العالمتقارير

واشنطن وموسكو و ميدان شرق أوروبا 2022

نقلت شبكة “إن بي سي نيوز” الأمريكية، اليوم السبت، عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن ” واشنطن لا تمانع خفض وجودها العسكري في شرق أوروبا مقابل خطوة روسية بالمثل”.

وبحسب شبكة” إن بي سي نيوز” فإن “قمة موسكو وواشنطن ستبحث الترسانة الصاروخية للبلدين”.

وقال المسؤولون الأمريكيون إن: “مجلس الأمن القومي الأمريكي رفض تأكيد نية خفض عدد القوات في البلطيق وبولندا”.

وتجدر الإشارة إلى أنه قبيل اللقاء الروسي-الأمريكي المقرر في جنيف، تبادلت موسكو وواشنطن التصريحات المنتقدة والساخرة والمتوعدة، في مؤشر على ارتفاع حدة التوتر بينهما على خلفية الملفين الأوكراني والكازاخستاني، بالإضافة إلى التباينات الأخرى.

الأزمة بأبعادها الجيوسياسية

موسكو تسعى  لاستعادة وضعها على الخريطة الجيوسياسية

،توقع العديد من المراقبين أن يشهد عام 2021 تصاعدًا للتوترات بين روسيا ومجتمع الغربي استقواء بمجيء إدارة أمريكية جديدة تؤمن بضرورة تحجيم النفوذ الروسي في شرق أوروبا.

وشهد العام صدامًا روسيًا غربياً في عدد من الملفات، فمن حقوق الإنسان وقضية المعارض أليكسي نافالني، إلى المخاوف بشأن الأمن السيبراني، لكن القضية التي شغلت الحيز الأكبر كانت متمثلة في صراع النفوذ بين روسيا والغرب في شرق أوروبا، الأمر الذي ينعكس في دعم موسكو لنظام ألكسندر لوكاشينكو في بيلاروسيا، علاوة على الجرح القديم الجديد المتمثل في الأزمة الأوكرانية وضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، ودعمها للانفصاليين في إقلييم الدومباس شرق البلاد.

«على الرئيس بوتين أن يتخذ خيارا بسيطا وواضحا: أخرج من أوكرانيا أو ستواجه عزلة متزايدة وتكاليف اقتصادية في الداخل» بهذه الكلمات التي ألقيت في مؤتمر ميونيخ المنعقد في فبراير الماضي، لخص الرئيس الأمريكي جو بايدن محددات السياسة الغربية تجاه روسيا، لتشكل أبرز نقاط الخلاف بين واشنطن وموسكو.

تلي ذلك أزمة بين موسكو وواشنطن أندلعت في مارس بعد أن أدلى بايدت بتصريحات مخالفة للأعراف الدبلوماسية واصفاً نظيره الروسي بأنه «قاتل»، كما أتهم بايدن الرئيس الروسي بالتدخل في الانتخابات الأمريكية متوعداً بأنه بوتين «سيدفع الثمن»، ورداً على ذلك استدعت روسيا سفيرها لدى الولايات المتحدة للتشاور بشأن مستقبل العلاقات مع واشنطن.

سرعان ما تصاعدت الأزمة بين البلدين في إبريل لتشمل فرض عقوبات بسبب اتهامات بتدبير هجمات إلكترونية والتدخل في الانتخابات الأمريكية، وفرضت واشطن عقوبات شملت طرد عشرة دبلوماسيين روس وحظراً على البنوك الأمريكية لشراء ديون مباشرة من روسيا، كما فرضت عقوبات أيضا على ست شركات تكنولوجيا روسية متهمة بدعم أنشطة القرصنة التي تقوم بها استخبارات موسكو.

كما فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على 32 كيانا وفردًا بتهمة محاولة التأثير على الانتخابات الرئاسية، كما واشنطن عقوبات على ثمانية أشخاص وكيانات «شريكة في احتلال شبه جزيرة القرم».، وذلك بالتنسيق مع الاتحاد الاوروبي وكندا وبريطانيا واستراليا، لترد موسكو بجملة من القرارات شملت طرد عشرة دبلوماسيين ومنع مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى من دخول أراضيها.

تلك العقوبات ليست الأولي من نوعها بل سبقها فرض الولايات المتحدة عقوبات على 6 من كبار المسؤولين الروس بسبب تسميم زعيم المعارضة أليكسي نافالني.

وترجع أزمة نافالني إلى صيف 2020، حين نقل إلى مستشفى في برلين في اغسطس 2020 بعد محاولة تسميم في روسيا ينسبها إلى الكرملين. وأمضى نافالني فترة نقاهة في ألمانيا استمرت نحو ستة أشهر، لكنه اعتقل فور عودته إلى روسيا في يناير 2021ن وهو مسجون منذ ذاك فيما تطالب واشنطن والاتحاد الأوروبي بالإفراج عنه.

وفي فبراير 2021 طردت السلطات الروسية ثلاثة دبلوماسيين من ألمانيا والسويد وبولندا بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات على اعتقال المعارض نافالني.

الصراعات بين الغرب وروسيا لم تقف عند البعد الدبلوماسي، بل تطور لصراع جيوسياسي في يونيو نظم حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مناورات «نسيم البحر» والتي استضافتها القوات البحرية الأميركية والأوكرانية، في البحر الأسود بالقرب من الحدود الروسية، بمشاركة 32 دولة، ووصفت بأنها الأكبر من نوعها في المنطقة منذ عام 1997.

وبدى جلياً أن الأمور لا تسير نحو التهدئة بل على العكس، فقد مدد الاتحاد الأوروبي في يوليو الماضي العقوبات الاقتصادية المفروضة سابقا على روسيا لمدة ستة أشهر أخرى، حتى 31 يناير المقبل.

وتستهدف هذه العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي قبل سبع سنوات، قطاعات المال والطاقة والدفاع في روسيا، وعلى وجه الخصوص، عقوبات على عدد من البنوك والشركات الروسية.

كما تم فرض حظر على استيراد وتصدير الأسلحة والسلع ذات الاستخدام المزدوج، وبالإضافة إلى ذلك، قام الاتحاد الأوروبي بالحدّ من وصول الجانب الروسي إلى عدد من التقنيات والخدمات لإنتاج النفط والتنقيب عنه.

في البداية، فرض الاتحاد الأوروبي هذه العقوبات في 31 يوليو 2014 لمدة عام واحد، وفي مارس 2015، تم ربط مدة العقوبات بـ «التنفيذ الكامل لاتفاقيات مينسك»، وتمديد القيود كل ستة أشهر لمدة ست سنوات متتالية.

منذ اندلاع الحرب في شرق أوكرانيا في أبريل 2014، لقي أكثر من 14 ألف شخص مصرعهم. قبل أن يتوصل الرئيسان الأوكراني آنذاك، بترو بوروشينكو، والروسي، فلاديمير بوتين، إلى اتفاق في عام 2015، وقد أصبحت الاتفاقية جزءاً مما يسمى الآن بـ «اتفاقيات مينسك».

وتضمنت هذه الاتفاقيات خطوطا عريضة لكيفية إنهاء الصراع بين القوات الانفصالية الأوكرانية التي تدعمها روسيا في المنطقة المضطربة في شرق أوكرانيا المعروفة باسم دونباس والحكومة الأوكرانية.

ابتزاز بورقة المهاجرين

لكن الساحة الأوكرانية ليس الميدان الوحيد للتنافس الروسي الغربي، حيث شهد عام 2021 تنافساً في الساحة البيلاروسية (روسيا البيضاء) فمن ناحية الداخلية أستمر دعم بوتين لحليفة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، بينما يتهم الاتحاد الاوربي لوكاشينكو بتزوير الانتخابات التي اجريت عام 2020، وعقب تلك الانتخابات اندلعت عدد من المظاهرات المعارضة لفوز لوكاشينكو، فيما قوبلت تلك الاحتجاجات بالقمع، وفرض الاتحاد الأوروبي عدد من العقوبات بسبب قمع المجتمع المدني والمعارضة الديمقراطية في بيلاروسيا.

لكن الملف البيلاروسي شهد تصعيد لكن من نوع اخر، باستخدام مهاجرين من الشرق الأوسط «كسلاح»، بعد أن أتهامت كل من ليتوانيا وبولندا بيلاروسيا بتسهيل عبور المهاجرين إلى أراضيها، على إثر ذلك قام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا وكندا مطلع ديسمبر بفرض عقوبات اقتصادية على مينسك المتهمة بارتكاب «انتهاكات متكرّرة لحقوق الإنسان» وتنظيم عمليات عبور مهاجرين إليها ودفعهم للتسلل إلى الاتحاد الأوروبي المجاور لها.

خريف ساخن على الحدود الأوكرانية الروسية

ورغم أن منطقة الأوراسية معروفة ببرودة طقسها لكنها كانت على موعد مع خريف ساخن، مع إجراء أوكرانيا مناورات عسكرية مع قوات الناتو في سبتمبر، حذر الكرملين من أن توسيع البنية التحتية العسكرية لحلف الناتو في أوكرانيا سوف يتجاوز «الخطوط الحمراء» بالنسبة للرئيس الروسي بوتين.

وفي نوفمبر 2021، وصفت وزارة الدفاع الروسية نشر السفن الحربية الأمريكية في البحر الأسود بأنه «تهديد للأمن الإقليمي والاستقرار الاستراتيجي». وفي 30 نوفمبر، صرح بوتين أن توسيع وجود الناتو في أوكرانيا، وخاصة نشر أي صواريخ بعيدة المدى قادرة على ضرب موسكو أو أنظمة الدفاع الصاروخي المماثلة لتلك الموجودة في رومانيا وبولندا، سيكون بمثابة «خط أحمر» لقضية الكرملين.

وشهدت الحدود الروسية الاوكرانية حشد عسكري من الطرفين، وزعم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن روسيا نشرت ما يقرب من 100 ألف مقاتل على الحدود مع روسيا، في استعداد لمهاجمة كييف، اتهم زيلينسكي روسيا بدعم خطة للإطاحة بحكومته الاتهامات التي نفتها موسكو متهماً بدورها كييف بالتحضير لهجوم عسكري لاستعادة الأراضي التي يسيطر عليها الانفصاليون، لكن السلطات الأوكرانية تنفي ذلك بشدة.

وشكل تصعيد عسكري جرس إنذار بقرب وقوع حرب كارثية، لكن ذلك تزامن مع عدد من المساعى لخفض التصعيد تمثلت في إجراء الرئيس الروسي ونظيره الامريكي أتصال هاتفي، كما قدمت موسكو مقترح يتمثل في ضمانات آمنية تشمل عدم قبول الناتو لأعضاء جدد من الشرق وتدعو إلى عدم إنشاء قواعد عسكرية في دول الاتحاد السوفيتي السابق، الاقتراحات التي وصفتها روسيا بأنها تأتي لتجنب السيناريو العسكري، في المقابل لم ترد القوى الغربية بشكل واضح عن المقترحات.

 وبحلول عام 2022 يترقب العالم  لما ستسفر عنه المباحثات المزمعة بين روسيا والناتو في يناير 2022، في الوقت الذي لا يخفي فيه حلف الناتو نيته لضم كييف إليه، الأمر الذي تراه روسيا تهديد لأمنها القومي.

لكن وبحسب بعض المراقبين فأن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون لها كلمة الفصل في أوروبا بوأن الإدارة الأمريكية ستجد ممراً توافقياً لمصالح روسيا في أوروبا الشرقية  وفي الشرق الأوسط لكن ليس مجانياً.

المصدر : وكالات

زر الذهاب إلى الأعلى