تقاريرمانشيت

“واشو كاني” .. 11 ألف نازح ومعاناة دخلت عامها الثاني!!


“معاناة، ألم، حرمان من أبسط الحقوق” هذا ما يعيشه ويعانيه أبناء سري كانيه في مخيم واشو كاني، هذا المخيم الذي يقطن فيه اكثر من 11 ألف نازح من نساء وأطفال وشيوخ، يواجهون برد الشتاء القارس في ظل ظروفٍ إنسانية صعبة، مسلوبين من أبسط حقوقهم بعيش حياة حرة كريمة، وكل ذلك يعود سببه إلى الهجوم التركي واحتلال تركيا مع الجماعات الإرهابية التابعة له مدينة سري كانية التي كانت حديقة تجمع صنف من كل زهرة, وهنا نقصد المكونات المتعايشة مع بعضها البعض دون أن يتم التفرقة فيما بينهم، حيث كانوا يعيشون حياة آمنة بعيدة عن الألم والمعاناة التي باتت الآن مسيّطرة على حياتهم ضمن المخيم.
مخيم “واشو كاني” الذي تتكفل به الإدارة الذاتية، بالرغم من إمكانياتها المحدودة تقوم بتقديم ما أمكنها من حاجيات ضرورية ومستلزمات للأهالي، وبالتأكيد هناك ما لا يتم تأمينه كون الإدارة لا يمكنها تقديم كل شيء لهذا العدد الذي لا تستوعبه الإمكانيات القليلة المتاحة، ناهيك عن المخيمات الأخرى التي تديرها الإدارة الذاتية وتتكفل بتقديم المستلزمات الضرورية والأساسية للأهالي، الذين يواجهون كافة أشكال القهر والمعاناة، من ألم الاحتلال ومغادرة منازلهم، وأيضاً ما نتج عن الاحتلال من آلام النزوح القسري والهروب من القصف والانتهاكات التي كانت تطال الأهالي، حيث أنها لم تفرق بين كردي أو عربي، كبير أو صغير، رجل أم امرأة.


مخيم “واشو كاني”
بالعودة إلى مخيم “واشو كاني” والجولة التي قمنا بها ضمن المخيم، كان كل زقاق من أزقة المخيم تروي معاناة مختلفة، قصص وحكايا كثيرة كانت تختبئ تحت تلك الخيم، خيمٌ لا تقي الأطفال من برد الشتاء ولا من عواصفه. حدثنا الكثير من الأهالي عن معاناتهم والحاجيات التي يحتاجون إليها. نعم؛ يتم تقديم ما أمكن للأهالي النازحين لكن لا يزالون بحاجة إلى الكثير، ومما قالوه عند حديثنا عمّا ينقصهم في المخيم: كانت الإجابات متمحورة حول “مادة المازوت” التي هي من الحاجيات الأساسية في ظل الشتاء الذي لا يرحم برودته الأطفال ولا يفرق بين خيمة أو بيت. وكذلك الصرف الصحي التي كانت المشكلة الأبرز التي تحدث عنها الأهالي ضمن المخيم، إضافة إلى الكثير من المتطلبات الأخرى التي لا يمكن غض النظر عنها، حيث طالب الأهالي إدارة المخيم بتأمين حاجياتهم وأهمها توفير الأدوية اللازمة، إضافة إلى حل مشاكل الصرف الصحي والشوارع التي تغرق بالأمطار في الشتاء وتتسبب في دخول الأمطار إلى خيمهم التي باتت المكان الوحيد الذي يأوي الأهالي وأطفالهم بعد نزوحهم من منازلهم في سري كانيه والقرى المحيطة بها إثر قصف الدولة التركية وممارسات الجماعات الإرهابية التابعة لها.
زرنا السيدة م. ر في خيمتها، حيث تحدثت لنا عن نزوحها من مدينتها سري كانيه، وما كانت تقوم به تركيا ومرتزقتها هناك بحق الأهالي، قائلة: لم نستطع البقاء، فكانت المدافع تأتي من كل حدب وصوب، ولا تفرق بين مدني أو غيره، البيوت أمامنا كانت تُهدم، أصوات الرصاص لم تخرج من أذان أطفالنا، أطفالنا الذين أصابهم نوبات من الهلع بسبب ما رأوه في أعمارهم الصغيرة هذه، حفاظاً منا على حياتهم اضطررنا لمغادرة منزلنا، التي خرجنا منها دون أن نجلب أي شيء وآتينا إلى خيم ينعدم فيها أبسط حقوق العيش، وتابعت: “لو لم تهاجم تركيا مدينتا، لم نكن لنعيش ما نعيشه الآن من معاناة، لو تدخلت الدول لإيقاف تركيا لما غادر آلاف الأهالي بيوتهم وقراهم ليعيشوا ضمن مخيمات لا تحمي أطفالنا حتى من برد الشتاء، لا ننكر ما تقدمه إدارة المخيم لنا، لكننا نريد أن نعود إلى منازلنا، إلى أرضنا التي ولدنا فيها ونتخلص من الظلم الذي تسببت به تركيا لنا”.


في الخيمة المقابلة؛ يعيش العم موسى ذو الثمانين عاماً، حيث يظهر أثر تعب السنين على جبينه، وعيناه مليئتان بالحنين إلى قريته الواقعة جنوب سري كانيه، حين التقينا به تحدث لنا عن منزله وأرضه الزراعية التي كانت مصدر دخله الوحيد، وأشار إلى يديه قائلاً: بتلك اليدين بنيت منزلي، كل حجرة فيه تروي قصص سنين طوال وشقى عمرٍ بات في آخره، لم أكن أعلم أنني سأعيش أيام كهذه، وأنني سأرى مدينتي تحتل من قبل تركيا.
بحنجرة ملأتها الدموع قال العم موسى: لا أريد أن أموت هنا، أريد العودة إلى منزلي وأن أُدفن في أرض ابائي وأجدادي التي يحتلها الآن الجيش التركي الفاشي في ظل صمت العالم أجمع عما فعله ويفعله ذاك القذر في إشارة منه لـ “أردوغان”.
“في الوقت الذي بدأت فيه التخطيط لمستقبلي وتحقيق أحلامي، احتلت تركيا مدينتي”، بهذه الكلمات بدأ الشاب أحمد ذو العشرين عاماً حديثه، حيث روى لنا ما يعانوه في المخيم، قائلاً: لم أكن أعلم أنني سأقضي أجمل سنين عمري هنا في المخيم، بكل تأكيد ينقصنا الكثير هنا، فأبسط سبل العيش غير متوفرة، لا شك أنه يتم تقديم الخبز والأساسيات لنا، لكن هل سنقضي حياتنا على المساعدات، نريد أن نخرج من المخيم ونعمل لنحقق ما كنا نخطط له قبل احتلال تركيا وجماعاتها لمدينتنا. وأضاف: “لقد كنت أعمل في الموبيليا، كنت أخطط أن افتح ورشة خاصة بي، وأن اؤمن جميع ما يحتاجه أفراد عائلتي، لكن الآن كل ذلك بات شبه مستحيل ما دامنا نعيش هنا ضمن المخيم وأرضنا محتلة من قبل تركيا التي سرقت حتى أحلامنا”.

في خيمةٍ ملفتة للنظر، حيث الشجيرات الصغيرة تزين خيمتها، تعيش أم فاطمة التي لم نستطع أن نغض النظر عن خيمتها التي كانت مختلفة عن باقي الخيم، بوجهٍ مبتسم استقبلتنا، وتحدثت لنا قائلة: لقد زرعت هذه الشجيرات حول خيمتي علّها تذكرني بحديقة منزلي في سري كانية، قد كانت حديقة مليئة بالأشجار والخضروات، لم يكن ينقص عائلتي شيء، كنا نعيش حياة هادئة آمنة إلى أن بدأت تركيا هجومها على المدينة، وحول معاناتهم، أضافت أيضاً: “كما ترون، نحن نعاني الويلات ضمن المخيم، وعلى وجه الخصوص مع بداية فصل الشتاء، حيث لا يحمينا من برده وعواصفه سوى هذه الخيمة الصغيرة”، وتابعت حديثها بحسرة: “لقد سرقوا كل شيء في منزلي، حتى أشجاري لم تسلم من أذية تركيا ومرتزقتها فقد حرقوها، أرغب بالعودة إلى أرضي، وأن يكبر أطفالي على أرضهم وفي مدينتهم”.


أمام خيمتها الصغيرة، تلعب “هيفي” ذات التسع سنوات مع اصدقائها، “هيفي” والذي يعني اسمها باللغة الكردية “الأمل”، يخجل العالم أمام ابتسامتها البريئة وعيناها اللوزيتان، توقفنا عندها قليلاً علّها تدخل بعض الأمل في قلوبنا بعد جولتنا ضمن المخيم ورؤيتنا لكل تلك المعاناة، لكن قالت ما لم نتوقعه، حيث قالت بعفوية: هل تريدون تصويرنا مثل البقية، أنهم يأتون، يقومون بتصويرنا ثم يرحلون، ولا نرى أي مساعدة منهم، وأضافت مع ابتسامة تكاد تختفي منها الحياة: “أننا نشعر بالبرد هنا، في السنة الماضية دخلت الأمطار إلى خيمتنا وأغرقت كل ثيابي، لم نكن نعيش كل هذا في سري كانيه، ليتنا نعود إليها!!”، ثمّ عادت تلعب مع اصدقائها، كما تلعب الدول بمصائرهم الآن.
رغم بساطة كلمات هيفي الصغيرة إلا إننا لن نستطع الرد عليها، يا صغيرتي؛ ليس بيدنا حيلة، لا نستطيع فعل شيء لهذا العدد الهائل، ما دام العالم صامتٌ عما يعيشه ويعانيه آلاف النازحين هنا والمسبب الرئيسي لكل ذلك، إلا اننا نحاول بقدر استطاعتنا إيصال ما رأيناه، ونقل ما يعانيه الأهالي ضمن المخيم للجميع، لعل كلماتنا تكون سبباً في تقديم مساعدة ودعمٍ من أي نوعٍ كان لكم.


مخيم “واشو كاني” يحوي آلاف القصص، بعضها روّت لنا، وبعضها الآخر فضّل الكتمان، لكن ملامح الأهالي كانت تبوح بالقهر والألم والمعاناة التي يعيشونها في المخيم، وهنا؛ بدورنا نناشد المنظمات الإنسانية والحقوقية أن تقوم بما يقع على عاتقها تجاه هؤلاء النازحين الذين يعيشون الآن حرباً من نوع أخر، وهي مواجهة شتاء بارد ضمن مخيمات تفتقر لأبسط وسائل التدفئة…؛ وأن يكونوا طرفاً في تخفيف أعباء النزوح على الأهالي ضمن المخيم. “ألا يكفيهم ما رأوه إلى الآن من ألم النزوح؟، ألم يحن الوقت لنوقظ ضمائر العالم عما يعانيه الأطفال الأبرياء ضمن المخيمات؟، فلتكن أقلامنا سبباً في تقليص المعاناة التي يعيشها الأهالي وأطفالهم ضمن المخيم”!!.
تقرير: دلناز دلّي

زر الذهاب إلى الأعلى