المجتمعمانشيت

مخيم الهول …. مأساة إنسانية وخطورة أمنية

بعد انتهاء المعارك العسكرية ضد إرهاب داعش, والإعلان عن تحرير كامل شمال وشرق سوريا من التنظيم, وتخليص شعوب المنطقة ومكوناتها من الفكر الظلامي والتكفيري بفضل بسالة وتضحيات قوات سوريا الديمقراطية, يبدو أن مشكلة تنظيم داعش لم تنتهِ وإنما ازدادت تفاقماً, في ظل امتناع الدول عن استعادة مواطنيها الذين بايعوا داعش وانضموا إليه وباتوا الآن عبئاً على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا, التي تحتفظ بهم في مخيماتٍ ومراكز اعتقال لحين إيجاد حلٍّ لهم, ويبرز اسم مخيم الهول كأكبر تجمعٌ للاجئين وكذلك لعوائل تنظيم داعش, وقد بات الآن مكتظاً ويحوي أشخاصاً وعوائل تفوق طاقته بأضعاف, ناهيك عن عدم قدوم المنظمات لإغاثية والإنسانية لتخديم هذا المخيم, ولمعرفة أوضاعه عن كثب قامت صحيفة الاتحاد الديمقراطي بإعداد التقرير التالي عنه:

يقطن في مخيم الهول 73ألف شخص من جنسيات سورية وعراقية وجنسيات أخرى عربية وأجنبية وآسيوية، منهم(12200) عائلة عراقية تتألف من نحو( 32200) من أطفال ونساء وبعض الذكور، وكذلك تتواجد آلاف العوائل من جنسيات مختلفة غربية وأوروبية وآسيوية وشمال أفريقية ومن جنسيات أخرى، وباقي العائلات من الجنسية السورية, وهناك ما يقارب(11039) امرأة وطفل من عائلات تنظيم داعش الأجانب، وتم تخصيص ( 3318 )خيمة لهم في مخيم خاص, ويشهد مخيم الهول معاناةً وحالات مأساوية بسبب سوء التغذية وانتشار الأمراض و على وجه الخصوص بين فئة الأطفال بسبب عدم تقديم أية مساعدات من المنظمات العالمية.

يجب على العالم كله أن يساعدنا في هذه الحالة الإنسانية

وقبل أيام قليلة قام وفدٌ من مجلس سوريا الديمقراطية بزيارة مخيم الهول للاطلاع على الأوضاع هناك, حيث أوضح الرئيس المشترك للمجلس (رياض درار) أسباب هذه الزيارة قائلاً:

زيارتنا إلى مخيم الهول هي للاطلاع على نتائج ما بعد حملة الباغوز, يتواجد عددٌ كثيف من البشر يستحقون على الأقل حياة كريمة في المخيم سواءً كانوا من تنظيم داعش أو من باقي المواطنين في المنطقة, والحالة الإنسانية التي نتبناها نحن كمجلس سوريا الديمقراطية هي نتاج عقيدتنا وإيماننا بأن الإنسان هو إنسانٌ أينما كان, والشخص الذي يستحق المحاكمة سوف يُحاكم وينال جزاءه.

كما شرح (درار) أوضاع المخيم قائلاً:

هناك تقصيرٌ كبيرٌ في هذا المخيم من ناحية الحالة الإنسانية, والمسؤولية الواقعة على عاتق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا كبيرة وتفوق طاقاتها وإمكانياتها, فنحن لا نستطيع إيواء وإطعام وتحسين أوضاع الناس الموجودين في هذا المخيم, فالعدد كبير جداً ولم يكن متوقعاً, لذلك يجب على المنظمات الإنسانية التوجه إلى هذا المخيم لتقوم بواجباتها وألّا تكتفي بالنقد والتنظير والأعمال البيروقراطية الشكلية, نحن نريد منها أن تمارس عملاً إنسانياً حقيقياً وتقوم بتفعيل دورها, فهناك احتياجات صحية للمخيم وتأهيل نفسي وتعليم, وكل هذا يتطلب ورشات عمل ومتابعة يومية, وهذا يحتاج إلى أكثر من منظمة لتغطية العدد الهائل لسكان المخيم, فالعبء الكبير الذي نتحمله ليس في مخيم الهول فقط وإنما هناك مجموعة مخيمات في مناطقنا تعاني من نفس المشاكل, ولا نستطيع لوحدنا تقديم كافة احتياجات هذه المخيمات بإمكانياتنا المتوفرة, لذلك يجب على العالم كله أن يساعدنا في هذه الحالة الإنسانية.

أسرى داعش يحملون أفكاراً خارج الدين الإسلامي السَمْحُ

وعن كيفية تغيير ذهنية الأسرى الدواعش وإعادة تأهيلهم أوضح (درار) بالقول:

هذا ليس أمراً سهلاً, لأن ما يُزرع من أفكار في الأذهان خلال أسبوع واحد يحتاج إلى سنوات لإزالته, وفكر وعقلية داعش هي عقيدة بالنسبة لهم ولذلك نحتاج في التعامل معهم إلى عقيدةٍ تستطيع أن تشرح وتبين لهم خطأ ما آمنوا به, وقدراتٍ من ذلك النوع الذي زرع فيهم هذه العقيدة الخاطئة, على أن تحمل الظاهرة الحضارية والإنسانية وليس البربرية التي حملها داعش, والمنتسبون للتنظيم يحملون أفكاراً خارجةً عن سماحة الإسلام, وفكرهم هو إسلامٌ موازٍ يحمل سمة قتل الآخر وفنائه على أن لا يبقى أحدٌ إلا هم, ولذلك فتغيير هذه العقلية يحتاج إلى ورشات عمل قادرة على زرع الأفكار المضادة لعقيدتهم وتصحيح أفكارهم من خلال عمل طويل لا يقتصر على شهور فقط, ولا يعتمد على ورشة عمل أو ورشتين, وإنما يتطلب عملاً مستمراً, وخاصة النساء اللواتي يحملن هذا الفكر ويزرعنه بين الأطفال,أما الرجال فهم يحتاجون إلى وقتٍ طويل لتعديل ما آمنوا به, وبالنسبة للأطفال فعلينا أن نفتتح لهم المدارس المناسبة من أجل نشر العقلية الإيجابية في أذهانهم من خلال المتابعة اليومية.

مخيم الهول يفتقر إلى أدنى المستويات الخدمية والإنسانية

وبدورها قالت الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية (أمينة عمر) خلال زيارتها لمخيم الهول ضمن الوفد:

مخيم الهول يقطنه حوالي 75ألف شخص من الأطفال والنساء, وهذا العدد الهائل يشكل عبئاً كبيراً على المخيم, ويخلق معاناةً حقيقية, ولا يوجد حتى الآن مساعدات خارجية تقدم للقاطنين في المخيم, وذلك بسبب قلة المنظمات الإنسانية العاملة  في المنطقة, نطالب الدول المعنية والمنظمات بأن تتحمل مسؤولياتها, خاصةً وأن معظم الموجودين في المخيم أجانب وعلى دولهم أن تتحمل المسائل الإغاثية لهم في ظل رفض تلك الدول استعادة مواطنيها, ونطالب المجتمع الدولي بالتحرك لحل مشكلة أسرى داعش الأجانب, فهم إلى جانب أنهم يُعتبرون عبئاً كبيراً على الإدارة الذاتية لشمل وشرق سوريا, فهم يشكلون خطراً كبيراً جداً على المنطقة بسبب الفكر الإرهابي الداعشي الذي يؤمنون به, ومخيم الهول يفتقر إلى أدنى المستويات الخدمية والإنسانية, ويعاني من قلة المراكز الصحية والأطباء والمرافق العامة.

استمرار المأساة الإنسانية بسبب تقاعس المنظمات الدولية

 وقد قام المرصد السوري لحقوق الإنسان بإعداد تقريرٍ عن مخيم الهول جاء فيه:

استمراراً للمأساة الإنسانية لا يزال الموت يزهق أرواح المزيد من الأطفال في دويلة الهول في ظلّ الغياب التام للعناية الطبية ونقص الدواء والغذاء،  بسبب تقاعس المنظمات الدولية، والتي لم تكن على حجم المأساة والكارثة التي يشهدها المخيم الذي بات من أكبر المخيمات في منطقة شرق الفرات والأراضي السورية، وارتفع بذلك إلى 228 على الأقل عدد الأطفال الذين فارقوا الحياة منذ مطلع كانون الثاني وحتى السابع من نيسان في استمرارٍ لسلسلة الموت في المخيم الذي يعاني من أوضاع إنسانية صعبة.

وأشار المرصد إلى أن مخيم الهول تحول إلى دويلة صغيرة تضم في غالبيتها أطفال ونساء عناصر تنظيم داعش, وفي حال تعذر معالجة المرضى في المخيم فإنه يتم نقلهم إلى مشفيي الشعب والحكمة في الحسكة، ومشفى فرمان في قامشلو، والمتواجدون في المخيم يعانون بشكل رئيسي من نقص المواد الطبية والرعاية الصحية، بالإضافة لتناقص المواد الغذائية بسبب قلة الحراك من قبل المنظمات الدولية وانعدامه لدى البعض, فالكم الهائل من أعداد النازحين خلال الأشهر الأخيرة إلى المخيم، حال دون تمكن الجهات الإغاثية والطبية المحلية منها والدولية، في تأمينٍ مستمرٍ لكافة المتطلبات لعشرات آلاف الأشخاص القاطنين في المخيم, وبخاصة الأطفال الذين خرج معظمهم من آخر جيوب التنظيم حاملين معهم الأمراض والحالات الصحية المتردية، وتزامن ذلك مع نقص الأدوية والأغذية ولوازم الأطفال من فُوَط وحليب وأدوية خاصة بهم، وما زاد الطين بلة ما يجري من توترات ومشادات وعراك داخل المخيم سواء من هجمات لنساء عناصر التنظيم ومطالبتهن بالإفراج عن أزواجهن, أو من خلال الاشتباكات بين عوائل التنظيم وبخاصة ممن هم من جنسيات مختلفة.

كما أكد منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأزمة السورية (بانوس مومسيس) أن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية والمحلية حريصةٌ على مواصلة تقديم المساعدة لجميع المحتاجين من الشعب السوري من خلال برامج توزيع المساعدات الغذائية والصحية والمأوى، مع التركيز على النازحين السوريين داخل البلاد في المناطق التي تشهد صراعات، وبالتطرق إلى الأوضاع في مخيم الهول في شمال شرق سوريا، أفاد منسق الشؤون الإنسانية بأن أعداد سكان المخيم قد تجاوزت الآن 70 ألف شخص، 90% منهم من النساء والأطفال، كما أن الغالبية العظمى من هؤلاء الأطفال تحت سن الثالثة عشرة, وقال:

 إن غالبية هؤلاء الأشخاص قد وصلوا إلى المخيم خلال الشهرين الماضيين فقط، مما دفع العاملين في المجال الإنساني إلى العمل على مدار الساعة لتلبية احتياجات النازحين من الغذاء والماء والمأوى.

المخيم غير مؤهلٍ لاستيعاب هذا العدد الكبير  

وكانت لجنة من منظمة (حقوق الإنسان في إقليم الجزيرة) قد قامت بزيارة إلى مخيم الهول للاطلاع على الأوضاع الصحية والمعيشية للنازحين واللاجئين داخل المخيم, وقدمت بذلك تقريراً جاء فيه:

 وصل تعداد الوافدين للمخيم بعد حملة عاصفة الجزيرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بداعش إلى أكثر من /71000/ لاجئ ونازح بينهم أجانب من أكثر من /50/ جنسية مختلفة بينهم عدد كبير من النساء والأطفال أكثر من 30% منهم مصابين بسبب المعارك التي فروا منها من هجين والباغوز, ويتم علاجهم وتحويل الحالات الحرجة لمشافي مدينة الحسكة, لكنها غير قادرة على استيعاب العدد الكبير ومتابعته بشكل جيد, والرعاية الصحية المقدمة والتي يقوم بها الهلال الأحمر الكردي وبعض المنظمات الدولية المختصة غير كافية, حيث هناك آلاف الجرحى بحاجة إلى عناية طبية مركزة وهي غير متوفرة, ناهيك عن حالات الأمراض المزمنة والأمراض النسائية والتي هي بحاجة إلى متابعة مستمرة خاصة لدى النساء, حيث ثمة عدد كبير منهم حوامل وبحاجة لرعاية خاصة, كما تم رصد نقص كبير في عدد الخيم ــ أكثر من /5000/ عائلة داخل المخيم ليس لديهم خيم خاصة بهم ــ وعدد كبير منهم يعيشون في خيم جماعية, والكثير منهم موزع داخل خيم مع أكثر من عائلة وسط معاناة من نقص في الغذاء ومياه الشرب, خاصة مع اقتراب فصل الصيف وازدياد الحاجة للمياه والغاز للطبخ والتدفئة, ناهيك عن عدم أهلية أرضية المخيم حيث الوحل وبِرَك الماء والمستنقعات الناتجة عن مياه الأمطار والصرف الصحي.

كلمة المحرر:

مخيم الهول يعاني من نقص حاد في الخدمات الإنسانية والإغاثية ليس لأن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لا تقوم بواجبها, وإنما لأن العدد الهائل من البشر الموجودين في المخيم يفوق طاقة وإمكانات هذه الإدارة, فلو كان سكان المخيم كلهم سوريون لما كانت هناك أية مشاكل أو عقبات أو نقص في المخيم, ولكن بسبب وجود عشرات الآلاف من عوائل تنظيم داعش الأجانب وامتناع دولهم عن استعادتهم, وكذلك تقاعس المنظمات الدولية والإنسانية عن تقديم الخدمات الأساسية للمخيم, كل ذلك ساهم في ازدياد العبء الاقتصادي وكذلك الأمني على الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا, لذلك بعد أن ناشدت الإدارة الذاتية الدول الإقليمية والدولية لاستعادة مواطنيها ممن كانوا في صفوف داعش ولم تلق آذاناً صاغية، طالبت الإدارة بإنشاء محاكم دولية على الأراضي السورية لمقاضاة هؤلاء المرتزقة.

زر الذهاب إلى الأعلى