مقالات

ما بين الهرطقة الإعلامية التركية والحقيقة الواقعية

مما لا شك فيه أن أردوغان وحزبه؛ لم يقوموا بأي تعديلات ديمقراطية داخل تركيا، وبالدرجة الأولى تلك التعديلات التي تخص القضايا العالقة ومن ضمنها القضية الكردية التي تشكل محوراً أساسياً لجميع قضايا تركيا على الرغم من النداءات المتكررة من كرد تركيا (باكور كردستان) لإيجاد مخرج سلمي للقضية الكردية وجميع القضايا في تركيا؛ لكن حكومة أردوغان وحزبه لم يستجب لأيَّة مطالب أو لأي حوار ديمقراطي، بل على العكس ازدادت الهجمة التركية في الداخل من خلال اعتقال الساسة والمثقفين والصحفيين والقضاة والضباط على مستوى تركيا، حيث اُغتصبت الحياة السياسية الديمقراطية في تركيا من خلال زج جميع السياسيين والبرلمانيين عن حزب الشعوب الديمقراطي ورؤساء البلديات في السجون وإصدار الأحكام التعسفية بحقهم ولا زال الرئيس المشترك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي داخل السجون التركية بتهم زائفة و واهية.

كل هذا يؤكد على أن سياسة أردوغان في الداخل التركي تتجه نحو منحى تصعيدي وإلى عدم إيجاد حل لهذه القضايا هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تركيا خلال السنوات الأخيرة تحاول جاهداً تصدير أزمتها الداخلية إلى الخارج من خلال خلق مشاكل مع دول الجوار ولاسيما سوريا عن طريق دعم التنظيمات المتطرفة والإرهابية سواء أكان في الداخل السوري أو في شمال سوريا وروج آفا وتدخلاتها في إقليم كردستان والعراق وهذا التدخل ليس بجديد، حيث كان هناك تدخلات سابقة للجيش التركي في إقليم كردستان بدخول هذه الأراضي بعمق ٣٠ إلى ٤٠ كم لبناء قواعد عسكرية وهذا أمام أنظار الحكومة العراقية وأنظار حكومة إقليم كردستان دون تدخل مباشر أو حتى الحد من هذه التجاوزات.

دخول تركيا إلى هذه الأراضي يعد خرقاً للقانون الدولي وللسيادة الإقليمية، نستطيع القول بأن الدولة التركية التي يتزعمها أردوغان تحاول من خلال احتلالها لهذه المناطق إعادة أمجاد الامبراطورية العثمانية، ولهذه السياسة أهدافها؛ فأردوغان يسعى من خلال سياسته هذه إلى كسب الرأي العام الداخلي التركي، بالطبع هناك أصوات شوفينية وأصوات تتبنى هذه السياسة وتتستر بستار عثماني بزعم حماية الدولة التركية تحت حجج واهية وغير صحيحة، على الرغم من وجود أصوات ديمقراطية داخل تركيا تنادي بإحلال السلام في المنطقة وبإيجاد مخرج لجميع القضايا الداخلية في تركيا، وتحاول أيضاً خلق اقتصاد قوي لكن نلاحظ في الآونة الأخيرة تدهور السياسة الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية في تركيا، بالإضافة إلى تدهور علاقاتها مع الاتحاد الأوربي وجميع الدول المجاورة، وهذا يشكل أزمة خانقة لتركيا.

أردوغان يحاول من خلال هذه السياسات فرض هيمنته على الوسط التركي من خلال تقديم موعد الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في العام 2019 وتم تقديم موعدها إلى الرابع والعشرين من هذا الشهر لإزالة أو إبعاد الأزمة الداخلية والخروج بانتصار جديد يقوم بتحديد مسار هذه السياسة؛ فلولا تقديم موعد الانتخابات لسقطت حكومة أردوغان خلال الفترة القادمة ولكن من خلال هذا الاجراء أراد القيام بانطلاقة جديدة نحو الأسوأ والاستمرار بهذه السياسة.

أما بالحديث عن التجاوزات التركية في العراق؛ فنرى بأن الحكومة العراقية تتحرك في هامش ضيق ولا تقوم بأي ردة فعل جدية للحد من هذه التجاوزات؛ يبدو أنها إلى حد ما مقتنعة بهذه التجاوزات كون هذه التجاوزات تحدث في إقليم كردستان على الرغم من أن إقليم كردستان يعتبر جزء من العراق ولكن الحكومة العراقية لم تقم بواجبها القانوني، حيث أقل ما يمكن فعله هو استدعاء السفير التركي لديها واستنكار هذا التدخل وهذه التجاوزات على سيادة العراق؛ أو تقديم كتاب واعتراضات للأمم المتحدة ومجلس الأمن بخصوص التجاوزات التركية وخرقها لسيادة الإقليم ولسيادة الدولة العراقية وهذا جرم يحاسب عليه القانون الدولي، حيث لا يجوز لدولة أن تتجاوز الحدود الإقليمية لدولة أخرى.

يتوجب على الحكومة العراقية ومن خلال ممثليها وسلكها الدبلوماسي في الخارج تقديم اعتراضات جادة بهذا الخصوص ولكن الذي يبدو للعيان بأن سكوت أو عدم رد الحكومة العراقية على هذه التجاوزات يدل على رضاها.

وبخصوص الحوارات التي جرت بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية حول مدينة منبج فإن ما يقال على لسان مسؤولي الدولة التركية بأنه هناك اتفاق بينهم وبين الولايات المتحدة الأمريكية حول تسليم منبج إلى الجيش التركي غير صحيح،  لقد جرت بينهم حوارات وتفاهمات حول موضوع منبج لا أكثر، فمجلس منبج العسكري والإدارة المدنية في منبج سوف تستمر في عملها وكل ما يجري في الإعلام وما يقال على لسان المسؤولين الأتراك عبر وسائل الإعلام هو عبارة عن دعاية انتخابية لأردوغان وحكومته لإضفاء نوع من الانتصار لسياسته المتبعة في سوريا وخاصة في منبج.

زر الذهاب إلى الأعلى