ثقافةمانشيت

<هركول> معرض الكتاب <<قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت!>>

كثيراً ما كنا نسمع عبر التلفاز عن أن المدينة “القاهرة أو بيروت أو..”، تستضيف المهرجان الفلاني ومعرض الكتاب الفلاني عن دورته الفلانية، وكنا نتساءل لماذا ليس بمقدورنا أن نرى هكذا فعاليات في مدننا؟! ما الذي يمنعنا من ذلك؟! لما لا نستطيع أن نكون مركزاً للثقافة لا سيما وأننا نملك كتّاباً وأصحاب أقلام مميزة ينافسون كُتّاب العالم أجمع بإبداعاتهم وأفكارهم المتميزة؟! لماذا يتحتم على هؤلاء البقاء قيد أسر فُرِضَ عليهم؟

ببساطة الجواب كان يكمن في أننا نسكن مدناً نائية، لا اهتمام لها ولا عناية بها، مدن لا تعرف الثقافة الطريق إليها، مدن لا تمر منها إلا طرق الجهل، التقشف وتقيد الحريات، والتغييب السياسي والثقافي وما شابههما من جوانب، وأنظمة حاكمة تجد في صالحها بقاء الشعوب رهن الجهل والتخلف، ولا رغبة لها في التنوير والتطوير، ولا تغالي كثيراً في تحقيق ما تصبو إليه.

إن واقع الثقافة في منطقة الشرق الأوسط عموماً وسوريا خصوصاً وإذا ما أخذنا روج آفا قبل ثورة 19 تموز تحت المجهر ودرسناها بدقة أكبر، نجد الثقافة الواحدة ألا وهي العروبية الخالصة التي تدعو إلى العنصرية التي هي الغالبة، إلى جانب تغييب الثقافات واللغات للمكونات والشعوب التي تعيش على هذه الرقعة من الأرض منها الكردية، السريانية التي تضم بدورها (الأرمنية، الآشورية، السريانية، الكلدانية الشركسية)، هذا فضلاً عن التقصد في قلة المراكز الثقافية في روج آفا، وذلك لمنع التنوير الثقافي، بالإضافة إلى عدم دعم قراءة الكتب التي ندرك تماماً أنها من المصادر الرئيسية لإكساب الإنسان المعرفة وتشكيل وعيه وعلومه، وإذا ما تعمقنا في هذه المسألة ولو قليلاً نستطيع الوصول إلى نتيجة مفادها أن الكتب تمهد لمناخ ثقافي يدفع الإنسان نحو الوعي السياسي والمطالبة بواقع أفضل إدارياً، لذلك لم تشجع حكومات الشرق الأوسط الشعوب على ذلك. إن هذا الأمر يحثنا على المطالبة بالمزيد من الفعاليات الثقافية مثل معرض الكتاب، مهرجان السينما، الأغنية، الرقص وما مثلها.

قبل أكثر من 4 سنوات من الآن، وفي أحد الأيام وبينما كان أستاذي الملم بالشعر والثقافة عموماً -وينحدر من مدينة عامودا المدينة المغيبة في الخارطة السورية ثقافياً، بالرغم من أنها موطن الكثير من المثقفين والكتّاب الذين يشهد لهم التاريخ على قوة فكرهم وإبداع قلمهم-، يتحدث لي عن قوة القراءة وأثرها الكبير في حياة المرء، ويحثني ويدفعني لإعداد تقرير عن القراءة ومدى الإقبال عليها في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي، ذكر لي مثلاً عن القراءة وقال بأنه اُعتمِدَ كعنوان لأسبوع الثقافة في فرنسا لا زلت أتذكره حتى اللحظة، آنذاك قال لي المثل المشهور لبيار دو لاغورس والذي يقول: <قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت!>. للدلالة على الأثر الكبير للقراءة في شخصية الإنسان وطبائعه وعاداته كفرد ضمن المجتمع.

تشجيعاً على القراءة أقامت هيئة الثقافة والفن في الإدارة الذاتية الديمقراطية بمدينة قامشلو مركز إقليم الجزيرة، معرض الكتاب (هركول) على مدار 6 أيام متتالية للدورة الثالثة على التوالي.

انطلاقة معرض الكتاب

في ذكرى استشهاد الكاتب والقيادي في وحدات حماية الشعب حسين شاويش، تشهد مدينة قامشلو كل عام معرض الكتاب (هركول) الذي ينطلق بتاريخ 20 ويستمر حتى  25 تموز، وينضم إليه العشرات من دور النشر، المكتبات والكتّاب واتحادات المثقفين على امتداد روج آفا وسوريا بنتاجاتهم، وكان معرض هركول هذه السنة في دورته الثالثة.

من هو حسين شاويش (هركول) الكاتب والقيادي

ينحدر حسين شاويش (هركول) من قرية بروج في منطقة كوجرات التابعة لديريك، ينتمي لعائلة وطنية مشبعة بالقيم والمبادئ الكردية الأصيلة.

له ربع قرن ونيف من النضال، وكان القائد والمقاتل والمعلم، انضم لقوات الكريلا المقاتلة على ذرى جبال كردستان واعتقلته السلطات التركية لخمسة عشرة عام، بعد خروجه من السجن عاد مجدداً ليلتحق بصفوف الكريلا، وبعد انطلاقة ثورة روج آفا عاد إليها بكل رصيده النضالي المقاوم وشارك في تأسيس حركة المجتمع الديمقراطي وتسلم فيها مناصب قيادية مكنته من العطاء بلا حدود وعلى كل المستويات، وشارك بفاعلية غير منقطعة النظير في كل المحافل السياسية والعسكرية والايديولوجية والإعلامية في ثورة التاسع عشر من تموز، فكان بحق ارشيفاً حياً للثورة المتقدمة في روجافا، ولم يشأ إلا أن يشارك عملياً في بناء وتدريب وتطوير وعمليات وحدات حماية الشعب لأنه كان يدرك جيداً دور النضال المسلح في رسم مستقبل الشعوب. واستشهد الرفيق حسين شاويش في يوم 20 تموز2016 نتيجة حادث أليم حين كان في مهمة اعتيادية لنشاطاته التنظيمية خلال فترة إحياء ذكرى ثورة التاسع عشر من تموز.

بماذا تميز معرض الكتاب <هركول> في دورته الثالثة

يقول الكاتب الكردي المخضرم صالح حيدو الذي شارك في هذا المعرض بـ 40 كتاب – كلها باللغة الكردية تتناول الفلكلور، الشعر والقصص والأبحاث-، بعد تقدمه  بالشكر لهيئة الثقافة التي بذلت الكثير من الجهد على تنظيم هذا المعرض الذي أفرح بدوره قلوب الكثيرين على حد قوله: <“معرض الكتاب هو عمل مقدس لأن الكتاب في كل زمان أداة مقدسة للوعي والإصلاح والتقدم، وإذا ما عدنا إلى الكتب المقدسة نجد أنها نزلت لإصلاح المجتمع وتحسينه، وإذا ما أرادت سلطة ما القضاء على أمة أو قوم ما تستهدف ثقافته وعاداته وكتبه أولاً.

يتميز معرض السنة عن السنوات السابقة بالكم الكبير من الكتب والعنوانين، المشاركين، وتوفر جميع أصناف الكتب، لكن مقتنيّ الكتب وبمعنى أدق (مشتريّ الكتب) كان عددهم أقل من السنتين الفائتتين خصوصاً فيما يخص اللغة الكردية، وحتى الآن الكتب الكردية هي الأقل اقتناءً من قبل زوار المعرض، لأسباب تعود إلى الصهر والتمنع المطبق على لغتنا الأم، نحن نتوقع أن تهتم أجيالنا الصاعدة بلغتهم الأم أكثر من الأجيال الحالية”>.

وانتقد صالح حيدو عدم الاهتمام الكافي بالكتّاب وأصحاب النتاجات الذين عملوا على إظهار معاناة شعبهم، في هذا المعرض من قبل المعنيين. ولفت إلى مسألة جد مهمة وهي أن المكتبات تشارك في المعارض بعنوانين كثيرة، ونظراً للأحوال المادية كان يتوجب عليها وضع خصم على ثمن هذه الكتب تشجيعاً على القراءة.

أما الكاتب عباس اسماعيل المهتم بعلوم اللغة الكردية والقصص الكردية شارك في المعرض بـ26 كتاب/ 25 منها باللغة الكردية وكتاب واحد باللغة العربية، فيقول: هذا المعرض فيه عدد أكبر من الكتب مقارنة بالدورتين السابقتين، وكذلك المشاركين من مكتبات ودور نشر، هي خطوة لاقت ترحيباً كبيراً من قبل الأوساط الثقافية والمجتمعية والسياسية..، ونتمنى نجاحاً أكبر في دوراته القادمة.

معظم زوار المعرض إقبالهم ضعيف على اللغة الكردية، فلدي 26 نتاج، 25 منهم باللغة الكردية لا أحد يهتم بهم، غير أن الكتاب الوحيد باللغة العربية يلقى كل الاهتمام، وهذا الأمر غير منصف بحق اللغة الكردية.

سابقاً أوصلت صوتي للمعنين إلا أنني أود إيصاله مرة أخرى عبر صحيفتكم، حبذا لو يتم التركيز أولاً على طباعة القواميس، والفلكلور الكردي حفاظاً على الكلمات الكردية الأصيلة من الضياع، ومن ثم على الشعر والقصص الكردية.

اهين محمد عضو لجنة الأدبيات في روج آفا تقول بدورها إنهم يشاركون في المعرض للمرة الأولى بـ 20 نتاج 4 منها باللغة العربية، والبقية باللغة الكردية، هي عبارة عن رواية ومجموعات  قصصية وأخرى شعرية، وثالثة أمثال شعبية كردية، وتجارب حياتية لشخصيات مجتمعية، بالإضافة إلى كتب تتناول الفلكلور الكردي، وعن سير حياة الشهداء وقصص مقاومتهم.

بحسب آهين ما يلفت النظر في هذا المعرض هو الإقبال الكبير من الفئة الشابة وخاصة من طلاب الجامعات، وهذا يشير إلى ارتفاع معدلات القراءة بين المجتمع وخصوصاً الشباب.

ثمن الكتب في المعرض شكّل عائقاً أمام بعض الزوار في اقتنائهم للكتب، ونحن في لجنة الأدبيات لم نهتم بسعر الكتاب بقدر اهتمامنا في اقتناء كتبنا من قبل الزوار ليستفيدوا من المعارف الموجودة ضمن الكتب والنتاجات الموجودة لدى لجنة الأدبيات في روج آفا.

أما هبة حجازي من اتحاد المثقفين بمدينة منبج تعبر عن رأيها حول المعرض بالقول:

شاركنا في المعرض للمرة الثالثة بـ40 كتاب ورواية تتحدث عن تبادل الثقافات ضمن المجتمع السوري، اعتبر هذا المعرض ناجحاً على مدار أيامه الستة، أقيمت ضمنه نشاطات جميلة شجعت على الثقافة وتبادل الثقافات والآراء، والإقبال على المعرض كبير بشكل لم نتوقعه، زارته وفود كثيرة حتى من شيوخ العشائر والمجالس العسكرية.

لدي فكرة ورأي فيما يخص النتاجات بغير لغات نود لو تترجم إلى لغات أخرى لنستطيع اقتنائها والاستفادة منها بشكل أكبر. كما أن هنالك ملحوظة على طريقة تنظيم مكان نتاجات المشاركين، فالبعض تهمش بسبب هذا الأمر.

عموماً نتمنى أن تتكرر مثل هذه الفعاليات، وتكون أنجح من النجاح الذي نراه أمام أعيننا، لأنها تشجع على الوعي الفكري والتطوير الثقافي، والكتب خصوصاً لا نرتوي من اقتنائها.

واتمنى لو يقام مثل هذا المعرض في منبج وأن يشرفنا الشعب من كل صوب وحدب كما في هذا المعرض.

فعاليات المعرض

إلى جانب عرض المشاركون في المعرض كتبهم ونتاجاتهم والنقاشات الصغيرة التي كانت تتم في القسم الخاص بهم مع الزوار وفيما بينهم، ألقيت على مدار الأيام الست المتتالية ثلة من المحاضرات في الساعة 12 ظهراً من كل يوم حضرها المشاركون والزوار وتبادلوا آرائهم حول المواضيع التي هي عن: موازين الشعر الكردي الكلاسيكي ألقاها الكاتب والصحفي ملفان رسول في اليوم الأول، عن التصوف وعشق الحقيقة ألقت المحاضرة الباحثة جنار صالح في اليوم الثاني، عن قسم من تاريخ إقليم (كرد يهود) ألقاها الكاتب عباس اسماعيل في اليوم الثالث من المعرض، محاضرة بعنوان اعرف نفسك ألقاها الكاتب والباحث خالص مسور في اليوم الرابع، أما عن المرأة والدفاع المشروع ألقتها المقاتلة في وحدات حماية المرأة سوزدار قامشلو، وأخيراً في اليوم السادس ألقى الرئيس المشترك لهيئة الثقافة في إقليم الجزيرة حنا حنا محاضرته عن تاريخ الجزيرة الكبرى.

وفي الساعة 6 من مساء كل يوم أُجريت نقاشات الطاولة المستديرة في الأيام الخمسة الأولى على التوالي وهي: علم اللغة- دور الأدب في الحرب والسلم- الأسطورة- أساسيات المسرح المتكامل- الجنولوجيا.

وإلى جانب معرض الكتاب أقيم معرض للصور شارك فيه إعلام قوى الأمن الداخلي لثلاثة أيام الأولى بقرابة 40 صورة التقطت لأعضاء قوى الأمن الداخلي أثناء تأديتهم لواجبهم في حفظ الأمن في مختلف مدن ومناطق شمال وشرق سوريا.

وفي الثلاث أيام الأخيرة شاركت مؤسسة “شوبدارين روجيه” بما يقارب أيضاً 40 صورة التقطت في جبهات القتال في شمال وشرق سوريا.

إعداد: سيدار رمو

زر الذهاب إلى الأعلى