آخر المستجداتمقالات

الإدارة الذاتية عشر سنوات من المقاومة والتحدي

هيفين رشيد-

لايختلف اثنان على ان منطقة الشرق الأوسط هي مهد الحضارات وإنها قدمت الكثير للبشرية، ومرت بأزمات  و حروب عدة، ولازالت ساحة للصراعات بين دول الهيمنة ، الا أن مصالح هذه الدول تدفع جهات و اطراف للقيام بحروب جديدة سواء أكانت داخلية او خارجية بهدف الحفاظ على هيمنتهم ومن أجل تحقيق مكاسبهم ولا يهمهم تضحيات الشعوب وما ترتكب بحقهم من جرائم، ودمار ، وتهجير  كما حدث في الحربين العالميتين.

مع٨ بداية القرن العشرين أصبح الكثير من دول الهيمنة تهتم بالشرق الاوسط نظرا لموقعه الاستراتيجي وغناه بالثروات الطبيعية مما دفعهم إلى إبرام اتفاقية بينهم لدخولهم للمنطقة و السيطرة عليها من خلال اتفاقية سايكس بيكو للبدء بمرحلة جديدة وهي العمل على توزيع جغرافيا الشرق الأوسط فيما بين فرنسا و انكلترا ضمنها تقسيم كردستان إلى أربعة أجزاء بين دول ( سوريا ، عراق ، إيران ، تركيا ) ووضع كل جزء تحت سيطرة ذهنية قومية أسستها الانظمة السلطوية الحاكمة و بهذا شكل أصبحت سوريا من حصة فرنسا وتم الانتداب الفرنسي و بعد سنوات تم استقلال سوريا و طبعا كان للكرد ايضا تضحيات على جميع الأصعدة و كانت سباقة في أنتصارات التي حققت في تاريخ سوريا وكان بنظرهم حماية سوريا واجب  كل مواطن شريف وبأن  سوريا وطن للجميع.

مع بداية الحراك الشعبي في سوريا عام 2011  وخروج المظاهرات السلمية المطالبة  بالحرية و اسقاط النظام البعثي الشوفيني الذي لا لم يسلم أحد من ظلمه وآلة سلطته الأمنية التي زرعت الخوف و الرعب في عقول و قلوب المواطنين و خاصة كل من تعالت أصواتهم بشعارات الحرية و الديمقراطية في سوريا و العيش بكرامة ، و للأسف كانت تستخدم أبشع الأساليب من الاغتيالات و الاعتقالات و النفي في السجون و ممارسة أشد أنواع التعذيب النفسي و الجسدي بحقهم في السجون ، كان للشعب الكردي نصيب من هذه الممارسات و لم يكن بعيدا عن كل ما ذكر.

الشعب الكردي أحد أقدم شعوب الشرق الأوسط بتاريخه وعراقته ولهم الدور البارز في تأسيس الجمهورية السورية، لكن نظرة النظام البعثي مختلفة للكرد ومارس بحقهم سياسات الإنكار والإبادة والظلم وحرم الكرد من  ابسط حقوقهم الطبيعية والتي تنص عليها الشرائع الدينية والقوانين الأممية بالعيش بحريتهم وهويتهم و ثقافتهم وتعليمهم بلغتهم الأم.

أحد أبرز اساليب السلطة كانت في المدارس فالتحدث باللغة الكردية  كانت تهمة والاحتفال بعيد النوروز كانت تهمة يعاقب عليها الكردي.

بالعودة إلى ما بعد ٢٠١١، بعد مرور سنة على الحراك السوري الذي انحرف عن مساره الحقيقي بفعل تدخلات خارجية وفرض مشاريع سلطوية مماثلة لسلطة البعث، عقدت الأزمة في سوريا لدرجة باتت اليوم عقدة مستحيلة الحل، هذا الأمر اختلف في روج افا شمال وشرق سوريا هنا كان للكرد نظرة وبعد وطني للتغيير في سوريا الكردي بدأ بالاعلان عن ثورة روج أفا التي اصبحت قاعدة لعدة ثورات( ثورة المرأة ، ثورة اللغة ، ثورة الشبيبة …. ) بمشاركة كل فئات المجتمع بالانخراط لتنظيم انفسهم من خلال المجالس و المؤسسات و الكومينات، ونظمت القوى السياسية أيضاً نفسها لتكلل هذه الثورة بتأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية التي أصبحت من منجزات ثورة 19 تموز.

في عام 2014 تم خطو خطوة تاريخية مهمة في تاريخ الكرد  وتاريخ شعوب شمال وشرق سوريا بالإعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطية و كانت أنبعاث لجميع شعوب المضطهدة و خاصة للشعب الكردي وبتاريخ 2014/1/29 أعلنت  الإدارة الذاتية لمقاطعة عفرين كنتيجة لتشارك قوى الثورة من الأحزاب السياسية و الحركات والمؤسسات و الاديان و الاطياف و جميع مكونات المنطقة و حتى شخصيات تكنوقراط و كذلك كان الدور الريادي للشبيبة و المرأة بتمثيلها نسبة  50 بالمئة و كما تم تطبيق نموذج اداري جديد و هو نظام الرئاسة المشتركة في المجلس التشريعي و فيما بعد تم تعميمها على مجلس التنفيذي و هيئاته ولأول مرة المرأة تشارك في صنع القرارات و سن القوانين.

وبأعتباري من المؤسسين للإدارة الذاتية لن أنسى تلك اللحظات في حياتي التي عشناها في عفرين عندما كنا نقوم بالتحضيرات و التجهيزات للإعلان عن الادارة الذاتية كانت نظرات الجميع تشع بهجة و أمل،  وكل فرد من المجتمع مؤمن بما تحقق من آمال وتطلعات.

في مثل هذا اليوم كان اجتماعنا بالمركز الثقافي بعفرين لأداء اليمين القانوني للمجلس التنفيذي و هيئاته و بعدها خرجنا مشياً على الأقدام وتحت أمطاراً غزيرة متجهين نحو ساحة الحرية لاستقبال الشعب بمكوناته و تتعالى اصوات فرقة حج ناصر بطبل و المزمار و دبكات النساء و الرجال و الاطفال معبرين عن فرحتهم و سرورهم . ومن تاريخه بدأت زيارات وفود أوروبية ومن دول الجوار و إعلاميين ليتعرفو  على هذا النموذج الجديد …..، وفيما أنتقل هذا النموذج إلى باقي مناطق شمال وشرق سوريا، ومع تحرير أي منطقة من الإرهاب تم الإعلان عن إدارتها الذاتية ( الادارات المدنية في منبج و الطبقة و الرقة و دير الزور) و بتطبيق هذا المشروع بات نظام  السلطة الفاشية الدكتاتورية تشعر بالخطر خوفاً من أن تهتز عروشهم وكياناتهم السلطوية لذلك بدأ الاحتلال التركي بشن الهجمات طيلة سنوات الحرب في سوريا ومضت تركيا بعدوانها وارتكابها جرائم حرب، وهاجمت مدينة الزيتون و السلام عفرين بشن هجمات برية وجوية ب 72 طائرة حربية.

مدينة عفرين التي فتحت ابوابها  للنازحين  السوريين من مناطق مجاورة و استمرت هذه الهجمات 58 يوما بأستهداف المدنيين الابرياء و النساء و الاطفال و مشفى افرين و الفرن الٱلي و القصف العشوائي على عدة مؤسسات، و رغم كل ذلك المقاومات البطولية التي أبداها شعبنا بكل فئاته صغارا و كبارا وتضحيات YPJ و YPG والعمليات الفدائية  لقادات المقاومة( افستا خابور و ٱيلان ومئات الشهداء )  سطروا ملاحم بطولية تاريخية ضد  العدوان التركي وكذلك مقاومة الشعب ٥٨  يوما تحت القصف المدفعي و الصاروخي و استخدام المحتل لجميع صنوف الأسلحة و حتى المحرمة دولياً.

ونتيجة لتلك الهجمات تم التهجير القسري لأبناء و بنات عفرين إلى الشهباء المنطقة الأقرب من عفرين آملين العودة إلى احضانها، ولازالت الإدارة الذاتية قائمة على خلاف ظن وشك الذين قالوا بأن عمر الإدارة الذاتية أشهر قليلة و ستنتهي، لكن  الإدارة الذاتية دخلت عامها العاشر و هي تقدم الخدمات لعموم الشعوب وخاصة المهجرين قسرا من ديارهم. لقد قامت الادارة الذاتية بإنشاء 5 مخيمات للنازحين من عفرين ورغم قلة الامكانيات و الظروف الصعبة و فرض الحصار من قبل حكومة دمشق فأن الادارة الذاتية لا تقصر بتقديم الخدمات و تأمين فرص العمل و تقوم بتلبية احتياجات المجتمع .

وفي الآونة الأخيرة تم التصديق على ميثاق العقد الاجتماعي لإقليم شمال و شرق سوريا فمنذ عام2014 ونحن في بداية عام 2024، حيث بدأنا من لا شي ونحن اليوم أمام الكثير من التغييرات في الأوضاع السياسية والاقتصادية و العسكرية التي خلقت قواسم مشتركة بين النظاميين التركي و السوري فذهنية النظاميين لا يختلف عن بعضهم من طرف النظام السوري يفتعل الفتن في مناطق الإدارة الذاتية لزعزعة الثقة بين العشائر العربية و قوات سوريا الديمقراطية لضرب النسيج المجتمعي المتمثل في مشروع الأمة الديمقراطية، و ذهنية العدو التركي بأستهداف المنشآت الحيوية و البنى التحتية سعياً لإضعاف المنطقة اقتصاديا، لكن الإدارة الذاتية صامدة بكل عزمها و قوتها.

الأمر الذي يجب أن يعلمه الجميع بأن جميع مخططات العدوان وقوى الشر السياسية و العسكرية باتت بالفشل و بهذا الشكل أتضح استراتيجية و هدف المحتل التركي و حلفائه من خلال خطة ممنهجة ضد الإدارة الذاتية و لتفريغ مناطق شمال و شرق سوريا عبر التهجير القسري للسكان الاصليين وتوسيع نفوذه باحتلال مساحات أكثر من الأراضي السورية .

وإيماناً منا نحن أبناء و بنات عفرين نتعهد لشهداء الحرية بالسير على نهجهم و نكون لائقين لتضحياتهم، هم قادتنا المعنويون نتمسك بخط النضال و المقاومة و حمايتها والحفاظ على جميع مكتسبات و منجزات الإدارة الذاتية الديمقراطية التي نشأت بدماء الشهداء الطاهرة و اصرارنا على تطبيق مشروع الأمة الديمقراطية الذي طرحه المفكر و الفيلسوف عبدالله أوجلان.

زر الذهاب إلى الأعلى