مانشيتمقالات

اوكرانيا محرقة الاقطاب


قهرمان مامد

كما كان متوقعاً قُرعت طبول الحرب وصاح هدير الطائرات وازيز الرصاص وفوهات المدافع منادين بحرب شعواء لا نهاية لها في ارجاء أوروبا الشرقية التي لطالما كانت مهد الحروب الكونية الاولى والثانية !

العملية هجوم ودفاع والساحة الأن اوكرانيا بين خصمين تقليدين الاوكران والروس مع انهما ينبثقان من القومية السلافية الواحدة ، لكن العين ومقصدها على عروش الاقطاب وافناء القوى العالمية لبعضها البعض ، بين قيصرٍ متغطرس يريد إعادة امجاد روسيته القيصرية التي فقدها خلال حروبه التوسعية وسيطرة البلشفيين بثورتهم على القيصر، وبين ماردٍ امريكي يتحكم باقتصاد العالم وسياسته مع شركائه الاوربيين ويريد جر الروس الى مستنقعات عميقة موحِلة في ارجاء اسيا والشرق الاوسط وتخوم أوروبا الشرقية ويفقده في غياهب النزاعات والصراعات اللامتناهية ، والهدف الاكبر ليتفرغ المارد الامريكي في صراعه مع التنين الصيني القادم بقوة في الأفق القريب.

 نعم انه صراع الاقطاب والعروش والقوى المهيمنة على سياسة واقتصاد العالم ورسم الخطوط العريضة للمرحلة الاستراتيجية المئوية القادمة.

لو عادت ذاكرتنا الى الوراء قبل عدة اشهر فقد كانت افغانستان المفاجأة المزعجة للجميع، عندما خرج منها الامريكيون في ليلة وضحاها بعد عقد اتفاقات غير علنية مع عدو الامس طالبان ، تاركين ورائهم بحيرة عميقة من التناقضات السياسية و قنبلة موقوتة تنفجر في اي لحظة لكل من يحاول ان يتجرع ماء تلك البحيرة الملغومة.

سوريا التي مازالت تئن تحت وطأة حربٍ عقدية مزقت جسده بحكم التناقضات الاقليمية والدولية و الحلول بعيدة عن التطبيق والروس يحاولون ان يلملموا اوراق النظام هنا وهناك واعادة تعويمه بعقد الصفقات مع القوى الاقليمية خاصة الاحتلال التركي بعد ان دفع الغالي والثمين لأجل ان يثبت وجوده في المياه الدافئة ويحصل على تمرة من خيرات الشرق الاوسط.

ليبيا ، ارمينيا ، اذربيجان ، كازاخستان … الخ

مناطق توزعت فيها قوة روسيا العسكرية والسياسية اضافة الى المناطق الحيوية سابقة الذكر ، فلقطب الامريكي بافتعاله للأزمات وسحبه للروس يقصد من استراتيجيته هذه تشتيت التركيز الروسي ومنافسته الكلاسيكية ويدخل بذلك الروس في متاهات لا حصر لها.

والأن اوكرانيا ساحة جديدة من الصراع الاستراتيجي بين الاقطاب.

ما إن بدأت الحرب الاوكرانية الروسية حتى فرضت القوى الرأسمالية كل ادواتها واشهرت عصا الاقتصاد بوجه الدب الروسي، فتتالت العقوبات من المقاطعة الدبلوماسية والسياحة وتأشيرات الدخول ومصادر الطاقة واغلاق الاجواء امام الطيران المدني الروسي والاغذية وادوات الترفيه والقطاع الرياضي وعزل روسيا عن نظام سويفت المالي العالمي وضرب الروبل الروسي ومعاقبة رجال اعمال الروس وكيانات ومؤسسات.

ان العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على روسيا الاتحادية سيكون لها تداعيات مؤثرة على المدى البعيد بشكل صميمي على المواطن الروسي وبالتالي نهاية وانهيار اقتصاد روسيا الاتحادية المتهالك اصلاً وهذا مُراد العم سام فقد اراد ان يفرض عقوبات اقتصادية تدميرية مُشلة على روسيا من دون ان يطلق طلقة رصاص واحدة مباشرة له وها قد وجدت الذريعة المناسبة بشن حرب روسية على اوكرانيا.

كما اتضح ايضاً وبعد اسبوع من الحرب الاوكرانية ان الجيش الروسي الذي لم يحارب بشكل مباشر وفق مبدأ الحرب الكلاسيكية منذ الحرب العالمية الثانية بأنه متهالك وقليل الخبرة فحساب الحقل لم يناسب حساب البيدر، حيث كانت التوقعات الروسية بحربٍ خاطفة وسريعة تتجاوز الأربع ايام وتكون كييف تحت السيطرة الروسية وتعيين حكومة موالية لها. اذا لم يحسم الروس الحرب في اوكرانيا لصالحهم فأن السمعة العسكرية الروسية على المحك والفضيحة وهذا ما تريده الولايات المتحدة الامريكية.

اذاً نستنتج من ذلك ان إطالة الحرب في اوكرانيا لهي هدفٌ اساسي للمارد الامريكي والغربيين وخسارة مُحققة للروس ، فحتى لو سيطر الروس على اجزاء كبيرة في اوكرانيا بالقوة العسكرية فسيكون هناك حرب استنزاف طويلة الامد وقد تبدأ حرب العصابات على الجغرافية الاوكرانية خاصة بعد فتح باب التطويع امام الاجانب والمرتزقة لمحاربة القوة العسكرية الروسية الضاربة والاستمرار في فرض العزلة السياسية والاقتصادية على روسيا واكبر الامثلة على حروب الاستنزاف والوكالة في العصر الحالي هو الملف السوري الذي اصبح مثالاً قوياً يحتذى به في حرب الاستنزاف فاذا كنت تُريد ان تُنهي خصمك فضعه في حرب ليبدأها هو وتنهيها انت ! اي الاستنزاف وادارة الحرب بالحرب وهذا هو مبدأ القوى المهيمنة التي امتصت دماء الشعوب والمجتمعات من خلال صنع الحروب وفرضها والتمتع بنتائجها التدميرية.

لنصل الى الادراك الكامل الضمني من كل مما سبق ان الحرب في اوكرانيا هي محرقة قطب لقطب آخر وحفلة شواء استراتيجية يتمتع بها الطاهي !

زر الذهاب إلى الأعلى