PYDمانشيتمقالات

ما وراء سعي النظام التركي لتوقيع اتفاقية أضنة2

سليمان أبو بكر

تسعى حركة التحرر الكردستانية منذ تأسيسها وحتى يومنا الراهن إلى إنبات بذور الحرية والعيش المشترك ليس فقط لأجل الشعب الكردي بل لعموم الشعوب في الشرق الأوسط والعالم، وهذا ما لم يرق للأنظمة القوموية والرجعية، لذا فقد كانت المواجهة هي عنوان كل المراحل التي مرت بها حركة التحرر التي قدمت آلاف الشهداء في سبيل تحقيق أهدافها السامية.

وكانت محور التناقضات بين الأنظمة في الشرق الأوسط بشكل عام خاصة بالنسبة لتلك الأنظمة التي ربطت مصير وجودها بالقضاء على حركة التحرر وفي مقدمتها النظام التركي.

من جانب آخر حاولت بعض الأنظمة استغلال حركة التحرر الكردستانية لصالح أجنداتها وسياساتها، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أو تزييفها هي أن هذه الحركة لم تخضع لأي من الأطراف المتصارعة حتى في أشد المراحل قسوة، وهذا الأمر مرده أيدولوجية ومنهجية حركة التحرر وفكر قائدها، وعلى أساسه خَطَت الحركة خطواتها حتى وقتنا الراهن.

خلال أربعة عقود مضت حاولت الأنظمة المركزية والقوى الدولية استمالة حركة التحرر وتحييدها عن منهجها ونضالها أو القضاء عليها  عبر الدسائس والمؤامرات لكنهم فشلوا، هناك الكثير من الأمثلة التي تثبت ما نحن  بصدده، ففي بدايات عام 1984 ومع بداية إعلان الكفاح المسلح، أقدمت الاستخبارات التركية وبمساعدة من الاستخبارات الألمانية وقوى التآمر الرأسمالية بفترة قصيرة على قتل رئيس الوزراء السويدي “أولوف بالمه” واتهام حركة التحرر الكردستانية بقتله، وذلك من أجل تأليب الرأي العام الأوروبي على حركة التحرر ووضعها ضمن لائحة الإرهاب.

ومنذ تلك اللحظة كشفت ألاعيب الأنظمة ومخططاتها الخبيثة ضد حركة التحرر الكردستانية، لكن هذه السياسات والحرب والاساليب القذرة التي اتبعتها تلك الأنظمة لم تنل من إرادة وتوجه الحركة بشكل عام، بل كانت بمثابة دافع لها لتصعيد نضالها بوجه الأنظمة الفاشية عبر توسيع نطاق نضالها من أجل الحرية على مستوى المنطقة والعالم أجمع.

وما نتج خلال السنوات السابقة من النضال هو أن العالم الحر والقوى الثورية الديمقراطية أيقنت تماماً بأن حركة التحرر الكردستانية هي القوة الوحيدة القادرة على التغيير وأن تكون البديل لنظام الهيمنة السارية على المجتمع الإنساني، كون هذه الحركة تمتلك القوة الفكرية وإرادة التغيير القادرة على تحرير المجتمع والانسان ويعيد إليه إرادته المسلوبة.

ومع بداية مرحلة التسعينات بدت معطيات مرحلة جديدة تظهر للعلن، وبشكل أكثر وضوحاً في عام 1993 مع  إيعاز القائد “عبدالله أوجلان” عن بدية تشكيل منظومة المجتمع الكردستاني KCK والتي كانت ركيزة من ركائز نضال حركة التحرر الكردستانية التي اتجهت بأهدافها نحو الخارج،  وهذه الخطوة كانت بمثابة زلزال هزَّ عروش الأنظمة وقوى الهيمنة التي سارعت إلى تكثيف تحركاتها لحبك مؤامرة جديدة ضد حركة التحرر الكردستانية، عبر استهدافها لشخصية القائد عبدالله أوجلان، وكانت النتيجة هي محاولة اغتيال القائد أوجلان في دمشق سنة 1996.

ومع فشل محاولات النظام التركي وقوى الشر في تحييد شخصية القائد أوجلان والقضاء على حركة التحرر، توجهت تلك القوى إلى ممارسة مزيد من الضغط على حركة التحرر، وذلك من خلال التحرك العسكري المباشر ضد سوريا.

تلك الفترة التي كانت فيها العلاقات بين النظامين التركي والسوري متوترة واقتصر التقارب بين الطرفين على المصالح المتبادلة بينهما، صعدت تركيا من وتيرة ضغطها على دمشق وهددت باجتياح سوريا إلا أن الجانبين اتفقا في نهاية المطاف على توقيع اتفاقية مشتركة في عام 1998 لمحاربة حركة التحرر وانهاء وجودها على الأقل في سوريا.

الجدير بالذكر أن القائد أوجلان تحدث بشكل واضح وصريح عن المؤامرة التي كانت تحضّر في أروقة استخبارات أنظمة المنطقة وقوى الهيمنة العالمية وأشار حينها إلى ضرورة أن تتوحد شعوب المنطقة في مواجهة هذه المؤامرة وقطع الطريق أمامها، لكن النتيجة كانت ضلوع النظام السوري في هذه المؤامرة بدءاً من التوقيع على اتفاقية “أضنة” ومشاركته في المؤامرة الدولية على القائد عبد الله أوجلان.

وخلال تلك المرحلة شدد النظامان قبضتهما الأمنية على أعضاء حركة التحرر الكردستانية وسُمح لتركيا بالدخول إلى الأراضي السورية، كما أقّرت سوريا بضم تركيا للواء اسكندرون، وفي المقابل قُدمت بعض التسهيلات للنظام السوري.

اليوم وبعد مرور عقدين من الزمن يعيد النظام التركي الكَرَّةَ ذاتها بعد فشله في القضاء على حركة التحرر الكردستانية التي أصبحت أكثر قوة وانتشاراً على مستوى سوريا والشرق والأوسط والعالم.

يحاول نظام اردوغان اليوم تجديد اتفاقية أضنة وتوسيع نطاق احتلاله وسيطرته على المزيد من مناطق شمال شرق سوريا، أي أن الأمر لم يعد مقتصراً على خمسة كيلو مترات، وبات الشمال السوري بعمق أكثر من 30 كم هو الهدف بالنسبة للنظام التركي.

بالطبع هدف اردوغان ليس فقط احتلال المزيد من أراضي سوريا، إنما محاربة مكتسبات الشعوب التي تحققت خلال السنوات الماضية والمتمثلة بالإدارة الذاتية الديمقراطية وهي بذرة من بذور الحرية التي أنبتت في هذه البقعة الجغرافية ونتيجة طبيعية للنضال الثوري المستند على فكر وفلسفة قائد حركة التحرر الكردستانية وهي في النتيجة مكسب لشعوب المنطقة والعالم برمته.

الاتفاق الجديد أو اتفاق “أضنة 2” الذي يسعى النظامان المتخاصمان إلى الوصل إليه يستند بكليته وجزئياته على اتفاقية “أضنة1″، وكما سابقتها تشارك عدد من الانظمة الاقليمية والدولية في هذه الاتفاقية لتُصاغ هذه المرة وفق أجندات تتجاوز حدود سوريا وتركيا، وليس المستهدف حركة التحرر فقط وإنما مكتسبات الشعوب.

بالطبع يسعى النظام التركي، الذي كثف من تصريحاته وعلى أعلى المستويات بأنه مستعد للتقارب مع خصمه السوري ومستعد لتقديم التنازلات للأسد وحلفائه، إلى تحقيق عدة مكاسب من هذا التقارب خاصة وأنه مقبل على انتخابات 2023، ويسعى إلى اجراء انتخابات مبكرة كونه فشل في تنفيذ كل أهدافه المعلنة وغير المعلنة، كذلك الأمر بالنسبة لنظام الأسد، حيث يحاول الطرفان إقناع انصارهما بتحقيق انتصار في هذه المرحلة، لذا هناك تكثيف وتسارع في محاولات اللقاء بين الطرفين على الاقل على الصعيد الإعلامي.

لا شك بأن القوى الدولية والاقليمية تلعب دور بنيوي في ترتيب صياغة هذه الاتفاقية وفي مقدمتها روسيا وإيران الولايات المتحدة الأمريكية ويحاول كل طرف فرض اجنداته.

ودور أمريكا في هذه الاتفاقية يأتي في إطار إيجاد بديل لاتفاقية سايكس بيكو عبر مشروع الشرق الأوسط الكبير وتقسم المجزأ إلى أجزاء أصغر، وكان نظام العدالة والتنمية رأس الحربة لهذه السياسة وأثر بشكل مباشر على المنطقة العربية والشرق الأوسط ككل.

بالطبع هدف جميع الأطراف المُشاركة في هذا الاتفاق هو ضرب مكتسبات الشعوب في المنطقة وتحجيم المشروع الديمقراطي الذي تحقق في شمال وشرق سوريا والضغط على حركة التحرر الكردستانية التي أصبحت أكثر قوة من ذي قبل.

الأمر الآخر هو أن القوى العربية هي أيضاً مستهدفة في هذه الاتفاقية، بل أن الاستهداف ستطال الأنظمة العربية التي تعرضت لشتى أشكال القمع على يد العثمانيين، وستكون للاتفاقية عواقب وخيمة على الرأي العام الدولي الذي يسعى إلى حل الأزمة السورية عبر الوسائل السياسية والقرار الدولي 2254، وسيكون الخاسر في هذه الاتفاقية هي الدولة السورية.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى