المرأةمقالات

ليكن يوم ٨ آذار انتفاضة المرأة الحرة ضد الذهنية الرجعية

شريفة حسين

عندما نطرحُ حدثاً تاريخياً في عصرنا الراهن، يجب أن نتطرق أولاً إلى مأساة النسوة الإيزيديات في شنكال (سنجار)، فالخمسة آلاف امرأة شنكالية اللواتي اختطفن وقُتلن أو تم بيعهن في سوق النِّخاسة كُن مستورات حسب المفهوم التقليدي للنواميس الوضعية والطبيعية وحسب مفهوم الشرف والحشمة، وكان هناك أيضاً خمسة عشر ألفاً من البيشمركة مهمتهم حمايتهن وتوفير الأمن والأمان لهنَّ، ولكن لماذا أصبحت الشنكاليات في يد داعش في غمضة عين؟ هؤلاء الحماة كانوا يقولون الشرف والعرض ولا شيء آخر سواهما! فأين ذهب الشرَفُ وقتها؟ لقد ذهب تحت الأرجل للأسف. والأمثلة على الأحداث التاريخية الحديثة هذه عديدة ابتداءً من الأنفال وحلبجة وليس انتهاءً باتفاقية الجزائر.

بات لزاماً في راهننا تصحيح تلك الذهنية التي جعلت الشرف في جسد المرأة وتركت كل ما هو مقدس،  فإلى متى سيعيش الكرد والمرأة الكردية هذه المآسي وجرائم الإبادة. إن الذهنية الإقطاعية والرجعية التي تدفع بالفتاة إلى الزواج المبكر بحجة الاستقرار لتمنعها من دخول المدارس والأكاديميات، قتلت الإرادة والحياة الحرة والمقاومة لدى المرأة وبالتالي فتحت الأبواب على مصاريعها لتتعرض المرأة على أيدي التنظيمات الإرهابية للسبي والاغتصاب والبيع والشراء كأي سلعة تباع وتشترى، أي أن هذا النموذج الرجال وبهذه الذهنية الرجعية لا يرى في المرأة سوى بضاعة يمتلكها من بين ممتلكاته التي تشتهيها نفسه عند الحاجة، وله الحق في تقرير مصيرها متجاهلاً جوهر المرأة وكيانها بل يراها عبدة أو أمَة تعيش لتخدمه، وبذلك يتعمد الرجل أن يمحي التاريخ العظيم للمرأة في الإبداع وإدارة المجتمع وتربيته، ويتجاهل تلك المرأة التي كانت المرشدة الحكيمة وصاحبة القيم والمبادئ الأخلاقية، وتحقق العدل والمساواة وترسخ السلام الاجتماعي من دون أن يكون هناك فرز للمجتمع بين طبقات عليا وسفلى بعيداً عن البظلم والاستغلال.

ومن هنا يحق لنا القول: إن القواعد التي كانت المرأة تدير بها المجتمع، هي الشرف بذاته، فالشرف في مفهوم المرأة هو الحماية والخبز والتراب والماء والطبيعة والوطن، وهو النظام العام العادل الذي صنعته وأدارته المرأة على مر التاريخ قبل ظهور النظام الأبوي البطريركي. كل تلك القيم مجتمعة تمثل الشرف ولا ينفصل شيء عن الآخر، وإذا لم يحافظ المرء على ذلك جميعاً فإنه يبقى بلا شرف، وليس كما يظنه أو يفعله التعصب الديني بجعل الشرف في جسد المرأة فقط، وهو ما يُعتبر منتهى الانحطاط الأخلاقي والذهني.

وبمقارنة بسيطة بين الأحداث التاريخية التي مرت على المرأة الكردية ومقاومتها التاريخية الحديثة ومشاركتها في الحرب على الإرهاب العالمي وهزيمته، كل ذلك يقتضي منا تصحيح مفهوم مصطلح الشرف، ويحتم العودة إلى حقيقة التاريخ وأن نرتقي بهذه الذهنية إلى شكلها الصحيح.

يقول القائد عبد الله أوجلان: “الحياة الخاطئة لا يمكنها أن تسير بالشكل الصحيح”، فإذا كانت الذهنية خاطئة، وترى المرأة ضعيفة ومهمتها تكمن بين أربعة جدران، ويُنظر إليها على أنها مخلوقٌ ناقص، بل يُنظر إليها على أنها جارية وسبيّة، لا يمكن أن تكون الحياة صحيحة وسليمة، وستفتح هذه الذهنية ميادين القبول بالذل والانحلال الثقافي والأخلاقي وستتفشى ظاهرة الانتحار وقتل النساء أكثر وأكثر بين أجيالنا القادمة كتداعيات لهذه الذهنية السلطوية المريضة.

ولعل من أجمل ما يصف مدى أهمية المرأة في الحياة، هو قول القائد عبد الله أوجلان، حيث يقول: “لا حياة بدون المرأة، وبدون الحرية لا وجود للجمال ولا للأخلاق”، وما أقصده بأخلاق المرأة هي قوة المرأة في اتخاذ القرارات، ولذلك نرى المناطق التي انتشر فيها الفكر الثوري والديمقراطي ويأخذ حرية المرأة أساساً، تخطت الحالات التي ذكرناها سابقاً إلا ما ندر منها، فالمرأة الواعية لتاريخها وثقافتها وحقوقها وحاجاتها تعرف كيف تدافع عن نفسها وعن قيمها وتعرف كيف تقرر مصيرها بنفسها. فمحاربة تلك الذهنية الرجعية السلطوية الذكورية والمعادية لحرية المرأة والمجتمع، على مبدأ Jin Jiyan Azadî  “المرأة، الحياة، الحرية” هو واجب وطني وإنساني وأخلاقي يحتمه علينا حاضرنا وتاريخنا ومستقبلنا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى