الأخبارالعالممانشيت

ناشيونال إنترست: قمع تركيا للمعارضة الكردية هو اختبار لسياسة بايدن

دعت الباحثة الأمريكية (ميغان بوديت) إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن (الذي صبغ حملته الانتخابية بمبادئ الديمقراطية وتقبل الرأي الآخر) إلى الوقوف بوجه سياسة أردوغان الاستبدادية تجاه معارضيه, وعدم السماح له بإبطال أصوات الملايين من المواطنين في تركيا الذين دعموا صلاح الدين دميرتاش وليلى غوفين ومسؤولي حزب الشعوب الديمقراطية على كل مستوى من مستويات الحكومة.

وجاءت هذه الدعوة في مقالة لـ(ميغان بوديت) على موقع ناشيونال إنترست, وهذا نص المقالة:

في 21 كانون الأول صدر حُكمٌ على (ليلى غوفين) النائبة السابقة  في البرلمان التركي عن حزب الشعوب الديمقراطية HDP بالسجن لمدة 22 عاماً، والتي كانت قد فازت بمقعدها في البرلمان عام 2018 بعد حصولها على ما يقرب من 75٪ من الأصوات،

وسبب تلفيق الاتهام لها كان الخطاب الذي ألقته غوفين عام 2018 ضد الغزو التركي لعفرين الذي شرد مئات الآلاف من المدنيين، وأخضع المدنيين هناك لحكم الميليشيات المتطرفة الوحشية.

بعد يوم واحد من صدور الحكم بحقها قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأنه يجب على تركيا الإفراج الفوري عن الرئيس المشترك السابق لحزب الشعوب الديمقراطية والمرشح الرئاسي (صلاح الدين دميرتاس)، الذي يقبع في السجن منذ عام 2016 بتهم مسيسة بنفس القدر.

هاجم كبار المسؤولين الحكوميين الأتراك حكم المحكمة الأوروبية على الفور، وكرروا وجهة نظرهم الهزلية القائلة بأن دميرتاش(الذي هو محامي في مجال حقوق الإنسان يُعرف بمناصرته لحل سلمي للقضية الكردية في تركيا) هو إرهابي, ورفضت الحكومة التركية طلب الإفراج عنه، وتم تقديم اتهامات جديدة ضده, وكل ذلك بسبب انتقاده تقاعس تركيا ضد داعش إبّان حصار كوباني، وهو رأيٌ شاركه فيه التحالف المناهض لداعش بقيادة الولايات المتحدة في ذلك الوقت.

من خلال شن هجمات جديدة على اثنين من المسؤولين المنتخبين من الشعب في تركيا, واللذين واجها الكثير من القمع السياسي بسبب دعوتهما إلى السلام والديمقراطية وحقوق الكرد، يختبر أردوغان مدى التزام إدارة بايدن القادمة بالقيم الديمقراطية والأعراف الدولية, وحتى الآن فشلت في هذا الاختبار على الرغم من إظهاره مدى استعداده لمناقشة قضايا السجناء السياسيين في جميع أنحاء العالم خلال حملته الانتخابية, وانتقاده غير المباشر لاستبداد واضطهاد أردوغان للكرد، إلا أن بايدن نفسه لم يقل كلمة واحدة عن ديميرتاش أو غوفين.

وقد أظهر بايدن باختياره ل(جيك سوليفان) كي يشغل منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي مدى قلقه إزاء الاعتقالات الجائرة المماثلة لحالة (دميرتاش وغوفين), والتي تعرضت لها ناشطة نسوية سعودية, ومحامي حقوقي أوغندي في الأسبوع الماضي، لكنه لم يتطرق بشكل خاص إلى الحالات الأخيرة بتركيا، مما يثير تساؤلات جدية حول ما إذا كان بايدن قد يمنح أردوغان حرية الاستبداد.

قد يكون فريق بايدن يخشى من أن التحدث عن الديمقراطية وحقوق الأقليات في تركيا سيدفع أردوغان أكثر إلى حضن روسيا أو الإضرار بحلف شمال الأطلسي(الناتو), ومع ذلك فإن مطالبة أحد الحلفاء بالالتزام بالمعايير الديمقراطية ضد سجن المسؤولين المنتخبين كما في حالة دميرتاش، والامتثال لحكم محكمة ملزم قانوناً, لن يُعتبر قراراً محفوفاً بالمخاطر.

من خلال السماح لحاكم مستبد متحالف مع الولايات المتحدة بمهاجمة الأسس  الديمقراطية، سيقوض فريق بايدن أجندته الخاصة المؤيدة للديمقراطية قبل دخولهم يومهم الأول في المنصب, إذ لا توجد دولة أخرى في العالم تسجن العديد من النواب المنتخبين قانونياً في برلمانها كما تفعل تركيا, لكن بعض الدول قد تقوم بنفس الأمر إذا أبدى صانعو السياسة الأمريكيون قبولهم بهذا السلوك.

تشير جميع الأدلة المتاحة إلى أن تشجيع المزيد من المساحة السياسية للمعارضة ومن ضمنها الكردية في تركيا من شأنه أن يقلل السلوكيات التي يعمل بعض المسؤولين في واشنطن على السيطرة عليها, وسيحد من إظهار الموافقة الضمنية على حملة أردوغان القمعية

حزب الشعوب الديمقراطية HDP هو الحزب الوحيد في تركيا الذي صوّت ضد التدخلات التركية الكارثية والمزعزعة للاستقرار في عفرين ورأس العين وتل أبيض, وبدلاً من انتقاد تطبيق عقوبات قانون مكافحة أعداء أمريكا(CAATSA) كما فعل الإسلاميون والقوميون في تركيا، فقد أكد الحزب معارضته لصفقة S-400 ودعا إلى مخرج بديل عن تصعيد حكومة حزب العدالة والتنمية الخارجي, وخلق الأزمات السياسة, من الصعب أن نفهم سبب رغبة الولايات المتحدة في إجبار المسؤولين المنتخبين الذين يتبنون هذه الآراء على ترك السياسة.

وكانت هناك حالات استجابت فيها تركيا للضغوط التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان, بينما لا توجد حالات ردت فيها تركيا على هذا النوع من الانتقادات إذا كان ستلحق ضرراً بالمصالح الروسية, فعندما ضغطت الولايات المتحدة على أردوغان للإفراج عن القس الأمريكي أندرو برونسون، الذي كان محتجزاً بتهم إرهابية وهمية مماثلة لتلك الموجهة ضد دميرتاش وغوفين، أثار ذلك غضب الشعب التركي المؤيد لأردوغان, ولكن في النهاية تم إطلاق سراحه.

من الواضح أن بايدن يجب أن يغير مساره, ويمكنه البدء بذلك من خلال أخذ الدعم من الكونغرس, فقد صارت إدانة حملة أردوغان القمعية ضد معارضيه تتمتع بالإجماع في الكابيتول هيل( الكونغرس).

أشار أحد القرارات الذي تم تقديمه في تشرين الثاني 2019، والذي صاغه بعضٌ من أعضاء مجلس الشيوخ الأكثر تحفظاً والأكثر ليبراليةً, إلى اعتبار احتجاز رؤساء البلديات والنواب الكرد المنتخبين بتركيا (انتهاكات لحقوق الإنسان), وأحد جوانب الحكم الاستبدادي للرئيس أردوغان, ودعا القرار الحكومة التركية بشكل قاطع  إلى إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين, وتعترف لجنة (توم لانتوس) لحقوق الإنسان المكونة من الحزبين الأساسيين في الولايات المتحدة الأمريكية بصلاح الدين دميرتاس كسجين رأي من خلال مشروع الدفاع عن الحريات.

بايدن خلال حملته الانتخابية, وفي الأيام المتوترة التي سبقت الدعوة إلى تصويت 2020 لصالحه، أكّد مراراً وتكراراً بأن كل صوت يتم الإدلاء به في بلد ديمقراطي يجب أن يُحسب بغض النظر عن النتيجة, ورفض بايدن التعليقات التي تشير إلى تلاعب بالأصوات أو تدخل خارجي، معتبراً أن هذه الحجج هي تكتيكات سياسية وليست مظالم مشروعة, وبالمثل فإن السماح لأردوغان بإبطال أصوات الملايين من المواطنين في تركيا الذين دعموا صلاح الدين دميرتاش وليلى غوفين ومسؤولي حزب الشعوب الديمقراطية على كل مستوى من مستويات الحكومة, لن يتم اعتباره  مجرد سياسة أمريكية سيئة, بل سيكون نفاقاً خطيراً.

إن المخاوف المبهمة عن عمد من العواقب السياسية لا تفوق المخاطر الحقيقية للتواطؤ مع هجمات زعيمٍ حليف لأمريكا على القيم والمبادئ الديمقراطية, وكلما أسرعت إدارة بايدن في إدراك هذا الأمر، كلما كان من الأفضل استعداد هذه الإدارة  لمواجهة التحديات الإقليمية التي تفرضها الحكومة التركية الحالية بطريقة بناءة.

ميغان بوديت باحثة مستقلة غطت أعمالها شمال وشرق سوريا وتركيا والشؤون الكردية, وهي حاصلة على درجة علمية في السياسة الدولية من كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون.

زر الذهاب إلى الأعلى