مانشيتمقالات

هل يلدغ الكرد من جحرٍ مرتين

حسين فقه
الكرد يقتلون بسلاح امريكي وأوروبي على ايدي الأترك، الكرد يقتلون بانتهازية روسية لضمان لم شمل الحبيبين أردوغان والأسد واحتضان مافاتهما من شهر العسل الذي قاطعه الربيع العربي المزعوم والذي فتح شهية أردوغان لضم سوريا الى حضنه بدل الاكتفاء بضم الأسد.
الكرد وحدوا العرب في حطين ووحدوا الصفويين الايرانيين والعثمانيين الأترك وانضم اليهم العروبيون بعد تخليهم عن حطين، ليلتقوا رغم تنافر الأجندات، على مأدبة كانوا هم أي “الكرد” فيها المأدبة.
عندما يتم على الكرد المقامرة لدخول السويد وفنلدا للناتو وينتظر الراعي الأمريكي توقيع اردوغان على هذا الانضمام وفي سبيل ذلك يطلي قبة البيت الأبيض بكل ألوان الزيف وغض الطرف عن موبقات أردوغان. بينما الدب السلافي مازال يحلب أردوغان عن آخره لاعادته لحضن الأسد وبيعه الـ S 400 وضمان اتفاقية الحبوب في اوكرانيا ولاستمرار بوتين بمشروعه التوسعي بضم أراضي اوكرانية، مما أيقظ نَهَمَ أردوغان على الحلم العثماني القديم الجديد محاولاً قضم ما يستطيع من تفاحة الكرد.
كل الخرائط يعاد ترسيمها بالدم الكردي وبشخطة قلم بلا مسطرة أخلاقية وبقرارات لا يحتاج اتخاذها الا لاعداد الخطة واقرارها في لحظات. الا خارطة الكرد على هذه البسيطة فانها مقدسة وانزال الهي لا يمسه أحد حتى المطهرون، فتبقى جرة قلم سايكس وبيكو راسخة في تاريخ مزور يحكم رقعة العالم حتى اللحظة، وتبقى معاهدة سيفر منسية تحت أطنان من غبار المصالح السياسية وبازارات القوى العظمى، ولتستمر مساومات لوزان محفورة في كردستان كوسم بصلب محمَّى في الجحيم لا تشفيه حتى سيول دماء الكرد الممتزجة بهذه الأرض حتى بات كل ينبوع ينضح بالكردي كل لحظة ليعيد التاريخ نفسه وينتفض الكردي من جديد.
فهل ينبغي للكردي أن يتجرع أكثر ويلدغ من الجحر ذاته مرتين؟. سؤال قد يبدو مجحفاً اذا ما افترضنا أن الكرد يعرضون نفسهم للاخفاقات بشكل متعمد، ولكنه قد يبدو تراجيدياً ويحتاج الى اجابة اذا ما أمعنا في المخططات والمصالح الدولية والاقليمية التي تحكم سياسات الدول والقوى العظمى التي ترسم مصائر الأمم والشعوب وفقاً لرغباتها ومصالحها، وتسلِّط بالتناسب مع تلك المصالح، أدوات ديكتاتورية على رقاب شعوب مقهورة. وتكمن المشكلة في أن المنعطفات التاريخية للقضية الكردية كانت تتزامن مع مصالح دولية أكثر وطأة، فتعود تلك القضية الى رفوف المحافل الدولية لتطمئن الديكتاتوريات الغاصبة لكردستان اعتقاداً منها أن الغبار التاريخي سيعلو تلك القضية، ليستيقظوا بعد برهة من حلمهم ليجدوا الطائر الكردي وهو يخرج من تحت الرماد باصرار ونضج أكثر من ذي قبل، والناجع لدى هذا الكردي أنه لم ولا ينسى تاريخه وتمسك بأرضه ولغته وثقافته وهويته رغم محاولات الصهر والطمس والابادة.
من نافل القول وكما هو بادٍ للعيان في السنوات الأخيرة أن الكرد في غرب وشمال وشرق وجنوب كردستان هم في الصفوف الأولى بمحاربة الارهاب، وانتصروا عليه، وهم في طليعة المقاومة ضد طغيان وجبروت الأنظمة الحاكمة، وعلى عكس مدعي ما يسمى “الربيع العربي” كانوا رواد المناضلين من أجل الحرية والديمقراطية والتعايش، وهذا ما يغضب المناوئين ويفشل السيَر التي يحاولون الباسها للذات الكردية وتاريخها وشخصيتها، ولذلك تراهم يتهافتون على المنصات ووسائل التواصل الاجتماعي ليصبح كل منهم محللاً استراتيجياً ومؤرخاً وفيلسوفاً مختصاً ليعيد تشكيل التاريخ والتحليل السياسي والاستراتيجيا والفلسفة والاختصاص على هواه وهوى مشغليه.
واذا كان الانتصار يعني معرفة العدو بشكل جيد فالكرد يعرفون عدوهم أكثر مما يعرف العدو نفسه، “ثقافته لغته تاريخه وأطماعه”، يبقى أن تجيَّر هذه المعرفة برصانة وأخلاق وانسانية تميز بها الكردي دائماً، لتحقيق الانتصار.

زر الذهاب إلى الأعلى