الأخبارمانشيت

مجلة فورين بوليسي: قد تكون إدارة “ترامب” خانت الكرد.. لكن لم يفت الأوان لـ”روج آفا”

إدوارد هانت / مجلة فورين بوليسي إن فوكاس الأمريكية

بينما تواصل تركيا هجومها العسكري المدمر على روج آفا، المنطقة التي يسيطر عليها الكرد في شمال شرق سوريا، يواجه المسؤولون في “واشنطن” قرارًا حاسمًا: السماح لتركيا بأن تستمر في حملتها للتطهير العرقي ضد الكرد أو اتخاذ إجراءات لحمايتهم.

الغزو التركي، الذي بدأ في 9 أكتوبر/تشرين الأول، كان مدمرا لـ”روج آفا”. ووفقًا للأمم المتحدة، تم تشريد حوالي 180000 شخص، من بينهم 80000 طفل. في بداية الهجوم، أعلن المسؤولون الأتراك أن القوات التي تقودها تركيا قتلت أكثر من 200 مسلح كردي. وبعد حوالي أسبوع، قال مسؤولون كرد إن أكثر من 200 مدني قتلوا.

وبعد جمع شهادة الشهود، ذكرت منظمة العفو الدولية أن القوات التركية والميليشيات المتحالفة معها ارتكبت جرائم حرب. وقالت المنظمة المعنية بحقوق الإنسان: “لقد أظهروا تجاهلًا مخزيًا للحياة المدنية، حيث ارتكبوا انتهاكات خطيرة وجرائم حرب، بما في ذلك أعمال القتل دون محاكمة والهجمات غير القانونية التي أسفرت عن مقتل وجرح مدنيين”.

وأمام “الكونغرس” الأمريكي، اعترف جيمس جيفري المبعوث الخاص لإدارة “ترامب” إلى سوريا، بأنه “لقد رأينا العديد من الحوادث التي نعتبرها جرائم حرب”، مشيرا إلى مقتل السياسية الكردية هفرين خلف وقتل العديد من الأسرى الكرد العزل من قبل الميليشيات الموالية للأتراك.

عندما بدأت القوات التي تقودها تركيا غزوها، كان من الواضح أنها تنوي تطهير المنطقة من سكانها الكرد، حيث إنه لسنوات طويلة، ظل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يهدد بطرد الشعب الكردي من المنطقة، بعد أن قاد حملة مماثلة في “عفرين” في أوائل عام 2018.

وقال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، في فترة الهجوم التركي: “نحن نشهد تطهير عرقي في سوريا من قبل تركيا، وتدمير حليف موثوق به في الأكراد، وعودة ظهور داعش”.

ما جعل ذلك الهجوم شنيعًا بشكل خاص هو حقيقة أن الكرد كانوا حلفاء للولايات المتحدة. لسنوات، عملت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكراد مع الجيش الأمريكي لمحاربة ودحر تنظيم “داعش” في سوريا. ووفقًا للمسؤولين الأمريكيين، فإن القوات التي يقودها الكرد كانت أكثر المقاتلين فعالية على الأرض في سوريا. وأشار “جيفري” إلى أن “هؤلاء كانوا حليفًا وصديقا جيدًا للغاية ضد داعش، وهم حليف فعال للغاية فقد أكثر من 10000 قتيل”.

وقد دافع الرئيس “ترامب”، الذي أيد وسهل الهجوم التركي بسحب القوات الأمريكية، عن تصرفات تركيا بحجة أن البلاد واجهت تهديدًا إرهابيًا من الكرد، حيث قال “ترامب”: “كان يتعين على تركيا تطهيرها”، في إشارة إلى المنطقة التي يسيطر عليها الكرد على طول الحدود التركية.

أدان القادة الديمقراطيون والجمهوريون بشدة تصرفات “ترامب”، متهمين الرئيس بخيانة شركاء الولايات المتحدة. في عدة جلسات استماع بـ”الكونغرس”، انتقد العديد من المسؤولين من الحزبين الرئيس على فتح الباب أمام التطهير العرقي للكرد في تركيا. وقال عضو الكونغرس آندي ليفين: “لقد أعطى رئيس الولايات المتحدة ضوءًا أخضر لعملية تطهير عرقي”، فيما علق السيناتور جيري كونولي بأن “التخلي عن الكرد هو أحد أكثر الأشياء المخزية التي رأيتها في أكثر من 40 عامًا من الانخراط في السياسة الخارجية الأمريكية”.

وعلى الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين محقون في إدانة “ترامب” لخيانة الكرد، فقد قللوا من أهمية العديد من العوامل الإضافية التي أدت إلى الأزمة. منذ مارس/آذار 2018، عندما حاول “ترامب” لأول مرة التخلي عن الكرد، تحاول مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية استرضاء الأتراك واستغلال الكرد في الحرب الأهلية السورية، ولم تكن مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية مستعدة للحفاظ على سلامة الكرد، كما وعد العديد من المسؤولين بذلك.

كانت محاولات الولايات المتحدة لاسترضاء الأتراك فشلاً تامًا. في الأشهر التي سبقت غزو الأتراك، شجع المسؤولون الأمريكيون الكرد على إزالة أسلحتهم الدفاعية والتحصينات من الحدود التركية، وقد مهدت هذه الإجراءات الطريق للغزو التركي. وقال السيناتور كريس مورفي: “مع هدم هذه الدفاعات، بقي الكرد أكثر عرضة للهجوم الذي لا مفر منه”.

ولم يضع المسؤولون الأمريكيون خطة لحماية الكرد، بل ظلوا يركزون على استغلال السيطرة الكردية على شمال شرق سوريا كقوة ضغط في المفاوضات السياسية مع الحكومة السورية حول مستقبل سوريا. وفي الشهر الذي سبق إطلاق تركيا لغزوها، أصدرت مجموعة دراسة سوريا (SSG)، وهي مجموعة دراسة خاصة عقدها وشكلها “الكونغرس”، تقريرًا تقول فيه إن “الولايات المتحدة لا تزال قادرة على التأثير في نتائج الحرب السورية”، جزئياً عن طريق الإبقاء على القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا والاستفادة من السيطرة الكردية على روج آفا.

وقالت الرئيسة المشركة للجنة دانا سترول: “السبب في أن مجموعة دراسة سوريا تحدثت عن الحاجة للاحتفاظ بوجود عسكري أمريكي في هذا الثلث من سوريا لم يكن فقط إكمال القتال ضد داعش، بل كان حول النفوذ الأوسع لهذا الثلث من سوريا.. هذا هو الجزء الغني بالموارد في سوريا، ما يوفر لنا القدرة للتأثير على نتيجة سياسية في سوريا”.

هذه التحركات أثبتت أنها كارثية للكرد. لم تفشل مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية في ردع أي هجوم تركي فحسب، بل إنها خلقت وضعا طلب فيه الكرد المساعدة من الحكومة السورية. عندما بدأ الأتراك هجومهم، دعا الكرد قوات الحكومة السورية إلى روج آفا، وعملوا معهم لردع الهجمات التركية الأخرى.

ولعل أكثر ما يلفت النظر هو أن مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية لم تغير استراتيجيتها. على الرغم من حقيقة أن القوات التركية تحتل الآن أجزاء من “روج آفا” وأن الحلفاء الكرد لجأوا إلى سوريا طلبًا للحماية، لا يزال المسؤولون الأمريكيون يعتقدون أنهم يستطيعون استخدام الكرد كوسيلة ضغط ضد الرئيس السوري بشار الأسد.

أوضح “جيفري” أن “تعليماتي من الوزير بومبيو منذ اليوم الأول… كانت العمل لمواجهة مجهود روسيا في الصراع السوري للحصول على نصر عسكري لـ(الأسد) وأتباعه الإيرانيين.. وهذا ما كنت أفعله كل يوم وهذا ما ظلت عليه أوامري”.

ولمنع الروس من مساعدة “الأسد” في ممارسة سيطرة إضافية على “روج آفا”، تقوم إدارة “ترامب” بنقل المئات من القوات العسكرية الأمريكية إلى المناطق الغنية بالنفط، في محاولة لاستخدامها كأداة للضغط. ووفقًا للجنرال جوزيف فوتيل القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية، فإن السيطرة الأمريكية توفر “نقطة تفاوض جيدة” للمفاوضات المستقبلية مع الحكومة السورية.

بالتأكيد، هناك بدائل لهذه التكتيكات الإمبريالية. الأمر الأبسط والأوضح هو أن يأخذ المسؤولون الأمريكيون في الاعتبار التفضيلات الكردية. على المستوى الأساسي، يجب أن يدعم المسؤولون الأمريكيون التطلعات السياسية للكرد، الذين يحاولون إنشاء منطقة تتمتع بالحكم الذاتي داخل سوريا. خلال السنوات القليلة الماضية، كان الكرد يقودون ثورة اجتماعية يسارية في “روج آفا”، وخلقوا مجتمعًا من “الفيدرالية الديمقراطية” المتجذرة في قيم البيئة والحركة النسائية والديمقراطية المباشرة.

ووفقًا للسيناتور جيف ميركلي، كان هناك “الكثير من الدعم الضمني لدعم الكرد في الرؤية التي كانوا يحملونها”، لكن المسؤولين الأمريكيين لم يدعموا المشروع الكردي علنًا. كذلك، هناك خيار ذو صلة يتمثل في أن يفي المسؤولون الأمريكيون بوعودهم بالسماح للكرد بالمشاركة في المفاوضات مع الحكومة السورية، حيث إن المشاركة الكردية ستمكن الكرد من تقديم حجتهم لإنشاء منطقة تتمتع بالحكم الذاتي داخل سوريا.

كذلك، هناك خيار آخر يتمثل في أن تعمل القوات الدولية مع الكرد لردع الهجمات المستقبلية، وتحتفظ القوات العسكرية الأمريكية بالفعل بالسيطرة على المجال الجوي فوق شمال شرق سوريا، وبهذا يمكن للقوات الأمريكية فرض منطقة حظر طيران، ما يمنع الأتراك من شن هجمات جوية. في الوقت نفسه، يمكن لقوات حفظ السلام الدولية أن تحل محل القوات الأمريكية على الأرض، وتقوم بدوريات في المنطقة لردع الهجمات المستقبلية.

أخيرًا، يتعين على قادة العالم اتخاذ إجراءات لمحاسبة تركيا من خلال التحقيق في تهم التطهير العرقي وجرائم الحرب. وقال الدبلوماسي الأمريكي ويليام روباك: “لنكن واضحين: هذا تطهير عرقي مقصود النية.. إنها جريمة حرب”.

في النهاية، فإن الهجوم التركي على “روج آفا” لم يكن يجب أن يحدث أبدا. أدركت مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية طوال الوقت أن “ترامب” سيخون الكرد، وأن تركيا لن ترضي بالمطروح، وأن الكرد سيتحولون إلى “الأسد” بدافع اليأس. وأقر “جيفري”: “لقد عرفنا منذ فترة طويلة أن تركيا تستعد لهذا الشيء.. لقد كان لتركيا قوات قائمة منذ عام تقريبًا وهددت بالقيام بذلك”.

مع ذلك، ولحسن الحظ، هناك وقت لتغيير الأمور. لقد خسر الكرد أكثر من 10000 شخص في الحرب ضد “داعش” وما زالوا يؤسسون لإنشاء واحدة من أكثر التجارب الديمقراطية الواعدة في الشرق الأوسط، وبالتالي فإنهم يستحقون الدعم الأمريكي .

نقلا عن المركز الكردي للدراسات 

زر الذهاب إلى الأعلى