مقالات

أردوغان من الفوبيا الكرديّة إلى فوبيا الأمّة الدّيمقراطيّة

عامر طحلو

بعد دخول العدوان التّركي على إقليم عفرين شهره الثاني, لم يترك هذا العدوّ الغاشم وأذنابه من شذّاذ الآفاق مكاناً في عفرين إلّا وقصفه, وصواريخهم وقذائفهم مشحونةٌ بشتّى أنواع الحقد والكراهية والغلّ, وتدمّر كلّ شيءٍ لا علاقة له بالحرب على الأرض من دُور العبادة والأماكن الأثريّة والحيويّة والمداجن والمسالخ والمقابر, حتّى الحيوانات لم تسلم من إرهابهم, ناهيك عن الضّحايا من الأطفال والنّساء من أبناء عفرين, وتُعاقِب كلّ من لجأ إلى الإقليم هرباً من مناطق إرهابيّي أردوغان بالقتل؛ من نازحي إدلب وحلب وغيرها, وكأنّ عفرين هي الّتي أسقطت الدّولة العثمانيّة فينتقم أردوغان منها.

يتحجّج أردوغان بأنّه يحارب الكرد الانفصاليّين, ويُوهم العالم بأنّهم يريدون تقسيم سوريا وهو لا يقبل بكيانٍ كرديٍّ على حدود دولته الإرهابيّة, ولكنّه كاذبٌ والدّليل على ذلك كان الدّعوة الّتي وجّهتها الإدارة الّذاتيّة الدّيمقراطيّة للجّيش السّوري في بداية العدوان من أجل القيام بواجبه في الدّفاع عن عفرين الّتي هي جزءٌ لا يتجزّأ من تراب سوريا, ودخول قوات تابعة للجيش للدفاع عنها, وكذلك انتظار تابعيه وخُدّامه من الكرد السّوريّين والّذين يدّعون النّضال من أجل الحقوق الكرديّة في سوريا سقوط عفرين لكي يستلموا الحكم فيها كما وعدهم أردوغان.

الديكتاتور يحارب شعوب الشّمال السّوري, يحارب مشروع الأمّة الدّيمقراطيّة الّذي تبنّته هذه الشّعوب, هو لا يريد أن يرى جاراً قويّاً متماسكاً, لا يريد الأخوّة بين الشّعوب ولا التّعايش المشترك, بل يريد جيراناً ضعفاء ومجتمعاتٍ هشّةٍ متخاصمةٍ ليتحكّم بها ويكون هو السلطان الأقوى.

وقد كشف هذا الهجوم كثيراً من الأمور غير المعلنة ومنها:

أولاً: إنّ مشروع الأمّة الدّيمقراطيّة الّذي تبنّته شعوب الشّمال السّوري هو ما سبّب الجنون لأردوغان, لأنّه يقضي على الدّيكتاتوريّة, وأردوغان يمثّلها في أوضح صُوَرِها.

ثانياً:  أثبت هذا الهجوم أن شعوب شمال سوريا بديمقراطيّتها وصلت إلى مرحلةٍ متطوّرةٍ عسكريّاً وسياسيّاً وإداريّاً وإلّا لما استطاعت صدّ هجوم  ثاني أقوى جيش في حلف شمال الأطلسي ( النّاتو ).

ثالثاً: كشف هذا الهجوم للعالم أجمع أنّ أردوغان وحكومته هما الرّاعيان الرّسميان والمموّلان الرئيسيّان لداعش وجبهة النّصرة, وذلك بشهادة أسرى الدّواعش بأن من يحاربون تحت مسمّى درع الفرات هم من عناصر التّنظيم الّذين آوتهم تركيا بعد سقوط خلافتهم في مناطق شرق الفرات, والّذين استسلموا لها في إدلب, وكذلك الشّعارات والتّصرفات اللاإنسانيّة الّتي ظهرت منهم, وكذلك عناصر جبهة النّصرة الّذين تركوا إدلب وهبّوا لمساعدة سلطانهم في حربه على عفرين.

رابعاً: بيّن هذا الهجوم عدم وجود معارضةٍ سوريّةٍ وطنيّةٍ, وإنّما معارضةٌ مسخّرةٌ لتنفيذ الأجندات التّركيّة, والدّليل أنّ فصائل المعارضة تركت النّظام يقصف إدلب ويتقدّم فيها دونما مقاومة, وتفرّغت للهجوم على عفرين, فهل رأس النّظام موجودٌ في عفرين؟ يتساءل مراقبون.

خامساً: كشفت هذه الحرب الأقنعة, ففي وقتٍ تتعرّض فيه منطقةٌ كرديّةٌ للقصف والإبادة, أظهر من يدّعون أنّهم حماة حقوق الكرد وممثّليهم تبعيتهم لإردوغان, ليس من خلال صمتهم فقط وإنّما بإعلانهم التأييد والدّعم لعمليّة غصن الزيتون كما يسميها الطّورانيون, وارتياح ضميرهم أمام مناظر قتل الأطفال والنّساء الكرد.

سادساً: إعلان انتصار عفرين في هذه المعركة, وتجلّى ذلك من خلال توجّه شعوب إقليميّ الجّزيرة والفرات إلى إقليم عفرين للتّضامن مع أهله في وقتٍ تتعرّض فيه كافّة مناطق هذا الإقليم للقصف, وخروجهم في مسيرةٍ مندّدةٍ بالهجوم ومتضامنةٍ مع عفرين وطائرات العدوان التّركي تحوم فوق رؤوسهم, واستمرار توافد المتضامنين غير آبهين بالموت, وهذه من دلائل النّصر, فأيّ شعبٍ يتجمّع في مكانٍ مستهدفٍ بالنّيران إذا لم يكن على يقينٍ بالانتصار؟

سابعاً: كشفت أنّ من يسمّون أنفسهم بالجّيش الوطني الحرّ هم مجموعة لصوصٍ ومرتزقةٍ مأجورةٍ لتركيا, فهم لا يحمون المدنيّين ولا يحافظون على ممتلكاتهم, بل قتلوا المدنيّين ومثّلوا بجثثهم وأحرقوهم أحياء وسرقوا الممتلكات الخّاصّة, وأثبتوا أنّهم لا يختلفون عن داعش والنّصرة.

زر الذهاب إلى الأعلى