PYDمقالات

مقاربة في البنية الايديولوجية للصراع الدولي القائم

سليمان أبو بكر

تختلف بينة العلاقات الدولية في قراءاتها  لطبيعة النظام الدولي وأيديولوجيته المتغيرة بحسب التحولات التي تطرأ على الخارطة الجيوسياسية لكل مرحلة، لذا فالبحث عن مقاربة ايديولوجية للمرحلة الراهن وفي ظل الصراع الدولي القائم يكمن في المفاتيح التقليدية للمراحل السابقة ، ويطرح المفاهيم المستحدثة للبينة الجديدة لهذه المرحلة، التي تتسم بتبادل الادوار وبالمرحلية.

الصراع القائم على استخدام القوى يدفع بمزيد من الفوضى في المرحلة الراهنة وبالتالي تتغير العلاقات الدولية وفق الاستجابة الناجمة عن هذه القوى أو تلك، نموذج الأزمة السورية والمقاربات الروسية والغربية لهذه الأزمة يكشف مدى الصراع الايديولوجي القائم، فروسيا التي سنحت لها الفرصة بأن تستعمل قوتها في حل الأزمة السورية والحفاظ على اجندتها ضمن محاولتها في اعادة دورها على المستوى الدولي كان على حساب حل الازمة السورية أي على حساب تفعيل الايديولوجية الديمقراطية في حل الأزمة، كذلك الأمر بالنسبة للغرب الذي لم يدعم حتى الآن أي توجه ديمقراطي لحل الأزمة السورية،  وبالتالي الاستمرار في سياسة  الفوضى الخلاقة والتي امتدت إلى أوكرنيا ومناطق اخرى سبقتها.

تتسارع  وتيرة  الاحداث الدولية بعد الحرب الروسية على أوكرانيا  في ظل التسابق بين القوى الدولية حول من سيكون المسيطر على العالم، ويكشف لنا بأن الصراع القائم ليس محدود بجهة أو بجغرافية معينة بحد ذاتها وتتجاوز الجانب المادي، الصراع القائم صراع ايدولوجي  حيث تحاول قوى الهيمنة أن  تعيد رسم الخرائط الجيوسياسية بعد مضي المئوية الأولى على الاتفاقيات الدولية التي رسمت حدود الدول القومية في اطار مفاهيم  ايديولوجية الهيمنة الرأسمالية التي  تقودها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت سبباً لخلق صراع يتسم بالديمومة والاستمرارية.

لم تتمكن القطب السوفيياتي ” الشرقي”  بقياد روسيا الاتحادية من أن تكون قطباً في الصراع خلال المراحل السابقة بعد الحرب الباردة لتتسنى للغرب الامبريالي بأن يكون القطب الأوحد الذي يدير العالم، لكن وكما يبدو بأن الغرب مستمرون في هذا التوجه بأن تبقى العالم ضمن نظام القطبية الاحادية وعلى هذا الاساس كان لابد من خارطة جديدة تناسب  توجهات وسياسات الغرب تجاه العالم بشكل عام وتجاه الشرق الأوسط بشكلٍ عام.

لذا تتسم المحاولات الروسية عبر تواجدها في العديد من المناطق الجيوسياسية الاستراتيجية بالنسبة للغرب في انها محاولة لإعادة التوزانات الدولية إلى مسارها على الأقل ظاهرياً، وهذا كلف روسيا الكثير وستكلفها أكثر في حال خسارتها وعدم تمكنها من السيطرة على أوكرانيا أو على الاقل فرض شروط وفق اجندتها لحل الأزمة الاوكرانية، وهذا مستبعد وفق المعطيات الأخيرة لهذا الصراع الذي افتعلته الغرب بدفع روسيا إلى مزيد من التأزم  عبر زجها في موجهات عدة  أخرها أوكرانيا.

 وكما يبدو أن روسيا فقدت زمام الحرب في أوكرانية ففي الوقت الذي يؤكد فيه قادة الغرب دعمهم لأوكرانية من خلال زياراتهم إلى كييف، تقوم روسيا بعقد لقاءات مع تركيا وايران وحتى مع المعارضة السورية في محاولة لاعادة تموضعها السياسي  والعسكري في الشرق الأوسط، وهذا دليل على أن  النتائج التي نجمت عن حربها ضد اوكرانيا لم تكن بمستوى تطلعاتها بأن تكسر شوكة الغرب من جهة وأن تفتح لها مجالاً جديداً على حدودها مع اوروبا الغربية.

من جانب  يعمل الغرب بنفس اللعبة الروسية في التقارب مع شركائها في الشرق الأوسط العراق وتركيا، اليوم هناك توافق غربي في تقارب كل من تركيا والعراق وهولير حول العملية التركية في اقليم جنوب كردستان  ضد مناطق الدفاع المشروع، ومن جانب  أخر يؤكد قوى الهيمنة العالمية بوقوفها إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية، حد الجيش التركي من القيام بعمليات عسكرية واسعة على مناطق شمال شرق سوريا، كذلك يعمل الغرب بقيادة الولايات المتحدة وضع جزء من هيكل الائتلاف التركي المتمثل بالمجلس الوطني الكردي إلى داخل الادارة الذاتية تحت مسمى الحوار الكردي – الكردي بهدف زعزعة واضعاف الادارة الذاتية من جهة وبالتالي اضعافها لتتمكن من فرض اجنداتها وجندات حليفتها تركية على القوى الثورية الكردية في روج آفا والمرتبطة ايديولجياً بفكر حزب العمال الكردستاني .

هذه  الاستراتيجية الغربية القائمة على خلق الفوضى والصراع لا يختلف عن السعي الروسي في اعادة دورها في العالم، وهنا يتشارك الطرفان في ايديولجية مشتركة  وهي اللعب على التناقضات، واستبعاد ايديولجية الحل المتمثلة بفكر القائد عبد الله أوجلان، لذا لا نرى أي توجه أو محاولة من الغرب أو من روسيا في التقارب مع ايدولجية الحل حل قضايا الشرق الأوسط وفي مقدمتها القضية الكردية التي تعتبر مفتاح حل أزمات وقضايا الشرق الأوسط.

 بطبيعة الحال يدرك الطرفان بأن ايديولوجية العصرانية الديمقراطية لحزب العمال الكردستاني  لم تعد محصورة بجغرافية أو بفئة معينة ، اليوم أصبحت هذه الايدولوجية ايديولجية عالمية  لا يمكن تجاهلها أو القضاء عليها وهذا ما اثبتته التجارب السابقة.

تركيا تلعب اليوم دورها المنوط بها كشرطي للمنطقة فقط، أما حلم أردوغان باعادة  امجاد الدولة العثمانية في مخالفة تماماً لدورها وهذا ما لم تسمح به الغرب، أما ايران وهي الطرف العائق أمام  الهيمنة الغربية إلى جانب الصين الحليفين لروسيا. لهما الاطار المحدود لسياساتهما، اليوم تحاول ايران الاستفادة من الفراغ الذي تركته روسيا بأن تتمدد وترسخ نفوذها  في سوريا وهنا الاحتكاك مع الغرب سيكون أكبر ناهيك عنم الملف النووي الايراني الورقة الرابحة لايران في علاقتها مع الغرب.

في ظل هذه التطورات تتجه المنطقة إلى مزيد من الصراع وهذه الاستراتيجية الغربية للمرحلة الراهن بعد المئوية وهي تشكيل تحالفات جديدة تخدم  الهيمنة العالمية.

زر الذهاب إلى الأعلى