ابابيل سورة الفتح العثمانية وهي تمارس هوايتها المتوغلة في الدم، المقاتل في عفرين هو الحياة بكل مافيها.
هو اليوم الخامس والخمسين من عمر الجريمة والعقاب، الخامس والخمسين من أيام العيون المفتوحة على اتساع وهي تستقبل قذائف القتل وتعيده الى نحور عدو استخدم كل آلة الحرب لقتل طفل، الخامس والخمسين من عمر مقاومة سجلت في التاريخ اسطورة الرجل الشجاع الذي لم يتنازل عن قضيته وسيموت حرا على أرضه وبين شعبه بكل الطيف القزحي في عفرين المقاومة والتنوع.

أزداهيون على مدى التاريخ

تاريخياً كان الكرد في عفرين ايزيديون، ومع مرور الدهور ومجيئ الكثير من الحضارات والأديان تنوع هذا الطيف وازداد جمالاً بهذا التنوع المتعايش لأنهم يملكون ارثاً واحداً وتاريخاً واحداً ألا وهو الكردايتي.

منذ 55 يوماً تقوم القوات التركية بقصف مدينة عفرين، ومن ضمنها القرى الايزيدية في المنطقة، القوات التركية تحالفت مع الجهاديين لمحاربة الكورد والأقليات الدينية مثل الايزيديين والعلويين والمسيحيين متخذة طابعاً دينياً واضحاً من صرخات الجهاديين وشعاراتهم و طريقة تعاملهم الوحشي مع الأسرى. ومنذ انطلاق هذه العدوان سقط المئات من الضحايا، جلهم من المدنيين العزل، منذ يوم امس تقف القوات التركية مع الجهاديين على أطراف مدينة عفرين ويتم قصف المدينة لاقتحامها ، جدير بالذكر يسكن المدينة حوالي مليون نسمة وهناك كارثة انسانية تلوح في الافق .
منذ أسابيع يطلب المجلس الاستشاري الايزيدي في المانيا من الجهات الدولية بوقف هذا العدوان ويحذر من حدوث مجازر بحق الايزيديين في المنطقة .فريق أزمة عفرين التابع للمجلس يحاول منذ أمس دون جدوى الاتصال مع الجهات الدولية ذات النفوذ في المنطقة. حيث يقول مَسؤول فريق أزمة عفرين الشيخ عصمت بريمو هو شخصياً من أهالي عفرين “منذ يوم أمس نحاول الاتصال بأهلنا في عفرين، البعض من الذين كانوا عَلى اتصال معنا ويزودونا بالمعلومات لم يعد لهم اثر، البعض الاخر يستنجد بِنَا ويطلب المساعدة، حيث يخبؤون أنفسهم في اقبية المنازل فلا ماء ولا غذاء لديهم، القوات التركية تقوم بقصف المدينة والجهاديين يستعدون لاقتحامها، الكثير من العوائل تفرقت وفقدت الاتصال فيما بينها، نطلب من الولايات المتحدة وروسيا بوقف هذه الحرب فوراً وبخلافه ينتظر الايزيديين المحاصرين مصيراً مجهولاً”.

هناك عشرات القرى المنتشرة في جبل ليلون الذي يسكنه الايزيديون إلى يومنا هذا بجانب المواقع الاثرية، والأثار التي بجانب تلك القرى لا تزال تحمل رموزا للديانة الايزدية، فهناك قوس لمعبد قديم في قرية كيمار مرسوم عليه نحتا لطاؤوسين متاقابلين ويتوسطهما رمز للشمس، وكذلك رموز كثير في معبد خربة الشمس وهي تعود للحضارات الميتانية والحثية، وأثار قلعة عيندارا أيضا من الحضارة الحثية والزرادشتية، والقبة المخروطية المضلعة لقلعة نبي هوري التي تعود للهوريين، زيارة شيخ بركات على قمة جبل يسمى باسمه قلعة شيخ بركات وتقع في أقصى جنوب المنطقة، وزيارة بارسه خاتون على قمة جبل بارسي وتسمى قلعة جانبولات، وتقع في أقصى الشمال حيث يرتاده إيزيدي المنطقة، وهناك عدد كبير من المزارات, يرتاده الايزيديين في قراهم تكاد لاتخلو قرية والا فيها مزار، يعود بأصلها للايزيديين، وجميع هذه الأثار تدل على وجود الأزداهية منتشرة في هذه البقعة من الأرض.

وحسب شرفنامة لشرف خان البدليسي بأن حكام كلس”مندشاه” أو شيخ مند ولاه أحد سلاطين الايوبيين في القرن الثاني عشر على ولاية حلب، قد بسط سيطرته على الايزديين في سهل جوم وسهل الغاب والمنطق الممتدة من مرعش لولاية القصير كانو ايزيديون آنذاك، فنازعوه بعض الايزيديون على الحكم، ولكنه حكمهم بالقوة تارة وباللين تارة أخرى، فاجبروهم على الطاعة.
هناك عائلات كثيرة في المنطقة وتسكنها منذ القدم، وهم من سكان المنطقة، وقد تلقى الايزيديين شتى انواع الظلم والاضطهاد تحت سيطرة العثمانيين واسلم معظم الايزيديين خوفا من ظلمهم.
وحينما قدم الفرنسيين سنة 1916 م وطردوا العثمانيين حظي درويش أغا “درويش شمو ممو” بدعم مميز من السلطات الفرنسية التي امدتهم بالأسلحة والقوة والسيادة وأصبح مرجعية للايزيديين، فكان ذا شخصية قوية وشأن وشجاعة، فإشار اليه الفرنسيون بأن الشعوب لاتتقدم إلا بالعلوم والثقافة فمنحوه ترخيص بناء مدرسة في قرية قيبار، وقام بجمع التبرعات من الايزيديين لبناء المدرسة، ولكن قام بعض الاغوات بتحريض الايزيديون ضده بحجة انه يدفع ابناء الايزيديين للاسلام، وقتها كان التعليم محرما على الايزيديين ولكنه اصر على بناء المدرسة، واتم بناؤه سنة 1927م وكتب على اللوحة الحجرية لواجهة المدرسة العبارة “تأسست هذه المكتبة بفضل كرم الله للطائفة الايزيدية في قضاء كردداغ بهمة درويش أغا بن شمو سنة 1927غربي/1344هجري ”
وجلب استاذ لتعليم النصوص الدينية الايزيدية وباللغة الكردية من كردستان عراق من بحزاني يقال له خضر أفندي وبدأ التدريس فيها وتوافد اليه الطلبة من معظم القرى الايزيدية وتزوج خضر أفندي من فتاة في قرية قيبار وانجبت له طفلة إلا أن الام توفيت اثر ولادتها، وبعد ثلاث سنوات اصطحب ابنته ورجع لبحزاني وما زال أحفاده يعيشون في دهوك وبحزاني.
أما درويش شمو فزاد نفوذه ودعمه من السلطات الفرنسية ووكله الامير سعيد بك امور الايزيديين في عفرين واعزاز وكالة عامة في كافة الدعاوي والمخاصمات والمؤرخ في 10 شباط 1923م ومصدقة من كاتب العدل في الموصل، وكثر أعداؤه ولاسيما أغوات المنطقة بسبب الغيرة وكونه يزيدي مما حرضوا بعض الايزيديين عليه واستغلوا بعض الخلافات العائلية بينه وبين مرافقه المدعو “عفدي حس قاجان” فقام باطلاق الرصاص عليه من الخلف اثناء رجوعهم من عفرين فسقط عن فرسه لم يمت مباشرة، فقال له لماذا تقتلني أهذا جزاء المعروف؟ ولكنه تابع برجمه بالحجارة وقتله سنة 1931م ولم يتجاوز الخمسين من عمره.
هكذا انتهى سيرة هذا الرجل الشجاع الذي كان يرغب بتطوير الايزيديين لمواكبة الحضارة والمدنية وكان قد اقام له مضافة في مدينة عفرين ” اوتيلا درويشي شمو” ومضافة في قرية قيبار.
ثم استلم زمام السلطة ابنه جميل درويش أغا وتم الاعتراف به رسميا من قبل والي حلب سنة 1932م رئيسا للايزيديين وقاضيا شرعيا، واستلم صك الوكالة من الامير سعيد بك 14ايار 1934م لادارة شؤون الايزيديين وجدد الوصاية والوكالة من قبل الاميرة ميانة خاتون بعد وفاة زوجها الامير سعيد بك.
واستمر جميل أغا على منوال والده وتحسين علاقاته مع الفرنسيين والقوى الوطنية وعلاقات صداقة مع البدرخانيين، ولقد قام بزيارته كاميران بدرخان ولكن تراجعت السلطة والمرجعية لجميل أغا بعد جلاء الفرنسيين،فازداد اضطهاد الايزيديين لغاية السبعينات.وينعم الايزيديين في عفرين بحقوفهم بين اخوتهم كغيرهم من سكان المنطقة.

دفاع حتى الرمق الأخير

الشيخ جومرد وهو يشغل مكانة المرجعية الدينية للعلويين في ناحية موباتا أشار إلى ان العلويين الذين ارتكبت بحقهم المجازر أثناء الحكم العثماني للمنطقة اليوم أحفادهم يتعرضون للإبادة مرة أخرى من قبل تركيا وقال : ” نحن العلويين وحتى الرمق الأخير سندافع عن انفسنا ضد هذا الاحتلال التركي، نحن العلويين يجب ان لا ننسى مجازر الدولة التركية بحقنا في مرعش و سيواز، واليوم أيضاً تركيا تقصفنا بالطائرات في عفرين و تقتل أبناء المنطقة و تهجرهم من مناطقهم” ويضيف:” الطائرات التركية تستهدف دور العبادة لهذا علينا ان ندافع عن انفسنا و إخوتنا و ديننا، ونحن مستعدين للدفاع عن كل عفرين وضد أي عدوان حتى أخر قطرة دم في جسدنا سندافع عن عفرين، نحن متمسكين بمبادئنا ولن نتراجع فطريقنا هو طريق الحق, الإنسانية و الصدق، و لن نسمح لذلك التاريخ القذر ان يعيد نفسه ويفرض نفسه علينا وندعو الله أن ينصر شعبنا على العدو وان يمد قواتنا بقوة سيف سيدنا الإمام علي و هيبته و شجاعته من اجل حماية أهل و ارض عفرين” .

العلويون في عفرين تاريخ ومجتمع كردي

تاريخ العلويين في ماباتا مليء بالمجازر والإبادات, اغلبهم من علويين مرعش وسمسور الذين هربوا في عام 1516 ومع معركة مرج دابق العثمانية من ظلم العثمانيين. لكن وبعد وصول العثمانيين إلى المنطقة ارتكبوا مجازر أخرى بحقهم في عفرين. كذلك وبعد المجازر بحق العلويين في ديرسم قصد الكثير منهم عفرين هرباً من المجازر. ومنذ أسبوع احدى تلك العائلات التي تمكنت من الخروج من ديرسم ووصلت إلى عفرين قتل جميع أفرادها بسبب القصف التركي للمنطقة. أيلول الماضي وعند زيارتنا للمنطقة, على الرغم من القصف التركي للمنطقة لاحظنا ذلك الإقبال الشديد من أبناء منطقة ماباتا على المشاركة في انتخابات المرحلة الأولى لنظام فدرالية شمال سوريا انتخابات الكومينات. على هذا قمنا بزيارة إلى مركز مجلس العلويين في ماباتا. واليوم ناحية ماباتا كباقي قري, بلدات ونواحي عفرين تتعرض للدمار, الاحتلال ويقتل أبناءها المدنيين نتيجة القصف التركي.
يعيش العلويين في مقاطعة عفرين منذ مئات السنين وهم متعايشون مع أهالي المنطقة بروح الأخوة والاحترام المتبادل، ويعتبر مركز ناحية موباتا أكبر نقطة تجمع لهم.
إلا أن الأزمة السياسية بين سوريا إبان حكم حافظ الأسد وتركيا كان لها تأثير سلبي على تواصل العلويين في الطرفين مع بعضهم البعض فلم يعد الــ ” بير” وهي مرتبة دينية لدى العلويين تشبه مرتبة المرشد الأعلى لدى الشيعة، يزورهم كما كان في السابق، حيث حاولت السلطات السورية تغيير مرجعتيهم الدينية الى الساحل السوري.
وما يزال المعمّرين في الناحية يتذكرون زيارات الــ “داده” او “بير” يأتون إليهم من باكور كردستان “من مناطق البستان، ديرسم، ملاطية، مراش، ارضروم وغيرها” وكان الشيخ “شعبوي فاتعجمي” المكنى بــ بابا شعبو يقوم مقام الداده أو البير في موباتا حتى وافته المنية أواخر ثمانينيات القرن الماضي ولم يخلفه أحد بعدها حتى بداية القرن العشرين في حين يعتبر بير جومرد يوسف ستو المرجعية العليا لعلوي عفرين.
ويقول الكاتب الكردي الدكتور محمد عبدو علي في كتابة جبل الكرد والذي يتناول فيه تاريخ مقاطعة عفرين والجوانب الاجتماعية والثقافية فيها أن العلويين في موباتا تعرضوا لضغوطات دينية من قبل الدولة العثمانية والى تمييز من المحيط الذي يعيشون فيه، ويشير الى ان موباتا تعرضت عام 1920 لهجوم مسلح من قبل بعض سكان القرى المجاورة نتيجة لحملات التشويه والتشهير التي استهدفتهم بقيادة حركة المريدين.
يؤمن العلويون بالمزارات المقدسة ولا يزالون يقصدونها لأغراض متعددة وفق طقوس محددة عادة ما تتضمن تقديم القرابين أمام المزارات المقدسة أيام الأربعاء أو الجمعة بحسب الهدف المقصود من الطقس والمطلب الكامن وراءه، إضافة الى ذلك فانهم يدفنون غصن زيتون اخضر مع موتاهم.
وتنتشر العشرات من المزارات المقدسة في انحاء مقاطعة عفرين، يتوافد اليها العلويون وغيرهم من أبناء المقاطعة على حد سواء نظرا لاعتقادهم وايمانهم بقدسيتها وغالبية المزارات التي تنتهي بكلمة داده يعتقد ان سكان المنطقة المجاورة لها او المنطقة الواقعة فيها كانوا علويين الا انهم غيروا من ديانتهم خوفا من حد السيف.
وأبرز تلك المزارات “ياغمور داده، اصلان داده، علي داده، مريم داده” وهي بالعشرات حيث تشير كلمة داده الى كبير الطائفة في تلك المنطقة الجغرافية المعينة بالإضافة لثلاثة مزارات هي الأكثر شهرة في المقاطعة وهي ” مزار سلطان بربعوش، مزار شيخ حمو، مزار شيخ معم ” .
من الناحية الاجتماعية لا يتمايز العلوين كثيرا في عاداتهم وتقاليدهم عن سكان مقاطعة عفرين انما هنالك انسجام واحترام متبادل بينهم وبين المؤمنين بكافة الديانات الأخرى المنتشرة في المقاطعة، ومن الناحية الدينية هنالك مراتب دينية عند العلوين تبدأ من مرتبة الــ ” بير” بمعنى الواصل ويليها مرتبة الـ ” ريبر” أي القائد في حين يختلف بعض المؤرخين بين وجود ثماني مرتبات أخرى لم يتنسى لنا التأكد منها لعدة أسباب ومنها التكتم على اسرار الطريقة حسب وصف العلوين لها.

الراعي الصالح يستنجد

نحن كنيسة الراعي الصالح في عفرين, ندعو و نطلب حماية دولية عاجلة على المؤمنين في عفرين ووقف هذا القصف التركي وأننا في هذه اللحظة نتعرض للقصف العنيف والفصائل الإسلامية تتوعد لدخول المنطقة ونحن الكنيسة نطلب من الرب أولا الحماية ومن ثم الإخوة للصلاة والمساعدة .

وجه مسيحيو مدينة عفرين نداءً عاجلاً لإنقاذهم من القصف التركي وقصف المسلحين على مدينة عفرين السورية .وفي رسالة موجهة تحت عنوان “نداء عاجل” وجهت كنيسة الراعي الصالح رسالة طالبت فيها حماية دولية عاجلة للمسيحيين في عفرين ووقف القصف التركي، وجاء في الرسالة:” إن 250 عائلة مسيحية تتعرض في هذه اللحظات للقصف التركي يرافقه تهديد من الفصائل المسلحة المتطرفة.

مار مارون في عفرين حتى لا يتخلى عنها الله

عندما نتحدث عن عفرين ومسيحييها لا بد لنا ان نعرج وبالتفصيل على ضريح مارمارون الذي تم اكتشافه في قرية “براد” والتي تعني بالكردية ” بالقرب من آد ” وآد نسبة لـ آدي ” عدي بن مسافر” الشخصية المقدسة لدى الأزداهيين، وضريح مارمارون الذي تم إكتشافه في 2004 يقول عنه أحد أعضاء بعثة التنقيب وهو أنيانسو بانيا في تقريره إلى مطران حلب للموارنة: ” بالارتكاز إلى نص ثيودوريطس وعلى المعطيات الأثرية، وعلى توافق التواريخ، لا يمكن أن يكون الراهب المشهور المدفون في الكنيسة إلا مار مارون بالذات”.

براد قرية أثرية تعتبر جزءًا من المدن المنسية، تعني براد في اللغة السريانية البرد. عدد سكان براد حوالي خمسمائة نسمة وهم من الأكراد المسلمين، تقع على بعد أربعين كيلومترًا شمالي مدينة حلب وتتبع محافظة حلب من الناحية الإدارية.
كان القرية بلدة مزدهرة في الماضي خصوصًا في العهد البيزنطي، وعادت واكتسبت أهمية منذ عام 2004 حين ثبتت أبرشية حلب المارونية، وجود ضريح مار مارون شفيع الكنيسة المارونية فيها، ودعت إلى اعتبارها مكان حج، تعرف براد في النصوص اليونانية باسم “كفرو برادا” وهي تبعد 6 كم عن جبل سمعان.
بحسب ما يذكر المؤرخ الروسي جورج تشالنكو، فإن تاريخ نشوء البلدة يعود للقرن الثاني قبل الميلاد حول هيكل وثني، وتطورت البلدة مع بداية القرن الثالث، إذ تدل المكتشفات الأثرية عن بناء فندق فيها، وخلال الفترة نفسها بني حي للأثرياء مؤلف من فيلات سكنبية محاطة بحدائق، وكذلك اكتشف لما يعود لفترة القرن الثالث ضريح ضخم مربع الأضلاع وحمامات رومانية هي الأقدم في المنطقة.
توسع البلدة تتالى نحو الغرب، وظهرت بها عدد من البيوت الحادية، والحوانيت الحرفية، ومعاصر للزيت ومزارع حيوانية، كذلك نشأ حي تجاري إلى جنوب البلدة، وإلى أقصى شمالها عثر على مقر للحاكم البيزنطي لجبل سمعان بني سنة 496، كما تدل الكتابة اليونانية فيه، وانطلاقًا من القرنين الخامس والسادس غدت براد مركزًا تجاريًا ومسيحيًا هامًا: فإلى جانب الآثار التجارية والمدنية عثر على أرضها على ثلاث كنائس وديران كبيران.
ومنذ القرن السابع هجرها سكانها تدريجيًا، خلال الحروب بين الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية البيزنطية على بلاد الشام ومن ثم نتيجة وقوعها على الحدود بين الدولة الأموية والإمبراطورية البيزنطية، وفقدت أخبارها منذ ذلك الوقت، وربما ساهم انعدام أهميتها باحتفاظها بقسط وافر من الآثار التي تعود للحقبة البيزنطية بهيئة سليمة. سمّمى المؤرخ الروسي جورج تشالنكو براد والمنطقة المحيطة بها “المدن الميتة” وسماها عدد آخر من الباحثين “المدن المنسية”، عادت براد واكتسبت أهمية خاصة منذ عام 2002 حين بدأت عمليات التنقيب فيها برعاية غسان الشامي ومن ثم تولى الأمر وفد من الولايات المتحدة الإمريكية، كذلك فقد تبنت أبرشية حلب المارونية وجامعة الروح القدس في الكسليك في لبنان ووزارة السياحة في سوريا العمليات، ومن ثم ثبتت أبرشية حلب المارونية في 30 يونيو 2004، وجود ضريح القديس مارون الأول فيها وأعلنتها منطقة حج للكنيسة المارونية، في عام 2010 وبداعي ذكرى ألف وستمائة عام على وفاة مار مارون نقل قسم من ذخيره القديس مارون مجددًا إلى براد.

طريق لضريح حرم منه الأحياء

بعد اكتشاف ضريح مار مارون، قامت الحكومة السورية بشق طريق سريع يربط البلدة بمدينة حلب، أما سابقًا فإن الطريق الواصل هو طريق غير مسفلت، كذلك رصفت طريق حجري يصل بين ساحة القرية وكنيسة جوليانوس حيث الضريح؛ ولم يكن هناك مجلس بلدية في براد فقامت المحافظة بتعيين مجلس بلدية تماشيًا مع أهميتها المكتسبة، وكذلك أعلنت وزارة السياحة السورية عن سعيها لإدراج براد والمدن المنسية على لائحة مواقع التراث العالمي وهو ما تم فعليًا في 27 يناير 2011، ومنح بشار الأسد قطعة أرض بمساحة خمسة آلاف متر مربع، لأبرشية حلب لبناء كنيسة فيها، ولم يتم بناء الكنيسة بعد، وتتم الصلوات حاليًا في كنيسة مسبقة الصنع، يخدمها كاهن منتدب من حلب وراهب ناسك من دون دير. قدمت المحافظة لسكان براد منازل مسبقة الصنع، حيث كانت بعض العائلات تقيم في المنازل الأثرية ذاتها، والقرية لا يوجد بها مدرسة وإنما يتلقى الأولاد تعليمهم في القرى المجاورة، وهم يعتمدون على الزراعة وتربية الماشية وإن ظهرت مجموعة من المقاصف والمطاعم لتلبية احتياجات الزائرين والحجاج.

جريمة عفرين وعقاب الإرهاب

مانسميه تنوعاً وفسيفساءً خلاباً يراه سلطان الإرهاب ” أردوغان ” شراً لا بد من القضاء عليه، ويراه وعاظ السلاطين بيتاً للكفر، ولذلك بدأ الطاغية أردوغان حربه الوحشية على عفرين بحشد كل شذاذ الآفاق من إرهابيين من كل أصقاع الأرض ودججهم إلى جانب جيشه بالسلاح وسورة الفتح ومصاحف تبرأ منهم، لنصب كل فخاخ التاريخ والحاضروالاسلاموية الوهابية مضفورة بخبرات الذبح والتقطيع والتمثيل بالجثث وأكل الأكباد، وليطبق أنيابه على التراب الغض لغصن الزيتون معتصراً بين فكيه ومجتراً مذابح الأرمن والكرد والعلويين والمسيحيين والايزيديين، ومرة أخرى ستعيد العثمانية وحشيتها أمام صمت العالم الحضاري، لتمد أنابيبها المغموسة بدماء الشعوب كخنجر يحز رقاب البشر بدلاً من أن تكون مصلاً ينعش الحياة، مرة أخرى يخرس العالم وهو يشاهد مسلسله التركي بذئابه وكلابه معتاشي الجيف، مرة أخرى ينجح العالم بجدارة الصمت لشرعنة إقتلاع أشجار الزيتون وزراعة الأشواك، مرة أخرى العالم يرى المجزرة وهو يتناول عشاءه مع كأس نبيذ تحت قباب برلمانات الصمت ومجالس العزاء والامم المنسحبة.
جيش الاحتلال التركي والمرتزقة التابعين له من النصرة وداعش وباقي الفصائل الجهادية ومنذ 20 كانون الثاني الماضي يهاجمون عفرين مستخدمين جميع أنواع الأسلحة الثقيلة والمدفعية والطائرات الحربية، ولأن عفرين ومنذ القدم تضم أبناء الشعب الكردي, العربي, الأرمني والكثير من الإثنيات العرقية والمذاهب الدينية منها السنة, العلوين, اليزيدين والمسحيين متعايشين في ما بينهم بأمان. منذ عام 2014 ومن خلال الإدارة الذاتية و منذ 2016 بعد إعلان الفدرالية الديمقراطية كل المكونات والمذاهب نالت مكانتها ضمن هذا النظام ونالت حقوقها الثقافية و المذهبية وتمكنت من إدارة شؤونها بنفسها ليشكلوا معاً لوحةً متعدة الألوان في غاية الجمال.

زر الذهاب إلى الأعلى