مقالات

مفارقات غربية حيال الحرب التركية على الكرد

 ادريس حنان – 

تعالت مؤخراً أصوات التهديدات في سوريا حيث لم يعد يسمع في المنطقة والعالم، على الرغم من ضجيج الحروب، سوى الصوت الشاذ صوت سلطان الفوضى والقتل أردوغان، وكأنه قد أصاب بالسعار وفقد حاسة الشبع، يعض كل ما يعترضه ولا تمتلئ بطنه من القضم والهضم. فقبل عدة أيام خرج علينا الرئيس التركي أردوغان من خلال مسلسل تهديداته المعادة والمعتادة، وكشف عن حلقة جديدة من الوعيد والتهديد واوضح؛ بأنهم ذاهبون الى مرحلة جديدة من الاحتلالات للأراضي السورية. فهو ينتهك حالتي السلم والأمان بممارسات تنهب السلم والأمان المزعومين.

فحسب هذه “العراضات والاستعراضات” البرلمانية والبيانات الصادرة من هنا وهناك من قبل المسؤولين الأتراك، من الواضح انه لم يتلقى الدعم الذي يبتغيه ولم يكن هناك من قال له “آمين”. فالتململ التركي والتلكؤ الظاهرين، يشيان بان المواقف الدولية المعارضة لمشاريع أردوغان ـ لغاية الآن ـ دفعته الى التراجع خطوة الى الوراء وتغيير وجهته نحو حليفه في آستانا وسوتشي. فروسيا التي حلقت مروحياتها العسكرية للمرة الأولى فوق جبهات القتال في الشهباء وعفرين وصولاً الى مدينة الباب ذهاباً وإياباً، أرادت ان تقول له، قبل ان يولي وجهه نحوها: لن تجرؤ على الاقدام على اية حركة خارج إطار التفاهم معي في مناطق نفوذي. كما ارادت روسيا ان تفهمه بانها على عكس ما يتصوره أرودغان، فهي منتصرة في أوكرانيا ولديها من القوة ما يكفيها لتحمي مصالحها في سوريا ايضاً.

يُفهم من كل هذا ان هناك تكرارٌ لرسائل تم تبادلها في أعوام 2016، و2018، و2019، وكل ما تغير واختلف هي الظروف. حيث تبحث تركيا هذه المرة عن طرق توافقية جديدة وتسعى، على الرغم من تغير الظروف الزمكانية، الى بناء تفاهمات تخدم مشاريعها ضمن المساحة الضيقة للعب على وتر تضارب مصالح قطبي الصراع العالمي أمريكا وروسيا. لا تريد ان تعي ان اليوم لا يشبه الأمس، لا من حيث توازن القوى ولا من حيث التوافقات. فالاستراتيجيات التي كان يُعمل لها سابقاً بشكل سري، باتت علنية اليوم واصبحت اوراق اللعب مكشوفة للجميع. فلا روسيا تخفي مآربها ولا أمريكا ومن خلفها الناتو والغرب يخفون اطماعهم السلطوية والتوسعية. لذلك نرى اليوم ان أمريكا ومن خلفها الغرب كله تقريباً، يتدخلون بشكل صارخ ضد روسيا في أكرانيا ويقدمون لها ما يمكّنها من الصمود بوجه القوة العسكرية الروسية الهائلة. ذكرت أمريكا ذاك اليوم، انها ستمد السلطات في أوكرانيا بالأسلحة الذكية المتطورة لتستطيع الوقوف بوجه الهجمات الروسية. اذاً اضحت المواجهات اكثر علانية بعد انتقالها من الساحة الشرق أوسطية الى الحدائق الأوروبية الخلفية.

روسيا من جهتها، تريد ان تستثمر في الرغبات التركية ضد تحالف أمريكا وأوروبا، لذلك لا تعطي أجوبة كافية ورادعة اتجاه الرغبات التركية ومطامعها في المنطقة وسوريا، وتفضل التعامل معها ـ تركيا ـ عبر الوسائل البراغماتية الراديكالية. فهي مد وتقرب الجزرة من فم أردوغان بحيث يكاد يلتقفها، إلا انها لا تدعه يعضها. تحاول استخدامه ضد الحلف الاطلسي على الرغم من عدم ثقتها به. فهي كبقية القوى، تحاول بناء تفاهمات على حساب نضال الشعوب. فالكل يسعى الى ضرب وانهاء نضال الحرية الذي اضحى قطباً رادعاً في وجه الأطماع الاستعمارية تستكين اليه الشعوب التواقة الى الحرية.

لا غرابة ان يقولوا لروج آفا وشمال وشرق سوريا، اننا معكم ولن نسمح لتركيا بتنفيذ الهجمات، وفي نفس الوقت يسمحون ويعطون الأوامر بشن الهجمات على مناطق الدفاع المشروع ضد قوات الكريلا في جنوب كردستان. انها انظمة منافقة تستطيع ان تنتهج سياسات عديدة حمالةُ لكثير من الأوجه لتحقيق أكبر قدر من المكاسب والأرباح. فهي ترى من النضال ضد ذهنية السلطة الذكورية، الذي نما بدعم الشعوب، خطراً على مستقبل هيمنتها. لذلك تجّند كل امكانياتها وطاقاتها للقضاء عليه ولو تطلب ذلك التوافق والتصالح مع المنافسين.

على المقلب الآخر، كما اشرنا أعلاه، ان نضال وكفاح الشعوب المستند على الحقائق الجغرافية والتاريخية لطوروس وزاغروس، وهاوار وأمانوس لأكثر من خمسين عام، بات ذا ثقل مؤثر في المعادلة الدولية ولا يمكن تجاهلها تحت اي ظرف كان. فمهما اختلفت التسميات وتبدلت الأدوار بين قوى الهيمنة، فلن تقاس تلك النضالات إلا من قبل اصحابها الحقيقيين ولن تفقد ذرة من قوة تأثيرها وجاذبيتها.

علينا ان نعي جيداً، ان محاولات تبديد طاقة الشعوب المتشكلة على هيئة حركة الحرية، هي عملية جينية في طبيعة الطرفين المتصارعين وما بينهما من القوى المحلية والاقليمية المناهضين لمبادئ الحرية والكرامة والعيش المشترك. لذلك، ليس مستبعداً، لا بل انه أقرب الى التفكير الصحيح، ان تتحد تلك القوى في حربها ضد نهج الحرية الذي تحول الى وعي جمعي يضمن العيش الكريم والحياة الحرة والتألف بين الشعوب ومكوناتها الأثنية والطائفية والثقافية. فبعد انهيار الاشتراكية المشيدة والنضال الدؤوب ضد قوى الاستبداد والرأسمالية، اضحت أفكار حركة الحرية، على الرغم من كل هجمات الإبادة، الخيار الوحيد والضامن الأوحد للحرية.

وبناء على ما تقدم، على الرغم من صدور تصريحات من هنا وهناك ضد تهديدات أردوغان، إلا انه من السهل والممكن جداً ان نراهم يتفقون ضدنا غداً. فمحاولات كل من السويد وفنلندا الانضمام الى حلف الشمال الأطلسي على الرغم من الرفض الظاهر من قبل تركيا، والاجتماعات والبازارات السرية التي يجرونها مع تركيا لضمان موافقتها، تفسر هذه الحقيقة التي طالما حاولنا قولها على طول هذه المقالة.

زر الذهاب إلى الأعلى