ثقافةمانشيت

نبذة في نتاج الأدب الكردي في دول السوفييت القديمة

نبذة في جغرافية منطقة كردستان السوفيتية:

– تتحدث مجلة القافلة العدد2/1993 عن موسوعة (كييه) الفرنسية والتي كتبت في مخطوطة لها عن كردستان أنها (مقاطعة في جمهورية أذربيجان السوفيتية مساحتها (35340) كيلو متراً مربعاً، العاصمة قرية لاتشين، وحدود منطقة كردستان السوفيتية من الشمال إلى الجنوب تمر بالمناطق التالية (كل بازار، لاجين، كوباتلين وقسم من إقليم دجرنزار). وحدود شمال كردستان عبارة عن سلسلة جبال مورفداكس وتتحد في منطقة كاندرانسكي ومحاذاة جبال كانكورو وألانكرزسكي، ومنطقة (نور بايزه) في أرمينيا السوفيتية هي حدود كردستان. وفي الجنوب الغربي تمتد حدود كردستان من منطقة ارورود رلكسكي وزنكزور في أرمينيا السوفيتية وتستمر هذه الحدود في الجنوب الغربي بمحاذاة نهر (اكه را) إلى أن يصب فرع نهر ميخالييف في نهر (اكه را). وحدود كردستان من الجنوب الشرقي، ناكورنو قره باغ وبالذات في المناطق التي يصب فيها نهر ميخالييف في نهر (اكه را) قرب جبل موروفدكسلس. أما الأقسام الجنوبية من كردستان فهي عبارة عن منطقة كوباتكسي على حدود منطقة (نزمين) وتستمر بمحاذاة نهر اراس).

يقسم “ي. بجيلينا” منطقة كردستان السوفيتية إلى ثلاث مناطق جغرافية(18):

القسم الأول: أطراف نهر اراس، وهي منطقة سهلية ذات إنتاج زراعي جيد مثل الرز والقطن وتصلح في الشتاء كمراع للمواشي التي تنحدر من المشاتي القرية.

القسم الثاني: سفوح الجبال وتشمل العديد من المراعي والمراتع إلى جانب الأراضي الصالحة للزراعة.

القسم الثالث: الجبال التي يبقى فيها القليل من السكان أثناء الشتاء لكنها تتحول إلى مصايف ومراع لماشية المنطقة كلها في الصيف. ويتحدث بجيلينا عن سفوح الجبال التي قصدتها البعثة الاركولوجية في رحلتها لكردستان السوفيتية عام 1924 فيقول: أنها منطقة ذات جبال جافة وجرداء تتخللها كهوف كثيرة متصلة أو منفردة ذات مداخل مظلمة وكثيرة. بعض الكهوف تستخدم كسكن وبعضها الآخر يستخدم لإيواء الماشية.

عن الأدب والفن الكردي:

احتاز الأدب فسحة بارزة في حياة المجتمع الكردي الذين كانوا يعيشون في دول الاتحاد السوفيتي القديمة خاصة في أرمينيا، وبالرغم من عددهم القليل نسبياً فقد استطاعت المجتمعات الكردية السوفيتية إن صح التعبير أن ينتجوا أدباً خاصاً بهم وأثرو المكتبة الكردية بنتاجاتهم الأدبية خاصة في مجال الرواية والتاريخ والثقافة الكردية، وعدّ بمثابة قفزة مهمة في الثقافة والفن الكردي.

في أرمينيا كان الكرد يتمتعون بكل حقوقهم الثقافية وكنتيجة للعلاقات التاريخية القديمة بين الشعبين فقد أثرت هذه العلاقة في إنتاج أدبٍ مشترك كان للأرمن دورٌ بارز في إنتاجه، فقد كان للكرد مدارسهم وصحافتهم ودور نشر لطباعة النتاجات الأدبية والفكرية والثقافية ومحطاتهم الإذاعية، كذلك فقد طوروا أبجدية خاصة بهم وبالفعل أجروا تغييرات على الأبجدية الأرمينية وتم تبنيها للاستخدام في المدارس الكردية في أرمينيا وجورجيا ابتداء من عام 1922.

وخلال عامي 1928-1929 تم إنجاز أبجدية رومانية (لاتينية) طورها كلٌّ من “ي. ماراغلوف” و الروائي عربِ شمو (Erebê Şemo)، بشكل رسمي في عام 1933.

في دول الاتحاد السوفييتي تم التغلب على الأمية بين الكرد، الذين كانوا في غالبيتهم من الكرد الإيزيدين الذين هجروا من أراضيهم  على يد العثمانيين والدولة التركية فيما بعد واضطرا البعض منهم فيما بعد للهجرة إلى روسيا نتيجة الصراع بين أذربيجان وقره باغ.

نخبة من المثقفين الكرد ظهروا في تلك الفترة أي القرن العشرون. وبفضل فعالية أكاديميين من أمثال فريجمان وأوربلي، الذي كان أستاذ الدراسات الكردية في لينين غراد (1914-1935) تطورت الدراسات الكردية هناك وأيضاً في موسكو ويريفان وباكو، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.

لا شك بأن الشعراء وكتّاب النثر وغالبية المثقفين الكرد تأثروا بالأدب الروسي والأرمني، كما تأثرهم بالفكر الشيوعي الماركسي الليليني، وكانوا معجبين بأفكار رواد الحركة الاشتراكية ولذلك كانوا ينظمون أنفسهم ضمن الأحزاب والتيارات اليسارية والتقدمية في تلك البلدان، غالبيتهم  تلقوا تعليمهم ذاتياً، كذلك تأثروا بالأدب الأرميني والروسي وكانت أعمالهم ملتزمة سياسياً إلى حداً ما. نذكر البعض من هؤلاء (أمين عفدال 1906- 1964، وحجي جندي 1909- 1990، والشاعر جاسم جليل 1908- 1998، والمؤرخ الكردي جليلي جليل، وعرب شمو، ونشر العديد من هؤلاء أعمالهم ومقالاتهم في مجلة Riya Taze (الطريق الجديدة) التي كانت تصدر في يريفان مرتين في الأسبوع اعتباراً من عام 1930وكذلك نشروا نتاجاتهم في عددٍ من الكراسات (الكتيبات). اشتُهِر هؤلاء الكتاب لأن أعمالهم وأسماءهم نُشِرت في “Almanac of Kurdish Soviet Writers” قسم المخطوطات  الكردية ضمن الموسوعة “انطولوجيا” السوفياتية، بالإضافة إلى انطولوجيات أخرى.

كرس حجي جندي والذي ترأس قسم الاستشراق الكردي في الأكاديمية العلمية الأرمنية عام 1959 واستمر بالتدريس فيها حتى عام 1968 حيث فتح قسم الآداب الكردية في جامعة ييريفان وأصبح بروفسوراً محاضراً حول اللغة الكردية فيها وبقي فيها  حتى وفاته، خصص جزءاً كبيراً من حياته لجمع ونشر نصوص من التراث الكردي، وكتب أول مسرحية بعنوان “علبة الأدوية” (1932Qutiya dermana) ورواية “النداء” (Hawarî) التي نشرت في عام1967.

وفي عام 1935 كتب الشاعر وزير نادر1911- 1947-  مسرحية بعنوان “خطف الزوجة” (Reva Jin)، كذلك كتب قصيدة ملحمية طويلة بعنوان Nado û Gulizer.

الأدب الكردي في الاتحاد السوفياتي دخل مرحلة جديدة مع الروائي والأديب الكبير الذي قابل لينين عرب شمو 1897-1979،  في روايته “الراعي الكردي” والتي كتبها باللغة الروسية عام 1931 بدأت ملامح الرواية الكردية ترتسم وكذلك في رواية سيرة ذاتية باللغة الكردية بعنوان   Şivana Kurmancaنشرها في يريفان سنة 1935. أخذ الكاتب العمل نفسه وأضاف إليه وأعاد نشره عام 1958 بعنوان “الفجر” (Berbang). فقد وصف بأسلوب شاعري وفني تفاصيل الحياة اليومية لطفولته كراع كذلك في وصف حياة البداوة. وكذلك يسرد سيرته، بعد أن أصبح شيوعياً، كيف رأى الحرب خلال الثورة السوفيتية سنة 1917.

غداة الحرب العالمية الثانية أسفرت جهود السلطات السوفيتية لتوحيد الاتحاد السوفيتي والترويج للشعور القومي لتبنّي الأبجدية السيريلية (Cyrillic) بدلاً من عدد من الأبجديات المتعددة التي ظهرت في تلك البلدان ومن ضمنها الأبجدية الكردية المستندة إلى الأبجدية اللاتينية. بدأت الصحافة ودور النشر والمدارس الكردية باستخدام الأبجدية السيريلية منذ ذلك الوقت.

وتحتفي رواية Dimdim لعرب شمو والتي كتبها في يريفان سنة 1966 والمبنية على القصيدة الملحمية الشهيرة قصيدة قلعة دمدم، بالدفاع البطولي لأمير برادوست “الخان ذو الذراع الذهبية” عن القلعة في أوائل القرن السابع عشر في وجه الغزو الصفوي عن قلعة دمدم التي كانت يحكمها أمير برادوست.

وللكاتب روايات عديدة منها رواية “الحياة السعيدة” 1959(Jiyiana Bextewar) وكذلك تتمتها رواية (Hopo)، وتصف كلتا الروايتين حياة الكرد في ظل النظام السوفيتي وأُعيد نشرهما ضمن مجموعته Berevok (المجموعة) في يريفان سنة 1969.

كما نشر سَمندِ سيابندوف 1909- 1998 ملحمته الرومانسية الشعبية الرائعة “سيابند وخجى” عام 1959.

ونُشِر كتاب “مذكراتي” (Bîranînêd min) للروائي أحمد ميرازي 1899- 1961بعد وفاته في يريفان سنة 1966.

كذلك كتب الروائي علي عبد الرحمن عدداً من الروايات من بينها “قرية الشجعان” (Gundê Mêrxasa) و “الحرب في الجبال” (Şer Ciyada) اللتان نشرتا في عامي 1968 و1989.

وفي عام 1961 نُشر للكاتب يوسف بكو مجموعة شعرية بعنوان “قوس وقزح” (Keskesor).

كذلك نشر أمين عفدال كتاباً باللغة الأرمنية بعنوان “عادات الكرد في ترانسكوكاسيا” في عام 1975يقارن فيه الموقع والامتداد الكردي قبل وبعد النظام السوفيتي. أما الكاتب إسماعيل دوكو (المولود عام 1930) فقد نُشِر له كتابه “زواج بدون حب” (Zewacê bê dil). كذلك فقد جمع اتار شيرو 1901- 1970 قصائده  في مجموعة بعنوان “شعر” (Şiyer) يتحدث فيها عن  وضع وأحوال الكرد تحت حكم العثمانيين.

إلى جانب ذلك قامت Behara Taze “الربيع االرواد” وهي مجلة أدبية سنوية كانت تصدر في يريفان بين عامي 1980-1990(بنشر القصائد والقصص القصيرة وحتى الروايات لكتّاب الجيل الثاني أمثال: أَمَرِيكهِ سَردار Emerîkê Serdar الذي كان محرر للمجلة، ووزير أشو (Wezîrê EŞo)، والكاتب المسرحي عزيز كردن زياري (Ezîzê Gerdenzyiari), المولود عام 1945.

أما الدكتور جليلي جليل الذي واصل مسيرة الرواد فيعتبر من مؤرخي التاريخ الكردي وباحث كردي ويعمل حالياً أستاذاً للكوردولوجيا في جامعة فيينا. وقد أسهم (خلال أربعين عاماً من الجهد العلمي المتواصل وعبر العديد من الكتب وعشرات البحوث والدراسات الجادة المنشورة باللغات الكردية والأرمنية والروسية) في دراسة وتوثيق مراحل وأحداث مهمة من تاريخ الكرد الحديث وفي تحقيق ونشر روائع التراث الإبداعي الشفاهي الكردي.

كذلك الدكتور أورديخان جليل الذي جمع الأدب والنشاطات الأدبية ونشر التراث الكردي بشقيه الشفاهي والمدون, كذلك شقيقته جميلة جليل الموسيقية التي بذلت جهوداً كبيرة في جمع وإحياء الألحان الكردية الشعبية ووضع النوتات الموسيقية لها ونشرها.

كما كان للمرأة دورها في المجال الأدبي والنشاطات الأدبية. كسيما سمند ((Sîma Semend المولودة عام 1935، وخبران ساران، وكذلك ظهرت أعمال الشاعرة هنارا تاجين (Hinara Tajin) في العدد الرابع من مجلة “الربيع الجديد”. ونُشِرت للكاتبة توسِنِ رشيد (Tosinê Reşit المولودة عام 1941) وعَسكر بوييك (Eskerê Boyik المولودة عام 1941) مسرحيات عديدة منها:

((Siyabend û Xecê و(Mem û Zîn) عن دارRoja Nû (اليوم الجديد) للنشر في ستوكهولم بين عامي 1988-1989.

حقيقة إن ذلك الجزء الصغير من الشعب الكردي الذي يعيش على هامش حدود كردستان الشمالية الشرقية منذ فترة تاريخية طويلة والذي أخذ يتزايد باضطراد طوال القرون الثلاثة الأخيرة بسبب الهجرة من أجزاء كردستان الأخرى وبخاصة من شمال كردستان وتركيا، فأن عدداً لا بأس بهم من المثقفين الكرد (الذين ترعرعوا في هذا الجزء خلال مرحلة السوفييت النظام) لهم باع طويل في الثقافة والفن الكردي.

والجدير بالذكر إن الأهمية الاستراتيجية البالغة لكردستان من الناحيتين العسكرية والسياسية ووقوعها على مقربة من حدود الامبراطورية الروسية، دفعت بالنظام القيصري إلى الاهتمام بكردستان وشعبها، من هنا فقد كان للمستشرقين الروس دورٌ بارز في دراسة التاريخ والآدب الكردي ولأكاديمية العلوم الروسية ومعهد الاستشراق الروسي السوفييتي دورٌ بارز في هذا المجال. وبمضي الزمن أصبحت المكتبة الروسية زاخرة بالكتب والمخطوطات والدراسات والأبحاث والتقارير التي أعدها المستشرقون والباحثون حول الشعب الكردي ووطنه، واستمر هذا الاهتمام طيلة العهد السوفيتي بين مد وجزر، إلى قيام ثورة 14 تموز في العراق عندما شهدت الدراسات الكردية في الاتحاد السوفيتي (السابق) انتعاشاً كبيراً لم يسبق له مثيل وتشير الاحصائيات إلى إن مجموع (الدراسات الكردية) – ونعني بالدراسات هنا مجازاً، كل ما نشر عن الكرد من مقالات وأبحاث وكتب.. الخ – المنشورة في بلدان العالم المختلفة وبضمنها العراق وايران وسوريا قد بلغ لغاية سنة 1963(وهي سنة صدور البيبلوغرافية الموسعة للدراسات الكردية (2690 ) نتاجاً بلغ نصيب روسيا القيصرية ومن ثم جمهوريات الاتحاد السوفيتي من هذه الدراسات (1634) نتاجاً أي حوالي ثلثي ما كتب حول الكرد في العالم كله حسب (ذ. موسيليان <بيبلوغرافيا الدراسات الكردية> باللغة الروسية، دار نشر الآداب الشرقية، موسكو، 1963). لذا فإن أولى المحاولات لوضع أبجدية خاصة باللغة الكردية تمت في أرمينيا – التي كانت تابعة لروسيا القيصرية وتعيش فيها أكبر مجموعة كردية في ما وراء القفقاس – وباستخدام الحروف الأرمنية وذلك في منتصف القرن التاسع عشر.

لكن هذه الأبجدية لم تتوافق مع اللغة الكردية لاختلاف الأصوات الكردية عن الأصوات الأرمنية. وعلى إثر ذلك فقد قام المستشرق الروسي بيوتر ليرخ (والذى يعد أحد مؤسسي الكردولوجيا في روسيا) بمحاولة لوضع أبجدية لاتينية للغة الكردية ولكن محاولته لم تلق النجاح، ليس لأنه كان أجنبياً يصعب عليه ضبط وتثبيت الأصوات الكردية، بل لأن النظام القيصري لم يكن يبدي اهتماماً كبيراً بكُرد الداخل، بقدر اهتمامه بكرد الخارج وبمصالحه. فقبيل الحرب العالمية الأولى كانت ثمة عدد من المدارس الروسية في المناطق الكردية في أرمينيا ولكن هذه المدارس أغلقت أبوابها خلال سنوات الحرب وإبان ثورة اكتوبر 1917.

 كذلك فقد كان لـ(ل. زاكورسكي محاولات من هذا القبيل (الأبجديات القفقاسية)، (( نشرة الجمعية الجغرافية الروسية – فرع القفقاس، 1887م، المجلد التاسع، الملحق 1 ص1 -32 مقالٌ يستعرض المحاولات الفاشلة لاستخدام الحروف الأرمنية للكتابة الكردية).

بدورهم قام البلاشفة وابتداء من عام 1920 بإنشاء عدة مدارس كردية كانت لغة التدريس فيها هي اللغة الكردية لأول مرة في التاريخ الكردي الحديث. أما الأبجدية المستخدمة في التدريس فكانت الأبجدية الكردية.

حقيقة لايزال الكرد في روسيا وأرمينيا وأذربيجان مستمرين على خطى رواد الأدب والفن الكردي الأوائل، بالرغم من ظروف المرحلة الراهنة.

اعداد: دوست ميرخان

زر الذهاب إلى الأعلى