مقالات

هجرة العظماء

بقلم بدران حمو

إن جغرافيَّة ميزوبوتاميا هي مهد الحضارات والإنسانية الأولى، فكانت المجموعات البشرية فيها تعيش بأمن وسلام واستقرار، ولكن ظهور بعض الذهنيات قد أثرت على تلك الروح الطوعية في العيش المشترك في ما بين تلك المجموعات، وأدت إلى ظهور تناقضات حول المعتقدات والمقدسات وبالأخص في الفترة المسماة بعصر الآلهة وطغيان ذهنية الأناوحدية التي تمأسست على خلفية ذهنية التملُك. وبظهور الآلهة الملوك قد تغير الطابع التكويني للمجتمعات، لذلك ومع تفاقم وتعاظم التفسخ الاجتماعي على كافة المستويات الثقافية والدينية خصوصاً على مستوى العقيدة الدينية؛ تشكلت لكل مجموعة عقيدتها الخاصة بها، وقد وصلت إلى الإيمان بما صنعه الإنسان بيديه من أصنام على أنها آلهة تخلق وتسيِّر الحياة كيفما تشاء. وما ظهور الأنبياء إلا من خلال تلك الخلفية من التناقضات في المعتقدات ووقوف سيدنا “إبراهيم الخليل” في وجه النماردة وتحطيمه للأصنام من أجل تغيير ذهنية المجتمع وقتذاك، مما اضطر للهجرة من أول مدينة على وجه الأرض باتجاه شبه الجزيرة العربية من أجل توحيد (الله) ورفعه إلى السماء، وكانت تلك الانطلاقة لتغيير قبلة البشرية كسوق تجاري والارتباط بمعتقدات أطلقها الكهنة حول المعابد وجعلها سوق تجارية وأصبحت فيما بعد هي أساساً لجميع الأنبياء وقد نهجوا وسلكوا النهج نفسه في الهجرة من ظلم واضطهاد الحكام والمتسلطين، وما هجرة “موسى عليه السلام” إلا لإعلاء كلمة الحق وكذلك هجرة “عيسى عليه السلام” ووقوفه في وجه أباطرة “روم بيزنطة” إلا من أجل الشأن نفسه وصولاً إلى خاتم الأنبياء “محمد ص” الذي اضطر من ظلم واضطهاد وبطش قريش للهجرة من مكة إلى يثرب. وفي العصر الحديث “عصر الحداثة الرأسمالية” خير مثال على متابعة درب الأنبياء والرسل الأسلاف هو القائد “عبدالله أوجلان” الذي رأت الرسمالية بل الإمبريالية المتمثلة بإنكلترا في نهجه خطراً محدقاً بالأيديولوجية الاستعمارية وهيمنتها، فعملت على تخطيط مؤامرة عبر شبكاتها القذرة وبمساندة ودعم الدول القوموية في المنطقة للعمل على اعتقاله كي لا ينتشر فكره وفلسفته في العالم ومنطقة الشرق الأوسط؛ لأن في اطروحة مشروع الأمة الديمقراطية خلاص لجميع الشعوب في المنطقة والعالم كله، وهكذا نرى بأن الأنبياء والعظماء الذين يعملون من أجل حرية الشعوب يُجبرون على الهجرة والخروج من بلدانهم ومناطقهم وذلك ظناً من القوى المهيمنة أنه بذلك سوف يتم فصل الرأس عن الجسد، ولكن سوف تستمر الأيديولوجية التي أطلقها القائد “APO” لترسيخ مبدأ التعايش المشترك بين جميع المكونات والأطياف والأعراق والمذاهب تحت سقف الأمة الديمقراطية، وستهنأ هذه المكونات بالأمن والاستقرار والسلام، وهكذا فإن هذه المنطقة ــ مهد الأنبياء والقيادات التاريخية ــ ستعيد الكرَّة من أجل حل المشكلات التي تعيق عيش الإنسانية برفاهية، ولذلك في هذا العصر، عصر التناحر من أجل المصالح الذاتية، سوف تقوم فلسفة القائد “APO” بتحطيم تلك المفاهيم من خلال مشروع الأمة الديمقراطية المبني على أساس أخوَّة الشعوب والأمم والتعايش المشترك.

نعم كما في السابق كان لكل مرحلة عصرها الذهبي فإن التاريخ يعيد نفسه من خلال تجديد ذهنية القرن الواحد والعشرين، وسوف يكون عصر حرية الشعوب وخلاصها من الاستبداد والاضطهاد وظلم الديكتاتوريين والحكام المتسلطين وتحطيم القوى المهيمنة وعلى رأسها الإمبريالية.

زر الذهاب إلى الأعلى