مانشيتمقالات

ميلاد مبارك

سليمان جعفر

يقول الفنان التونسي لطفي بوشناق: (خذوا المناصب والمكاسب بس خلو لي الوطن)، وأنا أقول: خذوا كل شيء بس خلو لي القائد.

لا تستغربوا عندما تشاهدون وتسمعون الكردي والعربي والسرياني والتركماني يهتفون بملء حناجرهم: “لا حياة بدون القائد”، فالقائد وحّدهم كأخوة لحب الوطن عبر نظرية الأمة الديمقراطية في زمنٍ دمر العالم تلك الديمقراطية وأفرغوها من حقيقتها.

لا تستغربوا عندما تشمّر المرأة عن ساعديها وتتبوأ الصدارة في كل مفصل من مفاصل الإدارة الذاتية، وتمتشق السلاح وتضع كتفها بكتف رفيقها لطرد العدو عن أرضها، فالقائد أعطاها هذه الروح ووضعها في مكانها اللائق وهي لم تخيّب ظن القائد بها.

لا تستغربوا عندما يقول الكردي الإيزيدي أن القائد بث فينا روحاً جديدة قتلها الأعداء، فالقائد أعاد ثقة الكردي الإيزيدي بنفسه.

نعم لقد كان لنا شرف اللقاء بالقائد في نهاية العام 1990 عندما دعاني (كإيزيدي) للمثول بين يديه للحديث عن الإيزيدية وأسباب عدم ظهورها علانية كباقي الأديان، وكانت دهشتي كبيرة عندما استقبلني بابتسامة شعرت أنها كانت نابعة من قلبه الصافي، ولاتزال تلك الإبتسامة محفورة في مخيلتي، وكانت أول جملة وجهها لي كافية لإزالة الرهبة وكل الحواجز بيننا، ولمست منه الرجولة والهيبة والوقار والإصرار والجدية، فقال وبدون أية مقدمات:

أنتم الكُرد الأصلاء، والإيزيدية هي بمثابة خزينة للغة والثقافة الكردية، حافظوا على ديانتكم من الزوال، فإذا اختفت الديانة الإيزيدية عن الوجود (واتبعها ب: لاسمح الله) فلن يمر وقت طويل لكي تختفي اللغة الكردية بحد ذاتها عن الوجود، اذهب وعلّم أتباع الديانة الإيزيدية العلوم الدينية التي لديك. فنحن معكم ولن ندّخر جهداً في سبيل استمرار ديانة الآباء والأجداد.

بعد اللقاء بالقائد بقيت لفترة ليست بالقليلة منتشياً أراجع كل تفاصيل اللقاء، وبدأت أتساءل: هل سيأتي اليوم الذي سنتلقى نحن الإيزيديين دعماً من قائد أو زعيم لكي نُظهر ديانتنا للعلن؟

قبل اللقاء بالقائد كنا لا نجرؤ بالبوح عن ديانتنا لأننا كنا نتعرض للسخرية والضغوط نتيجة العقلية الشوفينية التي زرعها العثمانيون في عقول الشعب، فأخفى الإيزيديون كل تراثهم وثقافتهم الكردية الأصلية في أدمغتهم وصدورهم، ولكن مع استمرار الضغوط فقدت الإيزيدية كمّاً هائلاً من تلك الثقافة، حتى الأحزاب لم تلعب دورها، وكانت تُجاري أعداء الإيزيدية في عدم إفساح المجال للإيزيديين للتعبير عمّا يجيش به صدورهم من إيمان وثقافة أصيلة.

تلك كانت لحظة لا ولن ننساها نحن الكُرد الإيزيديون، فهي لحظةُ وِلادتِنا من جديد، فلم تمر قوة وطئت أرض كردستان إلا وقد أذاقت الكرد الإيزيديين الويلات لإنهاء وجودهم.

القائد كان يدرس التاريخ جيداً، ويدرك أن بزوال الإيزيدية عن الوجود ستندثر اللغة والثقافة الكردية، والأتراك أيضاً يعلمون هذه الحقيقة، ولذلك شنّ العثمانيون اثنان وسبعون حملة إبادة واتبعها أحفادهم بفرمانين في شنكال، ومازالت فرماناتهم مستمرة، ولكن أملنا كبير في القائد وحركته التحررية بإعلاء راية الإيزيدية خفّاقة عالية.

كل عام وقائدنا بخير.

زر الذهاب إلى الأعلى