ثقافة

موسى عنتر من قلب كردستان إلى الخلود (1918-1992)

 

musaanter-1 musaanterمصطفى عبدو

“أعمارنا أنها أعمالنا، هي تلك اللحظات التي نستخلصها من رصيد أعوامنا وأعمارنا في إضافة حية لمنجزات حياتنا ومتطلبات مستقبلنا”

أيلول شهر الرحيل والهجرات والذكريات، فالأوراق الساهية على الأغصان والتي كانت يوماً ما تتباهى بلونها الجميل تصفر وتتساقط وتتجمع أسفل النوافذ فتذكرنا بالرحيل.

وبما أننا نكتب عن الرحيل والهجرة نتذكر هجرة المبدع يلماز كوناي المخرج السينمائي الكردي والكاتب والممثل في أيلول ونتذكر العشرون من أيلول حيث قطع الأوغاد ورقة من شجرة الكرد لم يحن وقت اصفرارها وسقوطها بعد أنه الصحفي الكبير (العم موسى عنتر).

أنها الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل الكردي الشغوف بمفردات الحرية والسياسة والصحافة والذي كان يرصد ويراقب بعين سياسية ساخرة الأوضاع التي يمر بها شعبه.

وهو من الكتّاب والصحفيين الأبطال الذين رفضوا الخنوع والإذلال وثابروا على قول وكتابة الحقيقة في شتى ميادين الحياة الاجتماعية منها والسياسية ونتيجة لمواقفه تلك تعرض للاعتقال مرات عديدة وفي أقبية سجون الفاشية التركية مورس بحقه التعذيب والإرهاب فمن هو هذ المناضل الكردي البطل؟

موسى عنتر الملقب بـ(آبي موسى) ولد في قرية قريبة من الحدود مع سوريا (ستليلي) التابعة لمدنية نصيبين في شمال كردستان عام 1918 تربى يتيماً فقد مات الده وهو ما زال صغيراً درس في مدارس ماردين خلال مراحله الأولى من الدراسة ثم انتقل إلى أضنة ليكمل تعليمه الثانوي، ثم ينتقل بعدها إلى استانبول ليتابع تعليمه في الجامعات فدرس كلية الحقوق هناك تزداد ميوله القومية والوطنية نتيجة مشاهدته لأحوال الناس هناك ومقارنته مع أحوال بني قومه ولكونه كان محبوباً بين رفاقه وزملائه كان موضع إعجاب وتقدير منهم وهو لم يكن يبخل عليهم بشيء ونتيجة تأثره بالأفكار التحررية العالمية أسس مع مجموعة من الطلبة جمعية باسم (جمعية هيفي الثقافية) وعلى ما اعتقد أصدر بعض الأعداد من جريدةٍ باسم (هيفي) لم يطب للظلّام ذلك فسرعان ما أسرعوا إلى اعتقاله وزملائه وزج بهم في سجون الفاشية وبعد خروجه من السجن بدأ بالكتابة وألف كتابه الأول تحت عنوان (الجرح الأسود) ونشر قاموساً كردياً مؤلفاً من ستة آلاف كلمة، أما اعتقاله الآخر فكان بسبب ميوله اليسارية حيث انضم إلى حزب اليسار التركي من بداية الستينات من القرن المنصرم وحتى السبعينيات وبعد خروجه من السجن عام 1976 قرر تغيير نمط حياته فعاد إلى قريته ومكث فيها ثلاثة أعوام.

ولكن هيهات أن يظل مناضلاً كـ(موسى عنتر) رهين القرية، فمع صعود حركة التحرر الوطنية الكردستانية قرر العودة إلى السياسة والكتابة وممارسة مهنته في الصحافة. غادر موسى عنتر قريته متوجهاً إلى استانبول ليبدأ بكتابة مذكراته ومقالاته السياسية الناقدة والساخرة وكان يصب جام غضبه من خلال كتاباته التي تنتقد سياسة الحكومة التركية وممارساتها التعسفية بحق أبناء شعبه ونشر مقالاته في العديد من الصحف والمجلات من بينها (ولاط أولكه وأوزغور غوندم) كتاباته كانت تلقى إعجاباً كبيراً من القراء فكانوا ينتظرونها بشغف وفي 20 من أيلول عام 1992وفي إحدى شوارع مدينة آمد الكردستانية أوكل الفاشيون جماعة ليقوموا بتصفيته فيلتحق بقوافل شهداء كردستان.

وفي عام 1993 تم تخصيص جائزة للصحفيين باسم “جائزة موسى عنتر للصحافة” حيث تقام المسابقة بمشاركة واسعة من الكتّاب والصحفيين ليتم اختيار الفائز وتقديم الجائزة له.

جدير بالذكر هنا بأن الكاتب والصحفي الكبير موسى عنتر أشار في العديد من مقالاته إلى المرأة الكردية ومن أشهر مقالاته تلك هي التي بعنوان (مكانة المرأة في التاريخ الكردي) حيث قال فيها: “إنه وبشكل تقليدي وعفوي كانت هناك درجة عالية من المساواة بين الرجل والمرأة في المجتمع الكردي ويقول أيضاً: إن المرأة الكردية كانت مساوية للرجل، كما إن الرجال الكرد لم يكونوا متعددي الزوجات. ويضيف أيضاً: في حال نشوب حرب بين قبيلتين كرديتين مثلاً فإن نساء كل الطرفين كن تجلبن السلاح والذخيرة والمؤن إلى الرجال المتحاربين ولا أحد يفكر في إيقافهن”

وكذلك يتحدث موسى عنتر في مقالته عن وجود زعيمات كرديات للعشيرة والقبيلة وأشهر هؤلاء (بريخان خانم) التي قادت قبيلة (رمّان).

العم موسى عنتر التقى بالزعيم الكردي عبدالرحمن قاسملو في استانبول وساعده على الانتقال إلى أوروبا لإكمال دراسته (معلومة لابد منها).

ويذكر مقربون من موسى عنتر أن حياته المنظمة انعكست على كتاباته وبصورة متناسقة مع مجريات الأحداث والمآسي التي كان يتعرض لها شعبه.

رصيده الأدبي:

(الجرح الأسود) عام 1959

(القاموس الكردي) عام 1967 في استانبول.

(مذكراتي الجزء الأول) عام 1991في استانبول.

(مذكراتي الجزء الثاني)عام 1992 في استانبول.

(جنارا من= شجرة الدلب) إضافة إلى كتب أخرى وهي عبارة عن مقالات نقدية وساخرة، للكاتب الكبير موسى عنتر فضل كبير على الكتابة والصحافة الكردية فبدون أدنى شك أن أمثال يلماز كوناي وموسى عنتر خسارة كبيرة للكرد أينما وجدوا وسيظلون شعاعاً نقتبس من نورهم.

وختاماً أقول:

سأظل جنبك وأجمع ما يمكنني من كتاباتك وسأحاول أن أشرب من كأسك وسأجمع من هواء وطني ما يمكنني كما جمعت أنت، سأحاكيك وتحاكيني وأحاكي نبرة صوتك وشعلة عينك وكفاحك ونضالك مع النظم الاستبدادية هذه النظم التي أوقفت أنفاسك.

فلتتوقد منكم شعلات لتلقح شعلات أُخر.

زر الذهاب إلى الأعلى