مقالات

توفيق يواجه الحريق في سينما عامودا

مصطفى عبدو

قرر الصبي” توفيق “وهو الطالب الصغير, في الصف الرابع,عمره ربما لا يتجاوز العشر من السنين, أن يواجه الوضع, ولم يستسلم لليأس, وهو مُحاطٌ بجثث لأطفال, احترقوا, أو اختنقوا, فلم يستغرق وقتاً للتفكير في ايجاد طريقة تنجيه مما هو عليه. وبلمح البصر خطرت الفكرة, فبدأ بخدش الجدران الترابية, بأنامله الصغيرة, ووضع فمه حيناً, ووجهه حيناً آخر, حيث نبشت أنامله ليشعر بلفحة باردة, في جو يمتلئ بالموت والنار, وكان  في كل برهة وبعد كل ارتياح يستكشف ما يحيط به ليجد أن عدد الجثث في ازدياد, وليس هناك سبيلٌ للخروج, من الدكان الصغير, الملاصق لدار السينما الوحيدة في البلدة. وللعلم, الدكان كان خاصاً بالسينما؛ حيث كان تُباع فيها البذورات, والسكاكر, وبعض المرطبات المتوفرة آنذاك أو ما شابه ذلك, من مغريات الأطفال. للدكان فتحة صغيرة تطل على صالة السينما دون أن يكون له منافذ أخرى. جدرانه وكل ما فيه طينية, ماعدا السقف, كان من القش والطين. كما كل بيوت المنطقة, الذاكرة تخون توفيق تحديداً, فكيف دخل ومن معه إلى هذا المأوى الصغير مع أنه يتذكر كل تفاصيل حريق سينما عامودا.  وعلى حين غفلة وجد الصبي توفيق أمامه شخص يلبس جزمة طويلة وملابس تشبه إلى حد ما ملابس رجال الإطفاء اليوم؛ لأنه حينها لم يكن توفيق قد تعرف أو سمع بهؤلاء الرجال, انتصب الرجل أمامه؛ لم يتبين وجهه من بين النار والدخان الذي بدأ بالانتشار أكثر، صرخ الرجل الذي يحيط به النار: ناصر.. ناصر دون أن يرد عليه أحد, وربما كان ناصر من بين الجثث التي تحيط بي من كل جانب. ومن هول المنظر والمفاجئة لم استطع أن استصرخ  في الرجل لينقذني. وما لبث أن اختفى الرجل وسط الدخان, وتحول أملي في الإنقاذ إلى دخان يتبع ذلك الرجل.

يعود فمي إلى الجدار الطيني مرة أخرى, يا إلهي اسمع طرقات على سطح الدكان؛ إنه أملٌ آخر للنجاة. ادركت أخيراً إنهم رجالٌ يحاولون انقاذنا من خلال السقف, وبعد وقت شعرت كأنه سنوات بدأ بصيص من النور يظهر في السقف, وتوسعت الفجوة ليكشف لي النور عن وجه “صوفي حسن بيرتي” هذا الرجل الذي سأظل مديوناً له ما حييت, مد الرجل يده والتقط طفلاً, لكنه مع الأسف كان ميتاً, نفذ صبر صوفي حسن فقفز من خلال الفتحة إلى الدكان وبدأ بالتقاط الأطفال, وسط  صراخهم المدوي: “خالي صوفي, أنا من أقاربك انقذني أولاً ” .بدأ  صوفي حسن بالأحياء من الأطفال, ويناولهم للرجال الذين ينتظرونه على السطح  وكلماته ما زالت حتى الآن عالقة في ذاكرتي:” كلكم أولادي فاصبروا سوف انقذكم جميعاً” وارتفع توفيق من بين يدي صوفي حسن ليلتقطه الرجال.

 “هذه محنتي مع حريق سينما عامودا وهكذا تم انقاذنا ” .

زر الذهاب إلى الأعلى