مقالات

من دمروا الوطن لا يمكنهم بناؤه

طلال حسن درويش

من يتابع إعلام النظام السوري وتصريحات قياداته,يعلم جيداً أن هذا النظام لم يعد له أي أواصر صلة لا مع قيم الحياة المقدسة ولا المجتمع السوري بكل مكوناته ولا مع التطور الديالكتيكي الفكري والفلسفي والمعلوماتي,كأنهم يعيشون في بلد آخر وليسوا في البلد الذي تسببوا هم في الدرجة الأولى في تدميره وتمزيقه وبيعه,فالأيديولوجية الأسدية البعثية المبنية على مصطلحات القوموية والتعصب القبلي والمذهبي, ابتكارات وهمية لشرعنة احتكاره للسلطة.
إن المصطلحات والبنية السلطوية التي يسيطر عليها النظام ويعتقد بأن ذلك واقع أزلي أبدي سرمدي وفق الدولة القوموية والتي عمرها لا يتجاوز قرنين في منطقة الشرق الأوسط ,أصبحت أوهام زائلة ولم يكن بإمكانها الصمود أمام صرح الحقائق الاجتماعية التاريخية وثقافة الشعوب التي تمتد جذورها إلى أغوار التاريخ،نرى اليوم تلك الحدود التي جعلتها مناطة بالقدسية العظيمة للدولة القومية والتي هي أصلاً تحويل الوطن والجغرافيا التي يعيش عليها شعوب و أقليات وثقافات متنوعة إلى سجن كبير ومزرعة للنهب,تم اغتصاب تلك الحدود من قبل دول إقليمية ودولية دون أن يستطيع بشار الأسد وأركان نظامه التفوه بكلمة وأن تقاوم احتلالها,إنما قاموا بجلب الروس والإيرانيين وحزب الله ومجاميع أخرى لحماية كرسي السلطة,هذا المنطق ينطبق على المعارضة السورية أيضاً بكل شفافية, فأفعالها الإجرامية التي مارستها خلال العشر سنوات تضاهي ممارسات النظام خلال نصف قرن أو أكثر.
فالنظام السوري الذي احتكر السلطة منذ أكثر من نصف قرن عمل بكل قوة عبر أجهزتها القمعية على فرض اللون والفكر والحزب والقومية الواحدة وفرض حالة الطوارئ ومنع التعددية القومية والحزبية ونهب أموال وثروات الشعوب السورية, ولا زال يحمل تلك الذهنية الإلغائية والإقصائية تجاه الشعوب الأخرى كالشعب الكوردي خصوصاً ولا تقبل بأي شكل من الأشكال التفاوض مع ممثلي الكورد السورين حول حقوقهم الوطنية المشروعة ولا يقبل التطرق حتى إلى كلمة الديموقراطية وكأنها كابوس يضرب مضاجع أركانه,بعد حوالي عقد من الأزمة السورية والتدمير الهائل للبنية التحتية ومقتل مئات الآلاف من الشعب وهجرة و نزوح الملايين منهم إلى داخل وخارج سوريا وفقدان أكثرية عوامل الحياة وتفاقم المشاكل الاجتماعية والنفسية وتفكك الحالة المجتمعية ,أصبح هذا النظام المهشم مجرد آلة لتنفيذ أجندات الدولة الروسية والإيرانية الجيوسياسي, و تسبب في فقدان القرار والسيادة السورية بشكل نهائي وفي سبيل البقاء على كرسي الحكم حول رئيسها بشار الأسد الوطن إلى جحيم.
في المقابل الجماعات الإسلاموية الراديكالية المعارضة إضافة أنها لا تختلف عن ذهنية النظام البعثي الإقصائية والإجرامية واللصوصية والطائفية المقيتة في شيء, فهم لا يقبلون بدستور ديموقراطي تعددي علماني ليبرالي بحيث يحصل في ظلها الأفراد و جميع المكونات السورية على حقوقهم الإنسانية المشروعة,و أصبحوا مجرد تنظيمات مرتزقة تعمل وفق مشروع شمولي للدولة التركية في المنطقة بدءاً من سوريا وصولاً الى ليبيا, وحاربت هذه المجاميع المتدربة في تركيا تحت راية رجب طيب أردوغان الشعب الكوردي وجميع المختلفين والمعارضين لهم في عموم الجغرافية السورية, خاصة شمالي شرقي البلاد المتاخمة للحدود التركية واحتلت مناطقهم التي كانت إلى حد بعيد تنعم بالأمن والسلام المجتمعي بين مكوناتها,فدمروا ونهبوا ممتلكات المواطنيين وهجروا الأغلبية الساحقة من أهالي تلك المناطق وبدؤوا بممارسات وحشية على القلة القليلة المتبقية في بيوتهم من خطف النساء والفتيات واغتصابهم وقتل المدنيين الكورد واعتقال المئات منهم وتعذيبهم بشكل بربري وهذا ما حصل بشكل خاص في مناطق عفرين وسريكانيه بعد احتلالها من قبل الدولة التركية وهذه المجاميع الإرهابية التابعة لها,وكل ذلك حصل ويحصل أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي أجمع الذي فضل أن يتخاذل أمام مأساة الشعب السوري عموماً و أمام الممارسات الإجرامية لهذه المنظمات الإسلاموية الذين يستمرون في وجودهم اعتماداً على سفك وامتصاص دماء البشر,فكيف لهذه الأطراف العميلة والمجرمة أن تأتي بدستور ديموقراطي يمثل قيم الإنسان وتحفظ كرامته وحريته وتسترجع له أملاكه وتبني البنية التحتية وتطور عوامل الحياة من جديد في وطن مدمر ممزق ومجتمع تمزق وتشتت وتشرد بفضل جرائم هؤلاء.
كيف ستتشكل حكومة ونظام ودستور وطني جديد ل سوريا يراعي حقوق ومصالح جميع مكونات المجتمع السوري,بينما جميع الأطراف الذين يجلسون حول طاولة المفاوضات لكتابة هذا الدستور والقوات التابعة لهم الممولين والمدربين والمسلحين من قبل دول متعددة,تنفذ سياسات الدول المتنافسة على الجيوسياسية السورية كتركيا وروسيا وإيران وقطر,وليست أجندات الشعب السوري المتطلع إلى حياة كريمة ونظام ديموقراطي تعددي يحترم حقوق الإنسان والأثنيات والمكونات السورية عموماً.
هذه الأطراف السورية المتصارعة التي تبرر استعمار واحتلال الأراضي السورية من قبل الدولة التركية وحلفائها أو من قبل إيران و روسيا ويقومون ببيع كل شيء وطني من الآثار إلى الجغرافيا, فكيف لهم أن يدعوا أنهم وطنيون حريصون على مصالح ومستقبل الشعب السوري,تلك الأطراف التي تسببت في تدمير الوطن وتقسيمه وكل هذه الويلات لا يملكون أي مشروع وطني ولا يمكن الاعتماد عليهم في بنائه,فهم مجرد كركوزات ودمى بيد الدول التي لا تريد خيراً لأبناء الشعوب السورية.
فإن اجتماعات لجنة صياغة دستور ل سوريا في جنيف بين هذه الأطراف الذين اجتمعوا وسوف يجتمعون في الطابق السفلي بينما يتم توجيههم من الطابق العلوي من قبل الدول المتواجدة كروسيا وإيران و تركيا والولايات المتحدة الأمريكية دون مشاركة أهم مكون من مكونات الشعب السوري وممثلي الإدارة الذاتية الديموقراطية لشمالي
شرقي سوريا ولا ممثلي قوات سوريا الديموقراطية قسد التي حاربت بكل بسالة وقضت على تنظيم داعش أخطر منظمة إرهابية على شعوب المنطقة وعلى أمن المجتمع الدولي وضحت بدماء عشرات الآلاف من مقاتليها والتي تسيطر على أهم منطقة استراتيجية في سوريا,فدون الاعتراف بهذه القوات ومظلتها السياسية مجلس سورية الديموقراطية الوحيدة التي تحمل مشروعاً ديموقراطياً وبعيدة عن الذهنية العنصرية والإلغائية وعدم مشاركتها لهذه المفاوضات لن تنتهي إلى نتيجة إيجابية ولن تنعم سوريا بالأمن والسلام والاستقرار ولن تحل المشاكل السورية المتفاقمة كالتيهور ولا دول الإقليمية والمجتمع الدولي الذي لم تسلم من الأزمة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى