مقالات

مخططات تركيا من استهداف شنكال

صالح مسلم

في الآونة الأخيرة ازدادت تهديدات الفاشية التركية لشنكال، فلا يصدر تهديد إلا مترافقاً باسم شنكال وكأنها باتت كابوساً تؤرق الفاشية. فلماذا هذا الإصرار؟ وماهي دوافع الفاشية؟.

شنكال منطقة جبلية محاطة بالسهول وتبعد عن حدود الدولة التركية مائة كيلومتر، وهي الموطن التاريخي للإيزيديين الذين صمدوا أمام كل الفرمانات العثمانية وكل محاولات الإبادة، ويمثلون جذور الشعب الكردي اثنياً وعقائدياً، فكل كُتُبهم المقدسة وأدعيتهم باللغة الكردية مما يمنحهم مكانة خاصة لدى كل كردي يبحث عن حقيقته، ومن جهة أخرى أصبحوا هدفاً لكل من يعادي الكردي ويحاول اقتلاع جذور الكرد.

قوى الهيمنة العالمية التي أرادت “بناء الشرق الأوسط الجديد” جعلت من تركيا رأس الحربة لمشروعها، وتركيا وجدت في ذلك فرصة تاريخية مواتية لتحقيق أطماعها، ومنذ بداية تنفيذ التغيير في المنطقة عام 2010 بدأت تركيا تفكر في مخطط “تقويض الكرد” إلى أن تبلور هذا المخطط وتم البدء بتنفيذه عام 2014، وأول خطوة قامت به هي وضع عميلها “أبو مسلم التركماني” معاوناً للبغدادي ضمن داعش لتتمكن من التحكم في قرارات التنظيم ومخططاته بما يخدم توجهات الفاشية التركية، وأول عمل قامت به داعش كان احتلال الموصل والحفاظ على القنصلية التركية فيها لتكون مقراً لهيئة أركان داعش، ويجب ألّا ننسى أن الموصل مع كركوك ضمن “الميثاق المللي” الذي هو حلم الفاشية التركية منذ انهيار الدولة العثمانية.

مخطط الفاشية التركية هو: أن يقوم داعش بكل ما تطلبه الفاشية التركية من قتل وذبح وإبادة وبالطبع لن يحاسبه أحد على جرائمه، ثم تتظاهر الدولة التركية بمحاربتها للإرهاب وتصبح بطلاً، ويتم الاستلام والتسليم كما حدث في جرابلس والباب وإعزاز.

وفي تفاصيل المخطط التركي يأتي اقتلاع الشعوب الأصيلة التي (حسب زعمها) تخلق المشاكل للفاشية التركية من جذورها، ولهذا دمَّرَ تنظيم داعش كل المعالم التاريخية والمعابد للشعب الآشوري والسرياني والكلداني في نينوى، ثم توجَّه إلى شنكال ومنها إلى روجافا ليقوم بتدمير وإبادة كل ما يقع في طريقه إلى أن وصل إلى كوباني وانكسرت شوكته هناك، مما اضطرت الدولة التركية إلى التدخل بذاتها وبكل قذارتها ومكائدها، مثلما قال أردوغان “علينا أن نقطع سرتنا بأيدينا”. أي أن الفاشية التركية ستقوم بما عجزت عنه داعش.

هكذا تم احتلال عفرين وكري سبي وسري كانية وما زالت عينهم على ما تبقى من روجافا، والمناطق الأخرى في باشور والعراق، وشنكال التي فشل داعش في احتلالها تأتي في مقدمة أهداف تركيا لتجعل منها قاعدة للانطلاق إلى كل المناطق التي كان من المفروض أن يحتلها داعش، ولهذا ما زالت تحتفظ  بقاعدتها في بعشيقة وتتمدد نحو باشور من الشمال، وكمرحلة أولى ستفتح طريق “أوفاكوي – تل عفر” للوصول إلى شنكال ثم الموصل ليكون طريقاً دولياً وخط حديدي لفتح طريق التجارة مع العراق ثم الخليج العربي بشكل مباشر، ويفصل باشور عن روجافا، ويتم حبس باشور في الزاوية بانتظار رحمة الفاشية التركية، ويتم اقتلاع جذور الشعب الكردي من شنكال ثم “شيخان”، ثم ليتم إبادة الكرد تدريجياً إما بالإذابة والصهر أو الاستسلام.

لذا نرى أن شنكال تشكل حجر الزاوية في هذا المخطط الرهيب، وما عدا ذلك كلها تفاصيل يمكن تعديلها أو تأجيلها حسب قدرة الفاشية التركية وإمكانياتها، ولكن يبقى الهدف الرئيسي هو الإبادة الكردية في باشور وروجافا وباكور، والأسلوب التقليدي التركي في ذلك هو استخدام الكرد ضد الكرد وبذر بذور الفتنة والخلاف بشتى الوسائل، مثلما فعلت عبر تاريخها العثماني في القرن التاسع عشر والقرن العشرين وما زالت قادرة على القيام بذلك في يومنا الراهن.

سياسات الدولة التركية في الداخل والخارج كلها تتمحور حول هذا الهدف وهو “إبادة الكرد”، فهي استفادت من إمكانيات الناتو التقنية والمادية واستخدمتها ضد الكرد على مدى سبعين سنة وحتى الآن، وبدأت بمسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي واستفادت تجارياً وتقنياً وتخلت عن الانضمام عندما وجدت أن معايير الاتحاد الأوروبي الديموقراطية التي يجب تطبيقها كشرط من شروط الانضمام ستمنح بعض الحقوق الديموقراطية للشعب الكردي، ورضخت لكل مطالب الروس وبوتين بعد إسقاط الطائرة الروسية لأن الروس هددوا بمساعدة الكرد إذا لم تنصاع تركيا لهم مما يدل على أن الفاشية التركية مستعدة للتخلي عن كل شيء في سبيل أن لا يصل الكرد إلى حقوقهم الديموقراطية.

فهل سيصحى الكردي على ما يخطط له، وهل سيكون على مستوى التعامل مع هكذا مخططات جهنمية ليحافظ على وجوده وأرضه وجذوره. هذا ما سنراه في الأيام القادمة، وشنكال هي حجر الزاوية.

زر الذهاب إلى الأعلى