مقالات

ليس دفاعاً عن الإدارة الذاتية!

روشن مسلم
يبدو أن التآمر لتشويه دور الإدارة الذاتية في الشمال السوري مُستمر ومن الواضح أنه لن ينته، ومن الواضح أن ما فعلته الإدارة من أدوار دفاعية عن الكرد و وجودهم الحياتي والثقافي والاجتماعي، وتصديها للعدوان التركي الإخواني والداعشي الارهابي الذي وضع حداً لاستباحة دماء الكرد من القتل والتهجير إلى الإبادة الجماعية، هو ما أخاف تركيا وأصبح محور سياستها الخارجية، خاصة بعد ما أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي PYD في تشرين الثاني من عام 2013م إدارة ذاتية لمناطق شمال وشرقي سوريا، وهي تجربة حققت نجاحاً كبيراً في تحديث الإدارة، إضافة إلى الكشف عن وجه أردوغان الحقيقي كمحتل، ويبدو أيضاً ان أحد الأسباب الكبرى لهذا العداء هو أن الإدارة طرحت مشروعاً وطنياً في إطارِ وحدة الأراضي السورية، وكان طرحاً عاقلاً ومدركاً للواقع السياسي والمتغيرات في المنطقة، وكان نجاحها إحدى عوامل تشكيل مجتمع جديد في الشمال السوري متعايش ومتعاون رغم تنوع الثقافات والأديان والمذاهب، بالإضافة إلى إنه كان احدى عوامل الاستقرار في المنطقة رغم التآمر التركي والمليشيات التابعة له.
ان الوقائع والأحداث أثبتت ان الإدارة الذاتية بمقاتليها نساءً ورجالاً قدمت من أجل مشروعها الوطني الآلاف من الشهداء و الجرحى من أجل الدفاع عن الأرض والشعب، وأوقف أبطال شعبنا الكردي المُنتميين للإدارة الذاتية جريمة سبي نساء الكرد والسوريات منعاً لتكرار ما حدث من جرائم مع النساء الأزيديات في شنكال، واحتضنوا أبناء الشعب السوريين من كل المحافظات السورية دون تفرقة، و أقاموا المخيمات للنازحين مع توفير متطلباتهم الأساسية وتأمين الحماية الأمنية للجميع.
لقد انطلق هذا الموقف للإدارة الذاتية من فكرها وتبنيها لقيم الدفاع الحقة عن الإنسانية والعيش بكرامة بالإضافة إلى إنها أوقفت تمدد الاحتلال التركي الذي يطمع ليس فقط بمناطق الشمال السوري بل وبكل مناطق سوريا من منطلق إعادة وهم حلمه العثماني الذي يهدد أمن دول المنطقة ومستقبل شعوبها.
ان حجة تركيا الدائمة هي أمنها القومي لجعل القضية الكردية جسراً لتحقيق أطماعها في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، وكان الإدراك المبكر للقوى الكردية لهذا المخطط سبباً رئيساً في العداء التركي للشعب الكردي في المنطقة، وخاصة إنها قامت بالدور المهم في صد الغزو التركي وإفشال هذا المخطط، وكان مشروعها السياسي أحد أسباب نجاحها، فقد كان مشروعاً ديمقراطياً منفتحاً على جميع المكونات الوطنية والقومية الذي أعاد القضية الكردية لدائرة الضوء وبذلك خرجت القضية من دائرة النسيان. لقد كان هذا المشروع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي مشروعاً مقاوماً يهدف للحفاظ على الشعب الكردي ومكتسباته، و كان متفهماً لحياة الكرد و جميع مكونات شعوب الشمال السوري ومتطلباتهم المعيشية والتعليمية في رؤية سياسية واقعية دون الارتباط بأي قوى معادية للحقوق التاريخية للكرد. بالإضافة إلى إنها جعلت صوت الكردستانيين في كل مكان يصل إلى أسماع العالم من الشرق الأوسط إلى أوروبا وغيرها لدعم الحقوق المشروعة للشعب الكردي، وربما كان أيضاً من الأهمية أن نذكر ما طُرحه حزب الاتحاد الديمقراطي PYD حول أهمية الوحدة والتنسيق مع القوى الديمقراطية الكردية الأخرى، هذا الطرح الذي يعتبر من أهم المشاريع التي دعت لوحدة الشعب الكردي واستبعاد أي تدخل خارجي في الشأن الكردي، وإنهاء الانقسام على أسس وطنية ووحدة الفكر والنضال المشترك ضد القوى المعادية لأماني الشعب الكردي، و رغم كل ذلك لا تزال محاولات الإساءة والتشويه لدور الإدارة الذاتية مستمراً، والغريب ان بعض هذه الحملات لا تأتي فقط من الأعداء إنما تأتي أيضاً من أصوات ترفع -للأسف – رايات كردية وبشكل أو بآخر تُنسب للكرد إلا إنها تحمل أجندة معادية لشعبنا.
ان المخرج الوحيد لهذه الإشكالية هو إعادة الفرز السياسي لكشف حقيقة المواقف والتأكيد على معرفة من هو الصديق والرفيق ومن هو العدو، ثم التمسك بمسيرة الحوار بين الأحزاب الكردية على أسس المصالح الوطنية والقومية دون الارتباط بقوى خارجية يعلم الجميع إنها تهدف في النهاية إنهاء هذا الصعود للدور الكردي الذي حمى شعوب المنطقة من المد الإرهابي والاحتلال التركي. هذه بعض من الحقائق التي يجب ان تُذكر عن الإدارة الذاتية ونضال القوى الكردية في الشمال السوري، وهذا ليس دفاعاً عنها فالسجل النضالي هو الشاهد الوحيد على هذا، والذي يجعلها تدخل التاريخ من بابه الكبير.

زر الذهاب إلى الأعلى