مقالات

ماذا عن (اليسار) العربي في سوريا.. أين حل به المقام؟

مصطفى عبدو

في الأشهر التي سبقت الأزمة السورية انبثقت فجأة عدة صالونات ومنتديات ونشاطات معارضة (مؤقّتة) لتشجيع النقاش المفتوح حول القضايا السياسية وقضايا المجتمع المدني. دعت جميعها إلى إصلاحات سياسية وقانونية واقتصادية ،ومن الأهداف السياسية التي دعت هذه التجمعات إليها:

نظام ديمقراطي، حريات عامة وسيادة القانون، والاعتراف بحرية الصحافة وحرية التعبير. الحقوق الاقتصادية المستحقّة لجميع المواطنين.

يبدو اليوم اليسار السوري (مؤسسي أغلب هذه التجمعات) في حال من التلاشي والانهزام، معدوم القوة والتأثير بين مكونات المجتمع السوري ليس هذا فحسب بل تمكنت الجماعات الإسلامية من احتواء اليسار والتحكم به وإضعافه والصعود على أكتافه، وبالتالي دفعه إلى الهامش ..

فما أسباب تراجع دور هؤلاء (المثقفين اليساريين) وتلاشيهم في سوريا وفقدانهم التأثير الشعبي والاجتماعي وغيابهم الحقيقي والفاعل عن محاولات التغيير في المجتمع السوري؟ وهم من كانوا يوماً عنواناً للتغيير والمطالبة بحقوق الطبقات المسحوقة والتحرر الوطني وحق الشعوب في تقرير مصيرها ورفض الاستغلال والإقصاء، وغيرها من المطالبات ذات الصبغة اليسارية. فهل أنهت الأزمة السورية أفكار “اليسار”؟

ولماذا بقيت مواقف اليسار (المقصود) ضبابية تجاه الإدارة الذاتية التي تجتمع فيها كل ما كانوا يطالبون بها؟

الباحث الفرنسي نيكولا دوت بويار كان سباقاً في الإجابة على هذا السؤال حيث قال: “أن الحركات اليسارية العربية لم تخرج من رحم الأحزاب الشيوعية، بل من رحم القومية العربية”.

وشاطره الرأي الكاتب والمفكر الفلسطيني (سلامة كيلة) حيث قال: “أن أزمة اليسار مسألة باتت قديمة، كون اليسار بات يتلاشى ويتحول إلى أحزاب هرمة ذات سياسات تميل إلى المهادنة والتكيف مع الأمر الواقع، والقبول بأقل القليل، ولكون اليسار قد تجاوز المبادئ التي تجعل منه يساراً، فسياساته المهادنة وقبوله بالأمر الواقع هما ما جعلاه يتجاوز المبادئ التي تجعله يساراً، وبالتالي سيأفل بسبب انزوائه”.

بينما الكاتب والأكاديمي الأردني موسى برهومة رأى أن “اليسار” في لحظته الراهنة قد “استقر على هيئة واحدة تتمثل في مضغ التاريخ، وتجشؤ الماضي”.

ومن جانبه يقول الباحث خلدون النبواني في “أزمة اليسار”: أن استفحال أزمة اليسار السوري أو من كان يتأمل فيهم الجماهير إلى خضوع قسم منهم لشعار السلطات، وتحولهم إلى أداة في أيدي الدولة الشمولية التي تبنت بعض الشعارات الاشتراكية المناهضة للرأسمالية والاستغلال”.

والمشكلة الثانية التي أسهمت في تراجع الحركات اليسارية في سوريا، تكمن في انتهاء صلاحية الأيديولوجيا لتصبح أكثر تصالحاً مع الواقع والممكن وإكراهاتهما، بل أدى تحالف الأيديولوجيا الاشتراكية مع الدولة الشمولية إلى تطابقهما، حتى باتا يدلان على معنى واحد، ثم تحول معظم اليساريين السوريين إلى أصحاب أيديولوجيا أصولية في فهمهم وقراءتهم للأحداث، وتمسكهم بنظريات وشعارات فقدت صلتها بالواقع من دون أي نقد ذاتي أو إعادة قراءة للتجربة.

أما لماذا بقيت مواقفهم ضبابية تجاه الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فنترك للقارئ حرية الاستنتاج..

زر الذهاب إلى الأعلى