حواراتمانشيت

الأمميون في ثورة روج آفا

على الرّغم من كونها تتعرّض للهجوم من قبل الدّولة التركية والميليشيات المتحالفة معها من جهة والدّولة الإسلاميّة (داعش) من جهةٍ أخرى، في أتّون رحم الحرب الأهليّة السّوريّة, هناك ثورةٌ في روج آفا تستمر في التطوّر بطرقٍ مثيرةٍ, من وحي وأفكار عبد الله أوجلان ونضال حركة التحرّر الكرديّة.

روج آفا هي المشروع الثّوري في مواجهة الحداثة الرأسماليّة الصّعبة من خلال تحرير المرأة والبيئة والديمقراطيّة الراديكاليّة.

خلال السّنوات الماضية قدم الدّوليّون من جميع أنحاء العالم إلى روج آفا للمساهمة والمشاركة في المشروع الثّوري, وقد تلقّى المقاتلون الأجانب الّذين انضمّوا إلى الكفاح المسلّح اهتماماً كبيراً في وسائل الإعلام الدوليّة، ولكن الكثيرون لا يعرفون عن الأجانب الذين يعملون خلف خطوط الجبهات, وقد تعلّم هؤلاء من المنظور الثّوري لحركة التّحرّر الكرديّة دعم وتطوير المشاريع القائمة الّتي تهدف إلى تنظيم جيلٍ جديدٍ من الأمميّين لتحدّي الحداثة الرأسماليّة.

بدعم من اتّحاد شبيبة روج آفا (YCR / YJC) وبعض النّاشطين تمّ تأسيس الكومونة الدوليّة لروج آفا في أوائل عام 2017وأجرى (ليفرينك يوريس) المحرّر في مجلّة ROAR)) حواراً مع بعض الأعضاء الأمميّين في الكومونة الدّوليّة, وعن دوافعهم للانضمام إلى ثورة روج آفا، والمشاريع المختلفة الّتي شاركوا فيها, وأهمية التّضامن خارج الحدود.

ما هي دوافعكم للذهاب إلى روج آفا؟ وكيف انتهى بكم الأمر؟

تحدّث (كاسبر) قائلاً:

لقد شاركت في الحركات الاجتماعيّة والبيئيّة في أوروبا، لكن مع مرور الوقت رأيت مشاكل ونواقص هذه الطريقة في ممارسة السّياسة, في الواقع كان هذا المفهوم في حدّ ذاته عقبةً في طريق تفهّمي السّياسي, لكنّني لم أسأل كيف أعيش وأقاتل بطريقةٍ ثوريّة, وعندما سألت نفسي هذا السؤال  لم أتمكن من العثور على إجابة.

وبفضل المقاومة ضدّ داعش في كوباني تعرّفت إلى الحركة الكرديّة, ورأيت أنّ الثّورة هنا تفتح الطّريق نحو التغلب على المشاكل الحرجة الّتي يواجهها هذا العالم، ومن النّواحي الاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة والبيئية, ولبدء اتّباع هذا الطريق جئت إلى روج آفا وانضممت إلى الثّورة.

أمّا الأمميّة (كلارا) فقد قالت:

أعتقد أن كلّ واحدٍ منّا يجب أن يكون قادراً على الشّعور والتّمرد في مواجهة أيّ ظلمٍ وفي أيّ مكانٍ من العالم, وفي الواقع  كنت منزعجةً من نفاق حكوماتنا ومسؤولينا وصحفنا وحتّى غيرهم من اليساريّين الّذين تحدّثوا عن داعش والشّعب السّوري والكرد دون اتّخاذ إجراءاتٍ حقيقيّةٍ أو ملموسة, وقليلون فقط من فكّروا بالقدوم إلى روج آفا، ولكن هذه هي الطريقة الأكثر أهميّةً لتحدّي هذه المظالم وضمان أن أفعالنا تتبع كلماتنا.

وأردف (كاسبر):

التواجد هنا هو تعبيري عن الأمميّة الّتي تعني التّغلب على حدود الدّول الّتي تفصل بين الناس, غالباً ما سألت نفسي: ماذا كنت سأفعل ضدّ الفاشيّة في وقت الحرب الأهليّة الإسبانية؟

وأجبت عدة مرات: بالطبع كنت سأشارك في المقاومة.

واليوم السّلطة الفاشيّة هي تركيا, وكما هو الحال في زمن الحرب الإسبانيّة، ولذلك يجب علينا أن نقوم بواجبنا.

أخبرونا المزيد عن الكومونة الدولية, كيف تم إنشاؤها؟ بأيّ نوعٍ من المشاريع بدأت أو شاركت؟

أجابت (كلارا):

تم إنشاء الكومونة الدّوليّة من قبل بعض الأمميّين الّذين قرروا القيام بعملٍ طويل الأجل هنا، وبالتّعاون مع اتّحاد شبيبة روج آفا (YCR / YJC).

وتعتزم الكومونة إعادة الأمميّة إلى الحياة، وإيجاد طريقةٍ جديدةٍ داخل الأمميّة نفسها.

الكومونة هي بنية تساعد الأمميّين على إيجاد مكانهم في هذه الثورة, ونحن ندعم النضال هنا ونتعلّم من الثّورة ونقوم بذلك بطريقةٍ منظّمةٍ.

وقال (كاسبر):

جزءٌ من الكومونة هو الأكاديميّة الدّوليّة، حيث لدينا مساحةٌ للعيش والعمل والدّراسة معاً, ومن المهمّ أن يحصل الأمميّون الّذين يأتون إلى روج آفا على فرصة التّعرف على الفلسفة الّتي تقوم عليها حركة التحرّر الكرديّة، وأيضاً دراسة الّلغة.

وأضافت (كلارا):

من مشاريعنا الرّئيسيّة حملة (Make Rojava go green again) والهدف هو المساهمة في العمل الإيكولوجي للثّورة, ولكن بالطّبع لا يمكن تحليل الوضع البيئي من دون النّظر إلى سياسات الدّولة في سوريا وتركيا وغيرها.

وكمثالٍ على ذلك, توفّر المياه يمثّل مشكلةً رئيسيّة, بالإضافة إلى الجّوانب العامّة لتغيّر المناخ العالمي الّتي تؤثّر بقوّةٍ على روج آفا، كما تستخدم الدّولة التركيّة الماء كسلاحٍ سياسي, حيث تنبع معظم الأنهار في روج آفا من جبال باكور، وهي المناطق الكرديّة داخل الدّولة التّركيّة الّتي يشغلها الجّيش التّركي حاليّاً, وباستخدام السّدود الضّخمة تسيطر تركيا على إمدادات المياه, وتمنع تدفّقها إلى روج آفا.

وتقوم تركيا أيضاً بحفر آبارٍ عميقةٍ على طول الحدود مع روج آفا, وتستخدم الكثير من المياه الجّوفيّة للزراعة.

إن مستوى المياه الجوفيّة في روج آفا يتناقص باستمرارٍ نتيجةً لهذه السّياسات, وهذا له تأثيرٌ على توافر المياه ويؤثّر على كلٍّ من الطبيعة والمجتمع, فنقص المياه يعني النّقص في القمح, وكذلك إحراق الأراضي المزروعة بالقمح والمتاخمة للحدود من قبل تركيا, كلّ هذا يجبر روج آفا على استيراد الحبوب من الخارج إذا سمحت الدّول الّتي تفرض الحصار على روج آفا بذلك.

وأضاف (كاسبر):

كحملةٍ قمنا بتجميع الكثير من المعلومات حول الوضع البيئي في كتيّب  سيتمّ نشره فيما بعد, ونحن نساهم أيضاً على المستوى العملي لإيجاد حلولٍ لهذا الوضع.

في بداية العام بدأنا في تطوير حضانةٍ لشتلات الأشجار في الأكاديميّة الدّوليّة، وسنقوم بإعادة تشجير محميةٍ طبيعيّةٍ ليست بعيدةً عنّا بالقرب من سدّ السّفان, لكنّنا سنحتاج إلى عدد أكثر من شتلات الأشجار الموجودة في حضانتنا، وبالتّالي فإنّنا نجمع الدّعم الدّولي للعمل الإيكولوجي هنا في روج آفا.

ماذا تعني لكم الأممية؟

(كاسبر):

من وجهة نظر أساسيّة فإنّ الأمميّة هي بالضّبط ما قالته (كلارا):

الشّعور بأنّك متمرّدٌ على أيّ ظلمٍ وفي أي مكان من العالم.

ولمعرفة العلاقة بين التّمرّد والكفاح وكيفيّة ارتباطهما ببعضهما, ولمعرفة الحاجة إلى التّعلم, والشعور بالارتباط مع الناس الّذين يقاتلون ليشعروا بجمال النّضال وحزن الخسائر الّتي عانت منها المجتمعات في النّضال من أجل الحريّة, ومن المهمّ فهم أنّ ديناميكيات النّضال تعتمد على بعضها البعض, فالتغيّرات في الشّرق الأوسط لها تأثيرٌ قويٌّ على السّياسة في الدّول الأوروبيّة وغيرها, فعلى سبيل المثال في أوروبا خلال المقاومة في كوباني أو عفرين شكّك العديد من النّاس في سياسات دول الاتّحاد الأوروبي ورأوا العلاقة بين إنتاج الأسلحة في بلادهم والهجوم على الثّورة بنفس هذه الأسلحة.

(كلارا):

الدوليّة هي الشّعور بواجب كلّ الثوار في القتال جنباً إلى جنب بغضّ النّظر عن المكان, وعلى المستوى النظري علينا أن ندرك أنّنا لا نستطيع فهم حقيقة العالم الحالي إذا لم نشارك وجهات نظرنا ووقائعنا المختلفة, وهذا ممكنٌ فقط إذا كنّا نقاتل معاً, والجّانب الجّديد الّذي نراه كأمميّين في حركة التحرّر الكرديّة هو أنّها تقترح إطاراً مشتركاً يمكن لجميع الثّوار والقوى الديمقراطيّة الراديكاليّة أن يتّحدوا فيه.

إنّه ليس أقلّ من تحدّي الحداثة الرأسماليّة بفكرة حداثةٍ ديمقراطيّةٍ ذات هيكلٍ عالميٍّ وثقافي، يتفوّق على الدّولة القوميّة والصّناعيّة والعقليّة الرأسماليّة, وبما أنّنا لا نستطيع فهم الحداثة الرأسماليّة من منظورٍ واحد، فإنّ الحداثة الديمقراطيّة سيكون لها أشكالٌ وألوانٌ مختلفة, إنّها ليست نظاماً أحاديّاً بل هي نظامٌ متنوّع، مثل المجتمعات الرأسماليّة في العالم بأسره اليوم, وبوصفنا أمميّين دوليّين في روج آفا, نفهم أنفسنا كمسلّحين يوحّدون القوى الديمقراطيّة والثّوريّة للتّغلب على الرأسماليّة.

ما هو موقف السّكان المحليّين على وجودكم في روج آفا؟

(كلارا):

في مجتمعٍ يكون فيه (أصدقاء الكرد الوحيدون هم الجبال)، وحيث غادر العديد من الشّباب البلاد، فإنّ النّاس يقدّرون حضورنا, إنّهم يفهمون الأمر كصداقةٍ بين الناس في جميع أنحاء العالم.

(كاسبر):

العديد من الأسر تنظر إلينا كبناتهم أو أبنائهم، وهذا ليس مجرّد قول, بل يمكننا أن نشعر به, فعندما نصبح جزءاً من المجتمع ستكون لدينا مسؤوليّةٌ متناميّةٌ للدّفاع عن قيمه.

من وجهة نظركم، كيف نظّمت الثّورة في روج آفا حياة الناس في المنطقة؟

(كاسبر):

أحد الأمثلة الواضحة حقّاً هو استخدام الّلغة الكرديّة في الأماكن العامّة  وفي المدارس والإدارة الذّاتيّة, فالّلغة هي جزءٌ مهمٌّ من الهويّة، لذلك كانت محاولة القضاء على الّلغة هجوماً خطيراً على الثّقافة والهوية الكرديّة, وعندما يكون الطلاب قادرين على دراسة تاريخهم الخاصّ بلغتهم الأمّ يُعتبر هذا تغييراً مهمّاً.

إنجازٌ هامٌّ آخر هو إمكانيّة مشاركة جميع النّاس في السياسة وفي عمليّة صنع القرار, ففي ظلّ نظام البعث تمّ سحب هذه الحقوق الأساسية من السكّان الكرد، وكانوا غير قادرين على التّعبير عن مصالحهم, أمّا الآن في البنية الجماعيّة الجّديدة يتعلّم النّاس استخدام أدوات الديمقراطيّة الراديكاليّة من خلال الجّمعيّات المحليّة, وأصبح المجتمع سياسيّاً حقّاً، لأنّ النّاس يتحمّلون المسؤوليّة عن مصيرهم معاً.

(كلارا):

أودّ أن أقول إن الوضع قد تغير أكثر بالنسبة للمرأة, قبل الثّورة لم يكن بوسع المرأة المشاركة في الحياة العامّة والنظام الأسري الذّكوري والحياة الاجتماعية الّتي أثّرت بشكلٍ كبيرٍ على حياة المرأة الشّخصيّة والاجتماعيّة بشكلٍ عام, وكمثالٍ على ذلك يُحظر الآن الزّواج من فتاةٍ دون سنّ الثّامنة عشرة, أو أن يتزوج الرّجل من أكثر من امرأة.

كما أنّ مشاركة المرأة في المنظومة الاجتماعيّة والسياسيّة المختلفة بات أكثر وضوحاً وخصوصاً في المنظومة العسكريّة لوحدات حماية المرأة (YPJ). كما تقوم المرأة بتجريب طرقٍ مختلفةٍ للحياة. (قرية “جينوار” ، هي المكان الذي تعيش فيه النّساء فقط).

ما هي العلاقات بين المجتمع الدّولي والمتطوّعين الدّولييّن الذين سافروا إلى روج آفا للانضمام إلى الكفاح المسلّح؟

(كاسبر):

لا يوجد ارتباطٌ تنظيميٌّ بين الاثنين, لكن بالطبع يعرف النّاس بعضهم البعض, ويتبادلون خبراتهم وأفكارهم, وعلى سبيل المثال غالباً ما لا يرى الناس في المنظومة العسكرية الكثير من المجتمع المدني، لذلك نشارك تجاربنا معهم, والرّفاق الّذين يعودون من النّضال في خطّ المواجهة ضدّ تركيا أو النصرة و داعش يشاطروننا حقائق الحرب.

(كلارا):

حتّى إذا اخترنا عدم المشاركة في YPG وYPJ، ونحن نعلم كم هو مهمٌّ أن يكون المرء على استعدادٍ لتقديم كلّ شيءٍ من أجل الثّورة، ومواجهة التّجارب المؤلمة للحرب وتكريم وإحياء ذكرى رفاقنا الّذين استشهدوا، ونحن أطلقنا على الأكاديمية الدّوليّة اسم {هيلين قره جوخ (آنا كامبل)}، الّتي استهدفتها الطّائرات الحربيّة التّركيّة في عفرين.

كيف ترون تطوّر الثّورة في روج آفا؟ وكيف يمكن أن يساهم النّاس في الخارج في نجاحها؟ وكيف يمكن للنّاس في الخارج التّعبير عن تضامنهم مع هذه الثّورة بأكثر الطرق فعالية؟

(كاسبر):

يمكن اعتبار الوقت بعد تحرير الرقة من داعش بمثابة حقبةٍ جديدة, لقد بدأ الإجماع المستقرّ إلى حدٍّ ما بين القوّى الدّوليّة يعود مرّةً أخرى, وكلّ دولةٍ تحاول زيادة نفوذها في المنطقة، والحركة الكرديّة بحلفائها العرب والمسيحيّين مرّةً أخرى عالقةٌ في وسط العلاقة بين القوى العظمى العالميّة. والآن سيعتمد نجاح الثّورة على قوّة النّاس هنا وفي جميع أنحاء العالم, فالتّحالف الحقيقي الوحيد للثورة هو الّذي يوجد بين الشّعب الثّوري والدّيمقراطي في العالم كلّه.

(كلارا):

علينا أن نفهم أنّ هذه هي مسؤوليتنا، وهو دورٌ يجب أن نلعبه بشكلٍ نشط, فيمكن لأفعالنا أن تشكّل واقع الغد, ومن هذا المنطلق من المهمّ مواكبة أعمال التّضامن في جميع أنحاء العالم, فحتّى اليوم كثيرٌ من النّاس لا يعرفون هذه الثّورة أو القيم الّتي تستند إليها, لذلك يجب على الجّميع مشاركة ذلك مع الآخرين حول العالم.

(كاسبر):

نعلم أن الحرب الكبرى القادمة ستكون علينا, خاصّةً النّظام الفاشستي التّركي على الحدود، نعرف جميعاً أنّه لن يكون هناك حلٌّ سلميٌّ في سوريا، ومن المهمّ أن نفهم ونستعدّ لهذا الاحتمال المحدّد بالفعل, ونحن بحاجةٍ إلى أن نكون أكثر فعاليّةً في عملنا على جميع المستويات السياسيّة, ويجب علينا نشر الوعي حول روج آفا في المجتمع، وفي الوقت نفسه زيادة الضّغط على حكوماتنا, لكنّ الجّانب الأهمّ هو بناء روابط بين حركة التحرّر الكرديّة والنّضال في البلدان الأخرى.

(كلارا):

في النهاية نداؤنا بسيطٌ للغاية وصعب للغاية: دعونا نبني معاً حركةً عالميّةً قادرةً على التّغلب على الحداثة الرأسماليّة, ولتحقيق هذه الغاية يمكننا أن نعود إلى تاريخٍ طويلٍ من النّضالات المختلفة التي هي سويّةٌ على طول خط المقاومة من أجل حياةٍ حرّة في توازنٍ مع الطّبيعة.

يذكر أن الكومونة الدولية أو (Rojava Internationalist Commune) هي أمميون يعملون في المجتمع المدني بروج آفا، يقومون حالياً ببناء أول أكاديمية دائمة غير عسكرية. ستوفّر هذه الأكاديميّة التّعليم الأساسي للأصوليّين الذين يرغبون في التعلّم والعمل والتنظيم في ثورة روج آفا. ويتم تمويل حملتهم (Rojava Green Again) بتمويلٍ جماعي.

المصدر: مجلة ROAR

زر الذهاب إلى الأعلى