مقالات

مبادرة أوجلان… وذهنية الإلغاء

دوست ميرخان

تعاني المنطقة عموماً من صراعات وأزمات لا نهاية لها كما يبدو في الأفق البعيد،  ومعظم هذه الصراعات تتشابه في الأسباب والنتائج، ولعل أبرز هذه الاسباب تلك المتعلقة بسياسية الدولة التركية على الصعيدين الداخلي والخارجي، فمن جهة الصراع بين النظام الحاكم في تركيا والقوى الشعبية الديمقراطية والتي تمثل الكرد الجزء الأكبر منها هو ذاته الأول يتمسك بعقليته الاستبدادية الديكتاتورية بشقيه الديني والقومي، و الثاني مصرٌ على مقاومة الاستبداد ولا يقبل بالخنوع، وهذا الصراع المتصاعد حسب ظروف المرحلة و التوازنات الإقليمية والدولية التي تطرأ على الشرق الأوسط والعالم في كل منعطف أو تحولٍ ينعكس  على السياسية الخارجية للدولة التركية.

أكثر من مئة عام وتركيا تحارب الكرد أينما كانوا وبشتى الوسائل لم تذعن يوماً ما للعة العقل ولغة السلام التي شقت بها حناجر الكرد وقدم آلاف التضحيات في سبيل العيش بكرامة وحرية على أرضهم إلى جانب بقية المكونات التي نالت هي أيضاً جزءاً من هذه الممارسات اللاإنسانية.

 واليوم  تستمر هذه الدولة التي يحكمها الطغاة في كل مرة  في  دسِّ المؤامرات وشن الهجمات ضد الكرد في كل أرجاء المعمورة، ولا تفوتها أية فرصة في النيل من الشعب الكردي في كل الاتجاهات.

 في سوريا قدم الكرد وبقية المكونات الأخرى آلاف الشهداء في سبيل الحفاظ على وجودهم وتعايشهم المشترك، واستطاعوا أن يحموا مناطقهم ويدحروا الإرهاب وشروره، كما أسسوا نظاماً إدارياً ديمقراطياً  مرتكز على عقد اجتماعي يصان فيه حقوق كل المكونات حتى المكون التركماني الذي يدعي الدولة التركية حمايته في سوريا وفي العراق أيضاً.

 وفي ظل التهديد بالاحتلال والابادة وفي ظل جحود وصمت دولي لن يبقى أمام الكرد وبقية المكونات  إلا مواصلة  المقاومة ضد كل محتل غازي يهدد وجودهم. الدولة التركية تحتل اليوم مساحة كبيرة من غرب الفرات وهي مصرة على احتلال بقية المناطق في شمال سوريا المناطق، تلك المناطق التي باتت رمزاً للثورة وللمقاومة ونموذجاً للتعايش والسلم ليس في سوريا فقط بل في عموم الشرق الأوسط والعالم.

لذا فأن القول بأن تركيا جزء من الحل في سوريا أو الشرق الأوسط عموماً يشكل أزمة بحد ذاتها، إذ يتوضح من المتغيرات التي تطرأ على السياسة الدولية عموماً بأنها لن تكون جزءاً من الحل السياسي بقدر ما هي أداة ووسيلة للتدمير وللتخريب، وسياستها في التلاعب بين روسيا وأمريكا لن تخدم في النهاية أية من أهدافها في المنطقة، وإذا ما لم تذعن تركيا للغّة العقل والسلام فأن أزماتها ستتفاقم ومعها سيتصاعد وتيرة الصراع في المنطقة.

لغة العقل التي نتحدث عنها تكمن في رسالة المفكر والقائد أوجلان  والذي عبر فيها عن إمكانية حل الأزمات والصراعات في كلٍ من سوريا وتركيا وفي عموم المنطقة مشيراً إلى نموذج المشروع الديمقراطي الذي طرحه لحل قضايا الشرق الأوسط بالسبل السياسية الديمقراطية بعيداً عن الحروب، لكن هل ستتخذ تركيا موقفاً عقلانياً وتبتعد عن ذهنيتها الاستعلائية العدائية، وتستغل هذه الفرصة وتكون جزءاً من عملية السلام ومشروع الحل الديمقراطي في سوريا والمنطقة؟.

لقد وصف العديد من المفكرين رسالة أجلان بالإيجابية وبأنها خطوة جريئة، لقائد قضى أكثر من عشرين عاماً  في السجن وهو ينحت في عقلية الاستبداد والظلم على آمل التغيير، وفي وقتٍ يرتكب فيه الدولة التركية وبأوامر مباشرة من القيادة التركية كل اساليب التعذيب النفسي بحقه إلى أن سنحت له الفرصة بعد عدة سنوات من فرض العزلة  بحقه للقاء بمحاميه ولفترة قصيرة لساعة أو ساعتين ربما في كل زيارة.

تعتبر رسالة أوجلان فرصة مناسبة لحل الأزمة السورية والأزمة التركية  وتشكل مخرجاً حقيقياً للقضية الشعب السوري عموماً.

هذه المبادرة تتركّز بمجملها حول دمقرطة سوريا, ومن خلالها تستطيع جميع المكوّنات أن تتعايش سلميّاً. أوجلان أوضح  في أكثر من مرّة بأنّ حلّ الأزمات لا يكمن بالوسائل العسكريّة, وأكّد بأنّ الحوار والمفاوضات والاتفاق هي أفضل السبل لإنهاء الصراع.

 حقيقة لا أعتقد أن النظام الفاشي القومومي الذي يحكم تركيا أن يصغي إلى صوت السلام بهذه السهولة، ولتركيا العديد من التجارب لا نود الغوص في سردها، ما لم يكن هناك ضغط دولي وإقليمي وشعبي بالدرجة الأولى على نظام حزب العادلة والتنمية، لذا على الدول التي تفترض بها أنها تعمل من أجل السلام ممارسة المزيد من الضغوط على النظام التركي، كذلك على القوى الوطنية رفع وتيرة الضغط الشعبي والسياسي في هذا السياق.

 ولأن الأفكار والرؤى التي طرحها ويطرحها القائد أوجلان من جديد في هذه الرسالة أو المبادرة تمنح مجالاً للدولة التركية لأن تراجع سياساتها في المنطقة فأن التركيز على رسالة أوجلان والعمل على مناقشتها وتحليلها ومن ثم رسم معالم مضمونها وفق مشروع سياسي نظرياً وعملياً سيؤدي بالنتيجة لفتح أبواب الحوار والتوافق بين كافة الأطراف وبالتالي ستزال كافة العوائق التي تحول دون تحقيق السلام و الديمقراطية في المنطقة والشرق الأوسط.

تلك الأفكار التي تحدّث عنها القائد أوجلان, خلال لقاء محاميه, تهدف لحماية قيم الديمقراطية في سوريا, تركيا وعموم الشرق الأوسط، وإلى إمكانية تأسيس ديمقراطيّة حقيقيّة أكثر من أي وقت مضى.

زر الذهاب إلى الأعلى