المجتمع

واقع الزراعة في روج آفا وشمال سوريا وآفاق تطويرها

يعتبر القطاع الزراعي في سوريا عامة و”روج آفا على وجه الخصوص”، الركيزة الأساسية للاقتصاد المجتمعي، والعماد الرئيسي للاكتفاء الغذائي، فقد عانى القطاع الزراعي في “روج آفا وعموم  سوريا” من انتكاسات ونواقص كثيرة، تسببت بإحداث نوعٍ من الخلل في التوازن والاكتفاء الذاتي في القطاع الزراعي، حيث نتجت عن الأحداث المأساوية التي عصفت بسوريا عامة ومناطق “روج آفا وشمال سوريا خاصة” باعتبارها المصدر الرئيسي الأكثر مردوداً للناتج الزراعي المحلي وخاصة الزراعات الاستراتيجية كالحبوب والبقوليات والخضروات، إلى التفكير بجدية في كيفية إعادة تأهيل وتطوير القطاع الزراعي في ظل الحصار المفروض والإمكانات المحدودة، وخاصة إن القطاع الزراعي في وقتنا الراهن يعتمد على البحث والتطوير والتنسيق والتعاون بين المزارعين والمؤسسات والمراكز البحثية؛ لإيجاد السُبُلِ والآليات للتصدي والتغلب على المعوِّقات التي تعترض هذا القطاع الحيوي، والنهوض به لتلبية احتياجات المجتمع من الموارد الزراعية بكل أنواعها، والتي تعتبر المائدة الأساسية في حياة المواطنين، فقد عمدت الأنظمة المهيمنة المتعاقبة على إتباع سياسات  وممارسات استثنائية تحارب المواطنين في لقمة عيشهم، وخاصة في مناطق “روج آفا وشمال سوريا” التي تعتبر من أكثر المناطق إنتاجاً   للزراعات الإستراتيجية في سوريا على الإطلاق، إذ يشغل المرتبة الأولى من حيث المساحة، فضلاً عن اعتماد سكانها في غذائهم بشكل رئيسي على ما ينتجها هذه الأراضي المعطاءة، وذلك بحكم أهميته الغذائية التي تشكل مصدراً غذائياً مهماً للإنسان، هذا وتعد الحبوب (القمح والعدس والشعير …..وغيرها)  في سوريا وروج آفا بالتحديد  من أفضل أنواع البذور العالمية التي تدخل في الصناعات الغذائية, ومع ذلك فقد كان سكان ومواطنو هذه المناطق من أكثر مناطق سوريا فقراً وإهمالاً، نتيجةً لسياسات وممارسات عنصرية منهجية ومدروسة، حيث يقول قائد الشعب الكردستاني “عبد الله أوجلان” بهذا الصدد: “فأنْ تَكُونَ كردياً، يعني أنْ تَكُونَ شيئاً أَشبَه بأنقاضِ حشدٍ أو تجمعٍ بلا مَوطِن، ولا يساوي قرشاً واحداً، بل يبقى خاليَ اليدَين من المال، وعاطلاً عن العملِ بكثافةٍ كبيرة، ويَعمَلُ مقابلَ أيَّما أَجر، ويصارعُ دوماً من أجلِ الحياة، وينسى احتياجاتِه الثقافية، ويَهرَعُ بدأبٍ حثيثٍ لتلبيةِ احتياجاتِه المادية، ويَبقى مع ذلك بلا نانNAN (بلا خبز) في موطنِ النان (الوطن الأم لثورة الزراعةِ النيوليتية”.

ومع انطلاقة الثورة في “روج آفا وشمال سورية” وصمودها في وجه الإرهاب وانتصارها، وتصديها لجميع المخططات التي حاولت النيل من إرادة الحرية والحياة التي باتت واقعاً في ظل مشروعها الفيدرالي الديمقراطي ونظامها المؤسساتي المدني الذي يسعى بكل جهد للنهوض بالواقع المجتمعي، وتلبية مقتضياته وخاصة القطاع الزراعي رغم جميع العراقيل والعقبات التي تضعها الدول والمحاور المعادية لهذا النموذج الفريد من الحياة الحرة الكريمة في موطنها الأصيل التي تمتد جذورها إلى العصر النيوليتي والثورة الزراعية الأولى منذ أكثر من خمسة آلاف سنة. وفي هذا السياق قامت جريدة الاتحاد الديمقراطي بأخذ آراء عددٍ من العاملين في هيئة الزراعة في ناحية “تربسبية” للوقوف عن كثب على آلية عملها، والمعوقات التي تعترضهم، وسبل مواجهتها، وآليات تطوير الواقع الزراعي في ظل الظروف الحالية حيث تحدث لجريدتنا:

المهندس “ريزان علي” إداري في هيئة الزراعة:

يُعتبر القطاع الزراعي في “روج آفا وشمال سوريا” المصدر الأكثر أهمية وحيوية بالنسبة للمواطنين والمجتمع بشكل عام، وأحد أهم ركائز الاقتصاد ليس في “روج آفا” فحسب بل لعموم سوريا، لقد عانى هذا القطاع من الإهمال والتهميش لسنوات طويلة، وخاصة في “روج آفا وشمال سوريا” التي مورست بحقها قوانين وسياسات استثنائية في ظل النظم المهيمنة المتعاقبة، وفي ظل الأحداث التي تعصف بسوريا وخاصة “روج آفا وشمال سوريا”  منذ قرابة السبعة أعوام من حرب على المجاميع الإرهابية وحصار وتخريب للبنى المؤسساتية الحيوية، تسبب بإحداث نوع من الخلل في التوازن الزراعي والاكتفاء الذاتي من منتجات هذا القطاع الحيوي والهام ضمن المجتمع، فعلى سبيل المثال نحن نعاني من قلة الأدوية والمبيدات الزراعية والحشرية؛ والموجود منها لدينا لا يلبي طلب المزارعين، وليست بالمواصفات والجودة المرجوَّة، فأغلب هذه الأدوية تأتي عن طريق التجار ولا تخضع للرقابة على نوعيتها وملاءمتها للمحاصيل الزراعية، والتي تتطلب التنسيق والتعاون بين هيئة الزراعة  وهيئة الجمارك والمعابر، وغرفة التجارة للوقوف على الجودة والنوعية وتحديد الأسعار، ونحن في مكتب الوقاية والتي جرى تفعيله حديثاً ضمن هيئة الزراعة؛ حيث يتم الخروج بشكل دوري في جولات لزيارة الصيدليات الزراعية كل سبعة أيام للوقوف على نوعية الأدوية الموجودة ومدى أهليتها وصلاحيتها للمحاصيل الزراعية في ناحية “تربسبية” ولكن هناك أسئلة كثيرة من المواطنين بخصوص أسعار هذه المواد وتفاوتها، وحقيقة نحن نعاني من هذه النقطة بالتحديد كونها مرتبطة بسعر العملات الأجنبية التي يتم شراء هذه “الأدوية الزراعية” بها؛ وفروقاتها بالنسبة للعملة المحلية، ولكن في الآونة الأخيرة كانت هناك جهود بهذا الخصوص لتحديد الأسعار وتوحيدها، كما إننا في مكتب الوقاية نتخذ إجراءات معينة بخصوص الأدوية الفاسدة والمنتهية الصلاحية، والتركيز والتحذير على عدم استخدام الهرمونات، وهنا يجدر الإشارة على إننا نفتقر إلى مخابر مختصة للوقوف على جودة هذه الأدوية ومدى نفعها للمزارعين، ومن المرجو أن يتم تفعيل مثل هكذا مخابر لتحديد جدوى هذه الأدوية ومدى الاستفادة منها”.

“عبد الكريم رشو” إداري في هيئة الزراعة (المكتب الفني):

نحن في “هيئة الزراعة” في هذه السنة الخدمات المُقدَّمة للمواطنين كانت جيدة  بالنسبة للسنوات الماضية، فقد تم فتح عدة مراكز لاستقبال وشراء محاصيل المواطنين من القمح وبأسعار مناسبة، وكانت نسبة إقبال الموطنين على هذه المراكز كثيفاً؛ وسط رغبة المزارعين إلى تعدد صنوف المواد المُستقبِلة لتشمل بقية أنواع المحاصيل من القمح القاسي والعدس والشعير، ونحن بدورنا أيضا نسعى في السنوات المقبلة إلى فتح مراكز إضافية لاستقبال كامل محاصيل المزارعين، وهنا ينبغي التذكير بأن توسعة نطاق عمل هيئة الزراعة تتطلب أيضاً تطوير البنية المؤسساتية لهيئة الزراعة بالنسبة للأقسام التي سيتم تفعيلها مستقبلاً، حيث من المقرر أن تدخل الوحدات الإرشادية إلى الخدمة في بداية السنة المقبلة هذه، وكانت هناك شكاوى كثيرة من قِبلِ المزارعين، بالنسبة لكمية المحروقات المُقدَّمة من قبل الهيئة، فقد كانت قليلة، وذلك يعود لوجود عدد من الحصادات من خارج ناحية “تربسبية” من (كوباني) و(عامودا) و(الدرباسية) وغيرها من مدن “روج آفا وشمال سوريا” للعمل في ناحية “تربسبية” والذي تسبب بعدم كفاية المحروقات المقترحة من قبل الهيئة، وكذلك الأمر بالنسبة للجرارات الزراعية، فلقد أشارت الاحصائيات إلى أن عددها يبلغ “604 “جرار يعمل في نطاق الفلاحة، حيث تم تخصيص محطة لتزويد الجرارات الزراعية بالمحروقات من قِبلنا، ونحن نأمل أن يتم زيادة كميتها من قبل هيئة المحروقات، خاصة والمنطقة تتجه نحو موجة جفاف، وهي بحاجة إلى زيادة نسبة المساحات المروية، وتزويد المشاريع التي تعمل مولداتها على الديزل بكميات كافية من المحروقات ( المازوت)، وهنا ينبغي التنسيق والتعاون من قبل الكومينات لتقدير وإحصاء هذه المشاريع والكمية المطلوبة لها من المحروقات.

“يونس سليمان عرب” إداري في هيئة الزراعة قسم إكثار البزار:

في هذه السنة اقترحت هيئة الزراعة شراء محاصيل المزارعين من القمح، وهي كانت استثنائية، فكما هو معلوم بعد مرور قرابة السبع سنوات من عمر الأزمة السورية؛ تعرضت الكثير من الصوامع المخصصة لتخزين القمح للتخريب والهدم من قبل المجاميع المسلحة الإرهابية، حيث عملت لجاننا على تنظيفها وصيانتها وتأهيلها لتصبح ستة مراكز للصوامع جاهزة لاستقبال محصول القمح، وقد تم شراء ما يقدر ب “12000 الف” طن من القمح الطري  من الفلاحين بمقدار ألفي طن للصومعة الواحدة، وأما بالنسبة لتأمين البذار للموسم الحالي، فقد عمدت هيئة الزراعة إلى تأمين الكميات الكافية من البذار المخصصة للزراعة، والعمل على معالجتها من  حيث الغربلة والأدوية ونوعيتها وجنسها وملاءمتها بالنسبة لأراضي المنطقة، حيث وقفت على عملية معالجتها ورشات ولجان مختصة بذلك وتم توزيعها على المزارعين بشكل نقدي وعلى الجمعيات (كومبراتيف) بضمان المحصول وبأسعار جيدة، ونحن نأمل من المزارعين مراجعة المراكز المختصة والمقترحة من قبل هيئة الزراعة  للآفات الزراعية والمبيدات الحشرية والأسمدة ونوعية البذار، وخاصة المراكز الإرشادية التي سيتم تفعيلها في بداية العام المقبل .

“ليلى أحمد” إدارية في هيئة الزراعة قسم الاقتصاد الزراعي:

إن أي نظام اجتماعي عندما لا يأخذ المرأة فيه دورها على أساس حر ومتساوي؛ لا يصبح نظاماً ديمقراطياً. وباعتبار هيئة الزراعة هي إحدى مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية التي تعمل بنظام التشاركية الندية لكلا الجنسين، وهي تأخذ دورها في كافة أقسامها ولجانها، وأثبتت المرأة رياديتها في كافة مجلات الحياة في “روج آفا وشمال سوريا” لدرجة اقترنت الثورة في “روج آفا وشمال سوريا” بالمرأة.

نحن في قسم الاقتصاد الزراعي يقتضي عملنا التعاون مع المزارعين والتنسيق مع الكومينات في مجال كميات البذار والأسمدة اللازمة للمزارعين، والتقليل من الإجراءات الروتينية التي كان يعاني منها الفلاح حيث يتطلب فقط من الفلاحين موافقة من الكومين الذي ينتمي إليه وصورة عن الهوية وصورتين شخصيتين ومساحة الأرض التي يملكها؛ ليتمكن من الحصول على احتياجاته من البذار والأسمدة وبأسعار مقبولة مقارنة مع السوق.

“منتهى خليل” قسم الجمعيات (كومبراتيف ):

نحن كدائرة الجمعيات الزراعية؛ يقتصر عملنا في آلية عمل هذه الجمعيات حيث تم اجتماع جميع الجمعيات التي تعمل في ناحية تربسبية، وتم مناقشة النظام الداخلي “الكومبراتيف” وآلية عملها وسبل تطويرها لخدمة الاقتصاد المجتمعي، حيث يتشكل كل (كومبراتيف) من 35 إلى 45 عضواً ومن كلا الجنسين، حيث يتم انتخاب لجنة مشرفة من ضمنها يتكون من سبعة أعضاء، ويخصص مساحة معينة من الأراضي من قبل دائرة (الكومبراتيف) لزراعتها، وتقديم التسهيلات لها من حيث البذار والسماد والمبيدات، يتم سداد ثمنها إلى أن يتم جني المحصول.

حقيقة كانت هذه الجمعيات ناجحة في معظمها، ووُجهت لهم الثناء من قبل هيئة الزراعة، كما أن الجمعيات التي كانت مردودها الإنتاجي قليل فقد تم إعادة النظر في هيكليتها وآلية عملها؛ ليتم تدارك الأخطاء التي تسببت في تردي إنتاجها، هذا ومن المقترح زيادة عدد هذه (الكومبراتيفات) الزراعية مستقبلاً لتشمل منطقة تل حميس حسب مقتضيات الحاجة، حيث تعمل حالياً حوالي “15 عشرة” جمعية في ناحية تربسبية حيث يستفاد منها قرابة الثلاثمئة عائلة.

“محمد أمين موسى” : قسم الاقتصاد الزراعي:

بداية نرحب بجريدة “الاتحاد الديمقراطي” لإتاحة الفرصة لنا لإلقاء الضوء على بعض الأمور الضرورية للمزارعين والقطاع الزراعي في “روج آفا وشمال سوريا”؛ فقد نتج من الأزمة الموجودة في عموم سوريا والحصار المفروض على مناطق “روج آفا وشمال سوريا” بشكل خاص تراجع الإنتاج الزراعي من المحاصيل الاستراتيجية، وذلك لـ لجوء المزارعين إلى الزراعات الأقل تكلفة والأكثر جدوى من الناحية الإنتاجية كالكزبرة والحلبة والكمون وغيرها، والتي يسبب تكرار زراعتها في إحداث خلل وضرر بالنسبة لإنتاج الأراضي الزراعية، والتي تتسبب في تعرض التربة للتعرية إضافة لمساوئها من الناحية الاقتصادية وسلبياتها على الثروة الحيوانية ومناطق الرعي، مقارنة بالمحاصيل الإستراتيجية كالقمح والشعير والعدس. هذا بالإضافة إلى تكدس هذه المحاصيل عند الفلاحين لعدم وجود تجار لشرائها، وعدم وجود طرق لتصديرها بسبب الحصار، ومن هنا نوجه دعوة إلى كافة الفلاحين والمزارعين إلى إتباع نظام  الدورات الزراعية والتركيز على الزراعات الإستراتيجية لنتمكن سوياً من رفع معدل الاكتفاء الزراعي والغذائي، والنهوض بمستويات النمو الاقتصادي في “روج آفا وشمال سوريا”.

إعداد: ياسر خلف

زر الذهاب إلى الأعلى