الأخبارالعالممانشيت

ناشيونال انترست: المرتزقة السوريون سلاح تركيا لتعزيز مصالحها

في مقالة له على موقع ناشيونال إنترست الأمريكي أوضح المسؤول السابق في البنتاغون(مايكل روبن) بأن مشكلة الميليشيات السورية التابعة لتركيا ليست مجرد مشكلة عسكرية, وأن الاعتماد على القوات المدعومة من تركيا يأتي بتكاليف سياسية ودبلوماسية خطيرة.

وهذا نص المقالة:

 أصبحت الميليشيات السورية المدعومة من تركيا تتواجد بشكل متزايد في مسارح العمليات والمعارك، من ليبيا إلى سوريا إلى أرمينيا, ورغم زعم الدبلوماسيين الأتراك بأن هذه الميليشيات هي حلفاء لتركيا في القتال ضد تنظيم داعش إلا أن هذه الميليشيات تضم قدامى محاربي (داعش) ومهمتها تعزيز مصالح تركيا في جميع أنحاء المنطقة.

على سبيل المثال فقد حدد مركز روج آفا للمعلومات أسماء العشرات من قدامى مقاتلي تنظيم داعش الذين يعملون الآن مع الفصائل المدعومة من تركيا, وقامت بعمليات تطهير عرقي واختطفت النساء والفتيات وسعت إلى زعزعة النظام الاجتماعي وتغييره, مع تهجير السكان الكرد المحليين وتوطين العرب من أماكن أخرى في سوريا مكانهم، ومهدوا الطريق لعقود من الصراع وعدم الاستقرار.

وتدفع ليبيا الآن أيضاً ثمن دعوة حكومتها المعترف بها من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة للقوات المدعومة من تركيا, ففي 16 سبتمبر 2020  فاجأ رئيس الوزراء الليبي (فايز السراج) الليبيين والمجتمع الدولي عندما أعلن عزمه على الاستقالة حيث قال آنذاك:

 أعلن رغبتي الصادقة في تسليم واجباتي للسلطة التنفيذية المقبلة في موعد أقصاه نهاية أكتوبر، على أمل أن تنهي لجنة الحوار عملها وتختار مجلساً رئاسياً جديداً ورئيساً للوزراء لتسلم المسؤوليات, وأتمنى لهم التوفيق في القيام بذلك.

جاءت خطوة السراج بعد أشهر فقط من توقيعه اتفاقية بمليارات الدولارات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليس فقط لمنح امتياز لشركات الطاقة التركية في سوق النفط الليبية، ولكن أيضاً للترحيب بالدعم التركي في قتاله ضد (خليفة حفتر) الجنرال الذي يسيطر على معظم شرق ليبيا ويتمتع بدعم كل من مصر والإمارات العربية المتحدة, وقد ساعد تدفق المعدات العسكرية التركية والميليشيات السورية التابعة لتركيا والتي تضم في صفوفها مقاتلين قدامى من تنظيم داعش والجماعات المرتبطة بالقاعدة في إنقاذ السراج بعد أن أمر حفتر قواته بالزحف إلى طرابلس، لكن سرعان ما أدرك السراج التكلفة الحقيقية للاعتماد على الدعم التركي.

 المرتزقة: بمجرد دخول مرتزقة تركيا السوريين إلى ساحة المعركة رفضوا المغادرة, فقام السراج بزيارة غير معلنة لإسطنبول في 4 أكتوبر للاجتماع مباشرة مع أردوغان لحل هذه المشكلة، لكن الضرر قد حدث بالفعل, لقد جعل السراج ليبيا فعلياً تابعةً لتركيا بعد 109 سنوات من انتهاء السيطرة العثمانية في ليبيا.

يرى الليبيون والمجتمع الدولي الآن الثمن الدبلوماسي الذي سيدفعونه لعدم قيامهم بمزيد من الجهود لمنع تدفق الميليشيات المدعومة من تركيا إلى ليبيا, في 23 أكتوبر 2020 وبعد خمسة أيام من محادثات السلام في جنيف، وقع الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي التابع للقيادة العامة للقوات المسلحة على اتفاق لوقف إطلاق نار كامل ودائم في ليبيا, وأوضح السراج بأن اتفاق وقف إطلاق النار الدائم يمنع إراقة المزيد من الدماء ويخفف من معاناة المواطنين, ويمهد الطريق لنجاح مسارات الحوار الاقتصادي والسياسي الأخرى.

لكن أردوغان لم يوافق على ذلك, حيث قال:

اتفاق وقف إطلاق النار اليوم لم يتم في الواقع على أعلى مستوى, ويبدو لي أنه يفتقر إلى المصداقية, وبعبارة أخرى يعتبر أردوغان الآن نفسه وليس السراج هو المتحكم بمستقبل ليبيا, بينما ألغى السراج قرار استقالته يرى العديد من الليبيين الآن أن أردوغان هو العائق الرئيسي أمام المصالحة.

عملت الميليشيات السورية المدعومة من تركيا أيضاً على تقويض الجهود المبذولة لتحقيق وقف إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان في استمرار القتال حول منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها, في 3 نوفمبر قدر وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) أن تركيا ارسلت 2000 مرتزق إلى القتال هناك، وهو رقم يتفق مع تقديرات الولايات المتحدة, ولأن الصراع أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من الأرمن وربما المزيد من الأذريين على مدى عقود، فإن لدى كل من أرمينيا وأذربيجان حوافز للتوصل إلى اتفاق سلام, ولا يقتصر الأمر على إعاقة المرتزقة السوريين للحلول الدبلوماسية الآن, وتقليل احتمالية إدراك باكو بأنها لا تستطيع تحقيق نصر عسكري، ولكنهم يمنحون أردوغان أيضاً حق النقض (الفيتو) الفعال على أية اتفاقيات سلام محلية في المستقبل.

 وبمجرد إرسالهم إلى أية المنطقة، سيكون من الصعب على المجتمع الدولي إجبارهم على المغادرة, مثلما أدرك السراج أن المكاسب العسكرية القصيرة المدى التي تم تحقيقها من خلال استخدام المرتزقة السوريين المدعومين من تركيا ستأتي بثمن باهظ لاستقلاله السياسي، كذلك سيتعلم الديكتاتور الأذربيجاني (إلهام علييف) قريباً بأن قدامى مقاتلي داعش والقاعدة الذين أرسلهم أردوغان سيقيدون المستقبل كله.

لفهم مدى خطورة مشكلة الميليشيات السورية التابعة لتركيا والأهداف الديموغرافية لأردوغان، لا يحتاج الدبلوماسيون والمحللون للنظر إلى أبعد من قبرص, لقد مر الآن أكثر من خمسة وأربعين عاماً منذ غزت القوات التركية قبرص وشنت حملة تطهير عرقي تركت ثلث الجزيرة تحت السيطرة التركية, ربما كان عكس ذلك ممكناً منذ عشرات السنين, فقد كان سبب الغزو التركي الأولي هو الخوف من أن المجلس العسكري اليوناني سعى إلى الاتحاد مع قبرص, وقد أنهى انسحاب ذلك المجلس العسكري في غضون أيام واعتناق اليونان للديمقراطية هذا التهديد, ومع ذلك فإن تدفق المستوطنين الأتراك إلى قبرص قوض إمكانية التوصل إلى حل, فالقبارصة الأتراك كانوا تقليدياً أكثر اعتدالاً في ممارساتهم الدينية وأكثر استعداداً للتصالح مع نظرائهم اليونانيين من الوافدين الجدد, وبعد عقدٍ من الزمان كان المستوطنون الأتراك يشكلون ربما نصف سكان شمال قبرص, ويرفض أردوغان التفكير في إعادتهم إلى الوطن, مما يجعلهم ربما أكبر عائق أمام أي حل سلمي لإنهاء الصراع في الجزيرة الذي دام ما يقرب من خمسة عقود, ومن المسلّم به أن مشكلة المستوطنين الأتراك بدأت قبل فترة طويلة من تولي أردوغان منصبه، لكنها تقدم لمحة حول كيف أن (السياسة التركية الحالية في التغيير الديمغرافي) تمنع السلام بعد عقود من انتهاء الأعمال العدائية المفتوحة.

بالعودة إلى الحاضر, تستخدم تركيا الآن وكلاء إسلاميين لشن حرب في سوريا وليبيا وناغورنو كاراباخ ، وتتجاهل الدول والدبلوماسيون وجودهم باعتباره مشكلة عسكرية, ولا ينبغي ذلك, فهم العائق الرئيسي أمام الدبلوماسية, وعلى هذا النحو فإن أية حكومة تقبل بالمرتزقة التابعين لتركيا على أراضيها يجب أن تفقد تلقائياً الدعم الدبلوماسي، وتتعرض لعقوبات، وربما حتى تخضع لتصنيف دولة راعية مستقبلية للإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى