مقالات

هل يلعب حزب الشعوب الديمقراطية دور بيضة القبان في توازنات المشهد السياسي التركي ؟؟

منذ قرابة العقدين من الزمن وحزب العدالة والتنمية الذي يترأسه أردوغان يحكم سيطرته على المشهد السياسي في تركيا وذلك عبر قبضته الأمنية وسيطرته البرلمانية وتسخيره للجانب الديني والقومي كدعاية لإحكام السيطرة الايدلوجية على المشهد الاجتماعي فكريا وعقائديا

ولكن ما تشهده تركيا في الآونة الاخيرة تجري بما لا تشتهيه  سفن اردوغان وتنذر بخفوت نجمه في الاوساط السياسية والاجتماعية والثقافية وهذا ما أكدته استطلاع للرأي صدر مؤخراً يظهر تراجاً كبيراً في تأييد سياسات العدالة والتنمية بقيادة اردوغان وخاصة النظام الرئاسي الذي أعطته صلاحيات التفرد والحكم بدكتاتورية فظة داخلياً وخارجياً  وإهماله لدور البرلمان كمظلة لنوع من الديمقراطية وان كانت بحدودها الدنيا  وتسبَّبَ بغياب معارضة حقيقية يضمن التنوع والحريات؛ فما شهدته تركيا طيلة 18 سنة في ظل العدالة والتنمية لم تكن سوى انقلاب على كل ما يمت بالإنسانية بِصِلةٍ حيث تحولت تركيا الى سجن كبير لمعارضي السلطة الحاكمة ليصل بها الى التصنيفات العالمية المتقدمة في مجال انتهاك الحريات وقمع وكم الأفواه و خاصة في ما يتعلق بغزوات اردوغان الخارجية وسياساته الداخلية

وبالعودة إلى المشهد السياسي الأخير نجد أن الترهلات بدأت تظهر للعيان على جسد حزب العدالة والتنمية والانشقاقات باتت في أوجها فبحسب المراقبين والمتابعين للشأن التركي  هناك اتجاهات عدة بدأت تظهر ضمن المشهد السياسي في تركيا وهذه الاتجاهات ليست من خارج العدالة والتنمية بل كانت جزءاً أساسياً منها ومن الأطر المؤسسة للعدالة والتنمية كحزب وكهيكلية حكم وربما يُعد أحمد داود اوغلو رئيس الوزراء السابق أول هذه الاتجاهات والذي أعلن مؤخراً عن تشكيل حزب المستقبل كمنافس لأروغان ونظام حكمه, وقد يكون الاتجاه الآخر هو عبد الله غول الرئيس الاسبق ونائب رئيس الوزراء السابق علي بابا جان اللذان يستعدان لتشكيل حزب منافس لاردوغان ربما تكون في غضون الأسابيع القليلة المقبلة, وهناك تيارات أخرى ضمن العدالة والتنمية بدأت تبحث عن البديل للعدالة والتنمية الذي بات رهينة سياسات اردوغان وتفرده ضمن الحزب والسلطة وقد تكون الاتجاه الأخير الأكبر ضمن ما تبقى من حزب اردوغان ولكنها تفتقر للجرأة والقيادة البديلة, كما ان المشهد السياسي خارج العدالة والتنمية هو الآخر يسير بما لا يتمناه سلطان اردوغان وحزبه؛ فالانتخابات المحلية الاخيرة كانت نذيراً قوياً لأروغان وضربة قاصمة لتفرده بالسلطة والحكم وخاصة بعد خسارته لإسطنبول وانقرة كبرى المدن التركية ومركز ثقلها السياسي لصالح حزب الشعب الجمهوري الذي يترأسه قلجدار اوغلو, كما أن تحالفات اردوغان هي الأخرى باتت على المحك وخاصة مع حزب الحركة القومية الذي يترأسه  دولة باخجلي فهي وليدة لالتقاء مصالح وليست نابعة من استراتيجية طويلة الامد وقد يشهد انقلابا في اي لحظة على اردوغان وخاصة مع ظهور بدائل عدة على المشهد السياسي في تركيا.

كما أن سياسات أردوغان العدائية تجاه الشعب الكردي عامة وحزب الشعوب الديمقراطية بشكل خاص كانت لها انعكاسات سلبية للغاية في تدني شعبية العدالة والتنمية واقترابه من التفكك وخاصة إذا علمنا أن الشعب الكردي ونخبه السياسية باتت تدرك جيدا مفاصل العملية السياسية ضمن تركيا وخاصة حزب الشعوب الديمقراطية الذي بات بمثابة بيضة القبان فيما يلوح بتركيا في الافق القريب من المشهد الساسي ولذلك ليس بغريب على اردوغان وحكومته وحزبه هذه الاستماتة والسعي للقضاء على الشعب الكردي سواء داخل شمال كردستان أو خارجاً في باشور وروج آفا خاصة وهذا ما يمكن ملاحظته بشكل جلي في سياسات اردوغان الدكتاتورية تجاه حزب الشعوب الديمقراطية وسعيه لإنهائه قبل أي انتخابات قادمة قد تشهدها تركيا.

أردوغان يحاول فرض سيطرته على الشعب الكردي بالقوة عبر استهداف إرادته السياسية المتمثلة بحزب الشعوب الديمقراطية حيث قام بالسيطرة على أكثر من 30 بلدية منتخبة من الشعب في شمال كردستان كما أن الاعتقالات التعسفية للسياسيين الكرد وصلت إلى ذروتها بما يقارب 18000 ألفاً بين برلماني ونيابي وسياسي كما يقدر تعداد المعتقلين  بمجرد شبهة الانتماء أو الانتساب للشعوب الديمقراطية إلى أكثر من 160000 ألفا بتهم  باتت معروفة وهي الانتماء الى تنظيم إرهابي

كما أن سياسات أردوغان الخارجية هي الأخرى أصبحت على مفترق طرق ولم يعد بإمكان حزب العدالة والتنمية إخفاء أزمته السياسية والدبلوماسية مع مختلف دول العالم فبعد أن كان شعار الحزب صفر مشاكل تحولت تركيا إلى دولة مُصدِّرة للمشاكل والارهاب نتيجة لسياسات  أردوغان وحكومته الرعناء.

وبالعودة إلى المشهد الداخلي: فما يشهده تركيا من تحولات مفصلية وخاصة بعد ظهور اتجاهات عدة معارضة لسياسات اردوغان الداخلية والخارجية ربما يحتم على حزب الشعوب الديمقراطية ان يكون أكثر يقظةً وإدراكاً لمسار التحالفات المستقبلية وخاصة وجميع تلك الاتجاهات تدرك تماما أن أي نجاح لها لن يتم إلا بكسب الصوت الكردي وما شهدناه ولمسناه  من خطاب المعارضات التركية  يظهر مدى حاجتها لكسب الارادة الكردية إلى جانبها للظفر بالسلطة أو الحكم  حيث لم يخفِ كل من داود اغولو وعلي باب جان وحتى قليجدار أوغلو وإمام اغلو عن سعيهم للتودد إلى الكرد وإن لم يكن بشكل صريح وواضح, ولكن ما يتطلب من حزب الشعوب الديمقراطية في هذه المرحلة هو الدقة في التوجه السياسي والوضوح في طلب الاستحقاقات العادلة  للشعب الكردي وعلى ضوئها يتوجب أن يتم بناء التحالفات السياسية؛  فما أقدم أردوغان على ممارسته كان معاكساً تماماً لكل ما يروج له معارضيه فهو يسعى من خلال القضاء على الشعب الكردي عامة في كسب رضا الشارع التركي القومي والديني فاستهداف شمال كردستان عبر القمع، وروج آفا عبر الاحتلال والتغيير الديمغرافي هي لعبة خطيرة لإدامة سلطته ونظام حكمه وذلك عبر توطين ملايين السوريين في هذه المناطق وتجنيسهم لاحقا كبديل عن الاصوات التي خسرها نتيجة للانشقاقات الأخيرة ضمن حزبه وضمان ضم هذه المناطق لتركيا وذلك تنفيذاً للميثاق الملي العثماني الذي يطمح اردوغان إلى تحقيقه في الشرق الاوسط وهو ما يصرح به صراحةً في جميع خطاباته ولا يخفي أطماعه في الدول العربية والدول المجاورة لتركيا كسوريا والعراق مروراً بليبيا وقبرص واليونان

ومن هنا بات إفشال مخططات اردوغان العثمانية من أكثر الاولويات التي يتوجب على الشعب الكردي عامة وشعوب المنطقة قاطبة التصدي لها ومقاومتها فهي تستهدف الوجود والسيادة والارادة السياسية لهذه الشعوب والدول وربما يُعدُّ الحراك الدولي الأخير في كلٍ من ليبيا ومصر واليونان وقبرص وارمينيا ودول الخليج باستثناء قطر وكذلك الأزمة السياسية بينها وبين أمريكا وحلف الناتو يشي ببداية النهاية لحكم اردوغان ودكتاتوريه.

زر الذهاب إلى الأعلى