ثقافة

مناطق الشهبا وقائع التاريخ وأهوال اليوم

shahbaa(جرابلس,منبج ,الباب ,اعزاز)

مناطق الشهبا التي تضم مناطق غرب نهر الفرات وصولاً إلى مقاطعة عفرين وشمال حلب (جرا بلس، منبج، باب وإعزاز)

 تطلق تسمية مناطق الشهبا على المساحة الجغرافية  التي تصل لأكثر من 5000 كم مربع، وأصل تسمية مناطق الشهبا تأتي من “شاه با”وتعني “هواء الملك”وتعود تسميتها لـ 2400 عام قبل الميلاد، تتصف بمناخها المعتدل، وسهولها الممتدة من تخوم سفوح جبال عفرين ومنحدرات جبال ليلون غرباً إلى حدود منطقة سمعان جنوباً، ومنطقة الباب شرقاً نحو حدود تركيا شمالاً. مناطق الشهبا هي البوابة الرئيسية والخاصرة السهلية الخصبة لسلسلة جبال طوروس والجبال الساحلية لبحرالأبيض المتوسط,وتعتبرالقاعدة الوحيدة للأنطلاق نحوالعمق السوري بإعتبارهاعقدة مواصلات ,والطريق البري الوحيد للعبوروالوصول إلى أوروبا, وتزداد أهمية مناطق الشهباء كونها العنوان التاريخي للحضارات المتعاقبة التي شهدتها ميزبوتاميا وسوريا، ووتعرف هويتها بعدة مدن وحواضر مدينية هامة كاعزاز azaz))، جرابلس(girqamish) , (girharod) ، (bendarojava) على نهر قويق عند تل شعير الحالية وتضم بلدات وقرى تاريخية فافين (vavin) اخترين (axtarin).

تتمتع مناطق الشهبا بموقع طبيعي وجغرافي هام ومتميز وخاصة من الناحية الاستراتيجية التي تجسدت عبرمراحل التاريخ البشري لصراع الحضارات، كونها البوابة السهلية الوحيدة بعد اجتياز سلاسل الجبال الساحلية وجبال طوروس نحو الشرق، وتتنوع منتوجاتها الزراعية واعتدال مناخها وخصوبة تربتها التي تزيد من أهميتها, كل هذه الخصوصيات التي تتمتع بها هذه المنطقة جعلتها نقطة تلاقي وتمازج الحضارات ومركزاً بشرياً نشطاً للشعوب التي حطت رحالها على هذه البقعة الجغرافية، وتضم المعبر الجغرافي الوحيد لاجتياز الضفة الغربية لنهر الفرات الى الضفة الشرقية في نقطة سلسلة جبال منبج نحو الجزيرة العليا في اتصالها بالسهل الخصيب (مرزابوتان) وحضارتها كانت جزءاً هاماً وتاريخياً في حضارات شعوب موزوبوتاميا MOZOBOTAMYA.

كل التنقيبات الأثرية من كرجاميشن وسلنكحية، وتل عارودة، وهابوبة، وتل حرير، حتى أكده، واعزاز، وبت اغوشي، وآرفاد (تل رفعت)، وصولاً إلى عين دارة، وتل مرديخ، وحتى قلعة حلب، هي معالم شيدها الميتانيون والحثيون، هذه المعالم الحضارية لمناطق الشهبا التاريخية تثبت بوضوح مدى قدم هذه المناطق عبر التاريخ ومدى دورها في التاريخ.

وفي التسلسل الزمني التاريخي شهدت هذه المناطق وبحكم الأهمية الاستراتيجية لموقعها الآنف الذكر العديد من الحضارات، التي إما استوطنتها أو عبرتها

فمن الحوريين “الهوريين”في الألفية الثالثة قبل الميلاد إلى الآشوريون 853 ق.م ثم الميديون612 ق.م ,ومن عهد المقدونيين العصور الهلينستية ( الأسكندرالمقدوني333 ق.م و السلوقيين)

إلى فترة الحكم الروماني 64 م، ثم البيزنطي ثم الاسلامي 661م، وكانت تسمى هذه المناطق بمناطق الثغور( خط الفصل بين البيزنطيين والمسلمين)

ثم الأخيشيديون 941 م ,و الهمذانيون 945 م ,المرداسيون 1024م – السلاجقة 1094 م – الصليبيون 1124 م, الزنكيون 1128 م ، والأيوبيون 1160 م – فالمغول بقيادة هولاكو1265 وفي 1516 م احتلها العثمانيون في معركة “مرج دابق”م مع المماليك الشراكسة، ثم دخلها ابراهيم محمد علي باشا 1832 م

العثمانيون لم يستطيعوا أن يقتلعوا الكرد من كل مناطقهم، ولكنهم فعلوا ذلك بالنسبة لإعزاز والباب، فعشيرة ديدان وحدها كانت تعيش في أكثر من (36) قرية تحت حكم آل جنبلاط وتمّ تهجيرها، وكما أن عشائرعديدة فيها مثل الهسكي، والدومللي، والقره كجي، والبرازي، والكيتكان، لايزال أغلبيتهم يعيشون في قراهم، ولكن نتيجة سياسات التعريب التي مارستها حكومات البعث المتتالية عَّربت أغلبية تلك القرى والبلدات في تلك المناطق وهذه السياسة لم تختلف عن سياسة العثمانيين التي اعتمدت في جوهرها على التغيير الديمغرافي وأتبعها كل الغزاة والمستعمرين لميزوبوتاميا

إن النظام البعثي ورغم شوفينيته المقيتة، لم يتمكن من تغيير هوية المنطقة وتحويلها إلى منطقة عربية صرفة عبر سياسة الصهر القومي, وإذا ما أخذنا السلسلة الجغرافية الممتدة من (كرجاميش) جرابلس الآن إلى تخوم مقاطعة عفرين، نجد أنّ القرى الكردية لا تنفصل عن بعضها حيث يصل عددها إلى (117) قرية كردية صرفة فقط في منطقتي الباب واعزاز إضافة إلى (80) قرية في منطقة جرابلس، وهناك بعض القرى المشتركة ما بين الكرد و (الطاط) ,

 يسكن مدينة أعزازأكثرمن (15000)كردي من أصل (40000) نسمة وحوالي (4000) من التركمان, وماتبقى هم من الآشوريين والشركس والأرمن وقسم صغير جداً من العرب, أمامنبج (من به) والتي بناها كسرى فبلغ عدد سكانها حوالي 84 ألف نسمة وهم خليط من الكرد والشركس والشيشان والطاط والارمن والسريان والعرب ويشكل الكردأكثرمن 50% من سكنها.

 أما مدينة تل رفعت، حيث توجد إلى الآن فيها عوائل كردية مثل آل أوسي وحوراني وسلو وأوسو,وعوائل أخرى مستعربة.

قبل الحرب العالمية الأولى تعرضت مناطق الهلال الخصيب  في الحقب الماضية إلى العديد من التجاذبات السياسية والحروب البينية والمعارك المحلية ونتج عنها هجرات كيفية وقسرية عديدة أثرت بشكل مباشر على تجانس وقوام قاطني تلك المناطق كثورة جان بولات عام 1607 في ولاية حلب، وثورة تيمور باشا في الرقة عام 1790، وتمرد بيراجيك عام 1831، يضاف إلى ذلك اجراءات تعسفية مارستها السلطات العثمانية في مراحل سلطتها الأخيرة ,وكان لها الأثر البالغ في تأرجح قوام المكونات التي سكنت تلك المناطق

ومع بدأ الحرب العالمية الأولى 1914 شهدة هذه المناطق تغيرات ديمغرافية أخرى كالتي شهدتها جميع مناطق روج آفا وكردستان عامة

بدءاً من أتفاقية سايكس بيكو لتقسيم المنطقة 1916 م-  معاهدات سيفروسان ريمو ولوزان,إلى دخول فرنسا في 1922 م ,

وأخيراً خروج القوات الفرنسية  بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية     1945 وزوال عصرالأستعمار والأنتداب ليبدأ بعدها بفترة قصيرة جاءت مع استيلاء البعثيين على الحكم في سوريا 1963 م، وما رافق ذلك من تغييرات كان لها تأثير كبيرعلى كل مناحِ الحياة السياسية والاجتماعية في سوريا عامة  ومانتج عنها في الوقت الراهن .

تعتبر منطقة الشهبا من إحدى البوابات الهامة المنفتحة على الشرق الأوسط مما يجعل هذه المنطقة مسرحاً لنشوء تحالفات قوى نفوذ دولية على الصعيد المقومات الجيوسياسية لهذه المناطق، كما أنها تجسد مثالاً مصغراً من أغنى نماذج التعايش المشترك فيما بين مكونات المجتمع السوري، وهذه نقطة إضافية لتزايد الأطماع والتربص بها، كما يرى أهالي هذه المناطق أن القوى الأقليمية وعلى راسها النظام التركي  عملت على ضرب الثورة السورية منذ اندلاعها عبر تأسيس مجموعات تنفذ أجندات مرتبطة بها في هذه المناطق، ليتمكنوا من خلالهم تمرير مشاريعهم نحو العمق السوري.

ومنذ بداية الأزمة في سوريا حاولت جميع الفصائل الإسلامية (جبهة النصرة، أحرار الشام جيش الفتح، الجبهة الشامية) الموجودة على الأرض، وبدعم من بعض الدول الإقليمية وخاصة تركيا، رسم خطط التدخل بالاعتماد على الأهمية الاستراتيجية العسكرية لمناطق الشهبا التي تمتد على حيز من الشريط الحدودي مع تركيا، وهي نقطة الوصل بين ريف حلب والمدينة، وكما إن وجود مطار منغ العسكري فيها الذي توالت السيطرة عليه من قبل كل من النظام والمجموعات المسلحة ليقع مؤخراً تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وتتواجد كل من قوات لواء جبهة الأكراد، جيش الثوار، كتائب شمس الشمال، بركان الفرات التي هي من ضمن الفصائل المنضوية تحت سقف قوات سورية الديمقراطية، على نقاط الحدود الفاصلة بين مناطق الشهبا ومقاطعة كوباني، ومناطق الشهبا ومقاطعة عفرين، وتسيطر داعش على (منبج، جرابلس، الباب، الراعي واخترين) وجبهة النصرة وأحرار الشام يسيطران على (مارع، إعزاز،حريتان، تل عران وتل حاصل، وتل بلاط يسيطر عليها مرتزقة داعش أما من الجهة الشمالية ومن الجهة الغربية لتلك المناطق فيسيطر عليها قوات النظام السوري حتى مدينة نبل والزهراء)

أما بالنسبة إلى علاقات المكوّنات الموجودة من عرب وكرد وتركمان،فكانت علاقات أخوية وهناك تشارك فعلي في الحياة وعلى كافة المستويات يتشاركون في الأفراح والأتراح، رغم أنّ نظام البعث حاول مراراً خلق فتن عرقية وتأجيجها، لكنه فشل ولم يلقَ ذلك صدى لها في هذه المنطقة. كذلك لم تنقطع صلاتهم مع كلّ من كوباني وعفرين، بل منطقتهم كانت وما تزال الجسر الواصل بين عفرين وكوباني، وهي علاقة متبادلة بمعنى أنّ عفرين وكوباني تستمدان قوتهما من منطقة جرابلس والباب ومنبج واعزاز والعكس صحيح أيضاً.

كانت مناطق الشهبا هي النموذج لمكونات الشعب السوري ومنبع التعايش الأخوي والحالة الاجتماعية السليمة بين جميع الشعائر الموجودة فيها

و كانت مناطق الشهبا ملتقى الثقافات والحضارات التي احتضنت جميع الأديان والمعتقدات السماوية ومنها انطلقت ثقافة التسامح والخير إلى أرجاء المعمورة وفي هذا البند نذكر ما يلي:

التعايش المشترك بين مكوناتها عرباً، كرداً، تركماناً، شركساً والتمازج الثقافي بين كل الشعوب التي احتضنتها عبر التاريخ, ومن أهم المكونات الموجودة في هذه المناطق هي:

– الكرد-)الأوروبيون: وهم ما سموا بالحضر أو (بالطاط) نسبة الى القائد التاريخي الروماني (طاطليوس) وهم بقايا الرومان والافرنج واليونان، والقفقاس واعتنقوا الاسلام واستعربوا بعد ذلك(

– العرب – الكرد المستعربون- التركمان.- (الشركس أو ” الجاجان”: وهم من اصول قفقاسية )- (الارناؤوط: وهم بقايا البلغاريين والهنغاريين توافدوا إلى سوريا مع الجيش الانكشاري العثماني)

الكرد في منطقة الشهبا يحتفظون بكامل خصائصهم القومية والوطنية وانتمائهم العشائري التاريخي لكرديتهم. مع بعض الخصائص التي تميز كرد منبج , واعزاز والباب عن باقي المناطق الكردية وتوجد بعض القرى الأخرى ذات الجذور الكردية ومنها باشكوي، وسويفات، وحندارات، وآخترين، العديد من القرى التي تم تعريبها ونُسيت كرديتها بعد نسيانهم للغتهم

يبلغ تعداد الكرد في منطقة “مناطق الشهبا” حوالي ستمائة ألف نسمة الذين يتمتعون بثقافة وإرادة كردية، ناهيك عن تعداد الكرد الذين ينحدرون من أصول كردية ويستشعرون أنهم من جذور وأصول كردية

أماالعشائر الكردية المتواجدة في مناطق الشهبا فهم عشائر:

– الرشوان (Resî)- كيتكان (Kêtikan)- ديدان (Dîdan)- دنا (Dina):

– دمللي (Zaza)- بيزيكان (Bîzakan)- قره كيج (Qeregê)- بيش آلتي (Bêşaltî)- (عشيرة الموشان)- العوجان (hocan)-

– الكيخيا (kaxuda)-براز(Beraz)، كيكان(kîkan)، ميران(mîran)، شرقيان (şerqiyan)

تشتهر مناطق الشهباء بكثرة تلالها الأثرية والتاريخية القديمة ويعود تاريخها إلى فترة ما قبل الميلاد كـ (تل عران وتل حاصل ,وتل حيجر, وتل دوينة ,وتل أحمر, وتل حبو, وتل ليمان, وكوله جبولي, وتل كوم بينار بالإضافة إلى العديد من التلال الأخرى ,لمناطق الشهباء أهمية اقتصادية حيث تمتاز المنطقة بوجود العديد من المقومات الاقتصادية التي كانت عماد الاقتصادعلى مدى التاريخ، حيث يتواجد فيها العديد من الثروات الباطنية ومخزون كبيرمن المياه الجوفية وتربتها الغنية وامتلاكها السهول والأنهار كنهر قويق وسهول ضفاف نهر ساجور وضفاف نهر الفرات الغربية، ومنُذُ أن بدأت الأزمة في سوريا تعرضت هذه المنطقة إلى غزوات البرابرة وجحافل الأرهاب وقوى التكفير وبمساندة النظام التركي وهُجِرَ الألاف من سكانها وتعرض سكانها للمجازر والتنكيل وخاصة الكرد على يد هؤلاء الغوغاء

لكن لم تسطع النيل من إرادة الشعوب .

زر الذهاب إلى الأعلى